ينتمي عرض"تحت رقابة مشددة"الى ذلك النوع من الاعمال التي يتسيّد فيها الممثل كل شيء. ففيه لا نرى لحظة المواجهة بينه وبين المشاهدين فحسب بل نرى، كذلك، كل التمارين والاعادات والارتجالات التي سبقت تلك اللحظة. نرى العرض ونرى البروفات الطويلة والمرهقة التي قادت اليه. نرى العرض ونرى فكرته وطريقة تأليفه التي خضعت، على الارجح، لتقطيع ومونتاج واضافة وتبديل كثير. للعرض وجهان، الخفي ويمثله الثلاثي سامر قدورة وجورج كرباج وهاغوب ديرغوغاسيان الذين قاموا بتنسيق العمل وادارته والتحريض على كتابته، وتولوا مهمة تشغيله ومراقبته اثناء العرض. اما الوجه الظاهر فتسيدته اربع ممثلات شابات"يحاولن تأدية دور مسرحي بجدية"كما جاء في بطاقة العمل، وهن: مروى خليل وتانيا خوري وأندريه ناكوزي وإلسا العم. السبعة عملوا كفريق، وكانت الفكرة في البداية ان يقدموا مسرحية"رقابة عليا"للفرنسي جان جينيه، ولكنهم تركوها مفضلين كتابة عرض مصنوع من اجساد الممثلات الاربع وسردهن للظروف النفسية والمهنية التي تخص معاناة أي ممثل شاب يعيش اليوم في بيروت. يُفاجأ المشاهدون، اثناء دخولهم الى القاعة الصغيرة من مسرح مونو، بالممثلات يرحبن بهم على الباب، لقد كُتب على بطاقات الدخول اننا"زوار"وهذا يفترض انهن سجينات. وهذا ما يتضح لاحقاً. فبعد مدخل قصير مشتق من نص جان جينيه الاصلي. تتجه الممثلات الاربع الى اماكنهن خلف حاجز معدني مشبك قسِّم الى اربع خانات وتثبيته على استاندات وقضبان تعلوها اربع شاشات. الممثلات في معتقل، والمشاهدون في هيئة من يزورون اقرباء في السجن. الفارق يكمن في ان الممثلات سجينات ادوارهن، كأن احداً اجبرهن على القيام بها. المشاهدون جالسون في مواجهة الشبك المعدن، والمسافة بينهم وبين الممثلات تحتل كل واحدة خانة خاصة بها لا تتجاوز متراً واحداً وتتحول الى سنتمترات اثناء خروجهن المتكرر بواسطة قضبان وأقفال متحركة ليتحدثن مع الجمهور مباشرة. ما نشاهده امامنا هو النسخة البصرية النهائية للعرض ولكننا نشاهد، في الوقت نفسه، الطبقات الادائية التي تحت سطحه، ونشاهد، ايضاً، المراحل والظروف والصعوبات التي واجهها النص حتى وصل الى لحظة العرض. النص اقرب الى اربع مونولوجات لأربع ممثلات، وهو يروى من قبلهن او يبث على الشاشات الاربع الموضوعة فوق رؤوسهن. تروي كل ممثلة تجربتها الخاصة في العمل او تبرر مشاركتها فيه من وجهة نظرها. فهو نوع من"ورطة"لاحداهن، و"عبث"لثانية و"تعذيب جسدي"لثالثة و"قصاص"للأخيرة. والسبب هو كونهن ممثلات او دفعهن القدر لدراسة المسرح ثم التخرج والتمتع بالبطالة!؟ المونولوجات تتطور الى اعترافات هناك سلطة غير مرئية تدير اللعبة والى شكل من اشكال البوح النفسي والعيادي. ونروح، كمشاهدين، نسمع اخباراً وحوادث من المفروض انها غاية في الحميمية والخصوصية، إضافة الى دلالاتها الاجتماعية المحلية. فتقول مروى خليل انها من الجنوب ولكنها تتكلم الفرنسية. اما اندريه ناكوزي فتصرخ:"كل يوم تمرين... شو مفكرني راس حربة بفريق النجمة". بينما إلسا العم وتانيا الخوري تتحدثان عن الجهد العضلي المنهك والكدمات والرضوض التي تعرضت اجسامهن لها بسبب السينوغرافيا المعدنية. ألوف في النهاية"أربعة اشهر تمرين من اجل عرض يدوم 40 دقيقة"كما تقول مروى خليل. الممثلات الاربع يرتدين ثياباً موحدة، تعرّف كل واحدة عن اسمها ومكان ولادتها ورقم هاتفها... الخ. حتى لو كان كل ذلك، او جزء منه، تأليفاً فإنه يظل محتفظاً بعنف وضراوة وحميمية وصدق ملموس، وهذا يؤكد، على الارجح، النواة الواقعية والحقيقية والذاتية للنص والعرض معاً. والحال ان هذا اقرب الى الاقناع والصواب، خصوصاً ان العرض ينتهي ببث شهادة مصورة تقر فيها كل واحدة منهن انها مثلت او اشتركت في المسرحية وهي في كامل قواها العقلية، وانها مسؤولة عن كل ما قالته فيها، مع تحفظ اندريه ناكوزي وتانيا خوري عن عبارتين وردتا في"اعترافاتهما"، وقد اضطرتا لقول العبارتين مع انهما لم تقتنعا بها، في اشار الى مزاج العرض القائم على المونولوج النصي والجسدي، والى كلمة"الرقابة"المثبتة في عنوان المسرحية. يحمل العرض نكهة طليعية وتجريبية تنضم الى التجارب الابرز والاكثر راهنية لشبان المسرح اللبناني، ولكن العرض، في الوقت نفسه، عانى من بعض المشكلات في توضيبه النهائي، فلم يكن الاحتفاظ بالمدخل المأخوذ من نص جان جينيه مبرراً خصوصاً بعد استبعاده وتغيير فكرة النص. اضافة الى استخدام شاشات التلفزيون التي باتت من مستلزمات أي عرض مسرحي يدعي التجريب.