سبب تفرد جريدة"تشرين"السورية بدعوة اللبنانيين الى التظاهر غداً لاسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، احراجاً كبيراً للقوى المحلية الحليفة لدمشق التي سألت مصادر فيها عن خلفية الدعوة التي فتحت الابواب على دمشق من كل الاتجاهات، وهي كانت في غنى عن التورط في الوضع اللبناني الذي يورط بدوره عدداً من الاحزاب والقوى السياسية اللبنانية التي أملت ألا تكون ارتكبت خطأ مقصوداً. فقد بادر معظم القوى اللبنانية الحليفة لسورية الى اجراء اتصالات بعيدة من الاضواء لمعرفة اسباب الدعوة الى تحريك الشارع تحت عنوان الضائقة المعيشية، بينما اعتبر الاطراف الذين هم في خصومة سياسية الآن مع دمشق أن الخطأ لم يكن مقصوداً بمقدار ما ارادت دمشق ان توحي للمجتمعين الدولي والعربي بأنها ما زالت تمسك بالورقة اللبنانية وانها قادرة من خلال نفوذها على ايجاد المتاعب في وجه الحكومة. ولفت هؤلاء الاطراف، كما تنقل عنهم اوساطهم الى ان دمشق تريد ان توحي للمجتمع الدولي بأن لديها القدرة على دفع الامور في لبنان الى حافة الهاوية وبالتالي يتوجب عليه معاودة فتح قنوات الاتصال العربية والدولية للتشاور مع النظام السوري حول كيفية الحفاظ على الاستقرار. ولفتت اوساط هؤلاء الاطراف الى أنها لم تفاجأ بمبادرة قوى معينة الى الاصطفاف وراء الموقف السوري، لكنها ترى ان هذه القوى غير قادرة على الامساك بالشارع من دون نزول التحالف الشيعي الذي وحده يشكل رأس حربة ضد الاكثرية النيابية في البرلمان. ورأت ان الضائقة المعيشية تحولت اخيراً الى عنوان سياسي كبير للقوى الحليفة لسورية للاعراب عن تضامنها معها في السراء والضراء بصرف النظر عن معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مشيرة الى ان المطالب الحياتية وان كانت مشروعة فهي لن تحل الا من خلال الحوار بين الحكومة والاطراف المعنيين وان اللجوء مسبقاً الى السلبية يعني ان من يسلك هذا الخيار اختار لنفسه طريق التصعيد السياسي لاعتبارات اقليمية ودولية. وأكدت ان اللعبة السياسية اصبحت مكشوفة وان تعاطيها مع التحالف الشيعي المتمثل بحركة"أمل"و"حزب الله"يختلف لجهة المضمون السياسي عن تعامل القوى المنضوية في الاكثرية النيابية مع القوى الاخرى المصنفة في خانة الالتزام على بياض بالتوجيهات السورية. وعزت السبب الى ان القوى الحليفة لسورية باستثناء الحركة والحزب ليست لديها ما تخسره على الصعيد السياسي خلافاً للتحالف الشيعي الذي يتمتع بقوة التمثيل، وبالفاعلية في الحياة السياسية اكتسبها في الانتخابات النيابية الاخيرة التي أدت الى خسارة ابرز الرموز الحليفة لسورية. واضافت أن تحالف الحزب والحركة مع سورية لا يعني التسليم بالموقف السوري من لبنان أسوة بالقوى الاخرى التي تركض وراء الثنائية الشيعية لتوفير الغطاء الذي يتيح لها البقاء السياسي. واعتبرت الاوساط ان تواصل الاكثرية النيابية وتحديداً"تيار المستقبل"بزعامة سعد الحريري و"اللقاء النيابي الديموقراطي"بزعامة وليد جنبلاط مع الثنائية الشيعية أمر ضروري، خصوصاً ان الاخيرة تتمتع بالخصوصية التي تسمح لها بمصارحة النظام السوري في كل شاردة وواردة وصولاً الى كبح جماح التصعيد السياسي تحت عباءة استحضار المطالب الحياتية عنواناً لمعركة سياسية لن ينجم عنها سوى الفوضى. واضافت ان الحاجة متبادلة بين الاكثرية النيابية والثنائية الشيعية التي حاولت في السابق القيام بدور التهدئة لدى دمشق لكنها لم تفلح في اعادة تطبيع العلاقات السورية - الجنبلاطية وبالتالي ليست هناك من مصلحة لأحد بأن يأخذ المبادرة الى فك التحالف الذي يتجاوز التعاون الانتخابي الى الشراكة السياسية مع