دخل الكرادلة الكاثوليك في عزلة وانقطعوا عن العالم الخارجي لاختيار خلف للبابا يوحنا بولس الثاني، لتترافق مشاوراتهم مع ترقب شعبي في أميركا اللاتينية. ويرى البعض أن وصول بولوني الى سدة البابوية يجعل من الصعب العودة الى اختيار خلف إيطالي، فيما يعتقد البعض الآخر أن المرحلة الانتقالية بعد حبرية دامت أكثر من ربع قرن، ملائمة للعودة الى التقليد واختيار إسم قريب من"الخورية"أو الحكومة الفاتيكانية. ويرفض الخبير في الشؤون الفاتيكانية ماركوس بيريتي الخوض في هذه المعضلة، لازدواجية الاختيار على حد قوله، إذ يرى بيريتي انه من جهة انتخاب، ومن جهة أخرى عملية تكيّف الكنيسة الكاثوليكية مع تحديّات عصرها، مرجحاً للبابا الجديد"إذا لم يكن إيطالياً، ان يكون حتماً من أميركا اللاتينية". قارة كاثوليكية وإذا كان العدد هو ما يحسم الخيار، فربما تكون أميركا اللاتينية الأكثر أهلية باعتبارها القارة الكاثوليكية بامتياز، اذ تضم أكثر من أربعين في المئة من كاثوليك العالم، خمسهم يعيش في البرازيلوالمكسيك. ويمكن القول إن أميركا اللاتينية كاثوليكية الهوى، بمعنى أن الكاثوليك في دولها يمثلون نسبة لا تتدنى الى خمسة وسبعين في المئة وتصل أحياناً كثيرة الى تسعين أو خمسة وتسعين في المئة. ولم تعد العقيدة الاميركية اللاتينية مشكلة بعدما نجح حنا بولس الثاني، البولوني المحافظ، في القضاء على الخصوصية اللاتينية التقدمية التي كانت تتمحور حول"لاهوت التحرير"قبل ثلاثين سنة، ما جعل في حينه استقلالية الكنيسة الأميركية اللاتينية الضحية الأولى لمشاريع الفاتيكان النيو - مركزية. حاجات مختلفة وثمة شبه إجماع اليوم على حاجة الكنيسة الماسة الى جرعة كبيرة من اللامركزية. فهناك حاجة آسيا - مستقبل الكاثوليكية كما كان يردد يوحنا بولس الثاني، وحاجة أفريقيا القارة ذات النمو الأسرع للكاثوليكية في العالم، وحاجة الكنيسة الأميركية اللاتينية التي أخذ نجمها يأفل أمام صعود الكنائس الإنجيلية. وأخيراً، حاجة أوروبا وأميركا الشمالية حيث أخذت مواضيع مثل العلم والجنس ومشاركة المرأة تسمم علاقات الكنيسة مع مجتمعاتها. من الموقع الى الواقع على رغم عدد مندوبيها المحدود في المجمع الفاتيكاني، ربما يصبح الخيار اللاتينو - أميركي في واقع كهذا حلاً وسطاً مقبولاً، ميزته الأولى أنه قريب من التقليد اللاتيني، ما يسمح بنقل الكنيسة في شكل سلس من موقعها الأوروبي الى واقعها العالمي. ومن بين الأسماء المطروحة في هذه القارة الكولومبي: هويوس، وهو ديبلوماسي أصيل من"الخورية"الرومانية، والبرازيلي هومس أي كاردينال سان بولو، أو كاردينال بوينس آيرس اليسوعي الأرجنتيني بيروغليو. وجميعهم محاورون جدّيون في معضلة الانفتاح على مواضيع الحداثة. يضاف إليهم ميرادياغا من هوندوراس وكاريرامن المكسيك، وهما أصغر سناًّ، أكثر يسارية في الشؤون الاجتماعية وأكثر محافظة في الشؤون المجتمعية، ما يجعل حظوظهما أقل من السابقين. ... ولأفريقيا حصة في المطالبة في المقابل د ب أ، بدأ يطرح في افريقيا تساؤل عن امكان اختيار البابا القادم من القارة السمراء، لا سيما أن تاريخ الكنيسة الكاثوليكية يتحدث عن أول بابا أسود من أفريقيا يدعى خليا سلوس اعتلى كرسي البابوية في نهاية القرن الخامس الميلادي. ويأتي ذلك بعدما أعرب الأسقف الجنوب أفريقي ديسموند توتو عن أمله في أن يكون البابا الجديد من أفريقيا. وتبدو الأسباب كافية لتحقيق هذه الأمنية، ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية في أفريقيا تعتبر صاحبة أكبر معدلات نمو، وتحظى القداديس باهتمام كبير من المواطنين. ويعتقد كثيرون أن الكنيسة الافريقية التي تضع مساعدة الفقراء شعاراً لها، ستكسب مزيداً من الصدقية في حال اختيار بابا من أفريقيا، مقارنين في ذلك تأثير اختيار كوفي عنان في عمل الاممالمتحدة. ويحظى الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينزى 72 عاماً بأكبر الفرص بين المرشحين الأفارقة الأحد عشر نظراً إلى سيرته الذاتية الحافلة بالأحداث. ويرى الكثيرون في اتصالات أرينزي الطيبة مع العالم الاسلامي، سبباً مشجعاً يؤهله لتولي المنصب.