الآخرين للنهوض بالبلد. واشارت الاوساط ايضاً الى ان انسياق دمشق وراء لعبة ممارسة الضغوط على الساحة اللبنانية قد لا يجدي نفعاً في ظل الرسائل التي تلقتها اخيراً من جهات عربية ودولية تدعوها فيها الى التعاون مع رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري من ناحية والى التهدئة في لبنان من ناحية ثانية، محذرة من انها وان كانت ترفض ان تكون طرفاً في اسقاط النظام السوري فهي في المقابل لن تغطي أي محاولة سورية للعب بالوضع الداخلي في لبنان. واوضحت ان دخول ايران على خط الازمة اللبنانية من باب تحالفها الوثيق مع سورية قد يكون له اسبابه الايرانية، لكن طهران قد تضطر الى مراجعة حساباتها في ضوء طبيعة الحركة الدولية في اتجاهها، ناهيك باختلافها مع دمشق على الوضع في العراق. وبالنسبة الى طريقة تعاطي"تيار المستقبل"و"اللقاء الديموقراطي"مع التحالف الشيعي فانهما يراهنان على قدرته في استيعاب الضغوط وعدم السماح لأحد بتوريطه في معركة امنية لا يريدها في ضوء تأكيد هذا التحالف انه لن يكون طرفاً في أي مشروع يراد منه تهديد الاستقرار العام في البلد لمصلحة تعميم الفوضى التي تستهدف المقاومة وتضرب الالتفاف الوطني من حولها. وقالت مصادر مقربة من الحريري وجنبلاط ان طمأنة الحزب و"أمل"الى مستقبل المقاومة لن يكون الا من خلال مواصلتهما"الهجوم الايجابي"في اتجاه التحالف الشيعي للحفاظ على الحد الادنى من التماسك الاسلامي الذي هو الاساس للدفاع عن الوحدة الوطنية. ونقلت المصادر عنهما قولهما ان حماية المقاومة تعتبر من الثوابت الوطنية التي من غير الجائز التفريط فيها او المقايضة عليها وان عدم التعرض لها هو على رأس اولوياتهما. وأكدت ان لا بديل من الحماية الداخلية للمقاومة مذكرة بدور الحريري وجنبلاط لدى حلفائهما في الاكثرية النيابية في تعديل الموقف من المقاومة واعتبار سلاحها مادة للحوار الداخلي يتم التعامل بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية، مشيرة الى ان التلويح بالفوضى من جانب سورية وبعض المتعاونين معها في بيروت سيزيد من توسيع رقعة الحوار بين التحالف الرباعي لقطع الطريق على من يحاول استدراج المقاومة لتكون طرفاً في"حرب الشوارع"السياسية. واذ اعربت عن ثقتها برد فعل التحالف الشيعي على من يحاول الزج بالمقاومة في اللعبة الداخلية، شددت في المقابل على دور الشراكة السياسية لتكون صمام الآمان لمواجهة من"يبشر"اللبنانيين بالفوضى. ولفتت المصادر ايضاً الى دور الحريري وجنبلاط في تدعيم المقاومة المسلحة بمقاومة سياسية تتعدى النطاق المحلي الى العالمين العربي والدولي انطلاقاً من الدفاع عنها والحؤول دون توفير الذرائع لمن يستعجل تطبيق القرار 1559 مراهناً بذلك على ان من يتزعم هذه المقاومة يحاول تصويب بندقيتها الى الداخل استجابة لرغبات اقليمية"ونحن من جهتنا لا نظن بأن الحزب لما عرف عن قيادته من حنكة وتبصر سيقع في المحظور الدولي وتحديداً الولاياتالمتحدة الاميركية التي تتحدث باستمرار عن انتفاء دورها". ورأت المصادر ان الحزب مدعوماً من"أمل"سينجح في تفكيك الالغام التي تنصب له من الداخل ولن يسمح بإحداث شرخ بين الاكثرية النيابية والشارع الذي لن يتحرك من دون مباركة التحالف الشيعي من ناحية و"التيار الوطني الحر"بزعامة العماد ميشال عون من ناحية ثانية على رغم ان قوى حليفة لسورية تراهن على وجود خطة لاقتسام الشارع بين هذين الطرفين للتسبب للحكومة بمزيد من الاحراج، ناهيك أن عون الموجود حالياً في واشنطن لن يقدم على مغامرة تغضب المجتمع الدولي ولا تنسجم مع التوجهات السياسية لمحازبيه في حال تقرر تصنيفه حليفاً لقوى متحالفة مع سورية.