حتى لا يساء فهمنا، أبدأ بلعن وإدانة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية المحتلة، وتحميله مسؤولية ما يحدث على الساحة الفلسطينية والعنف الذي جرى في السنوات الأربع الماضية. لكن هذا لا يلغي أن قادة"حماس"كثيراً ما تأخروا في إدراك صحة توجهات منظمة التحرير الفلسطينية التي بدأتها قبل ثلاثة عقود وأوصلتها في نهاية الأمر الى أوسلو، مما سمح بتحرير جزء من الأرض المغتصبة. على أنه لا بد من تشجيع هذا التحول لأسباب كثيرة أهمها مساعدة الفلسطينيين على إجراء حوارات داخل مؤسساتهم، بدلا من إجراءها على الفضائيات حيث يتفنن عادة الغوغائيون في التصلب في المواقف. كذلك ف"حماس"بحاجة الى تدريب مكثف للإنخراط في المؤسسات السياسية الفلسطينية التي حملت قضية فلسطين لعقود سبقت ظهورها، بدلا من العمل خارجها وبالتالي إضعافها. كما يساعد هذا التوجه الرئيس الفلسطيني ويمنحة شرعية أكبر في تمثيله للشعب الفلسطيني ولا يستطيع أي كان عندها أن يقلل من شأنه، كأن يقول: هذا رأي الرئيس ولكن ماذا عن رأي"حماس". ثم، ان أية تسوية سياسية للقضية الفلسطية ستكون اكثر شرعية من سابقتها اوسلو. الا انه، وفي نفس الوقت، يجب ان لا ننسى ان"حماس"أضعفت القضية الفلسطينية عندما تبنت العنف كإستراتيجية لطرد الاحتلال البغيض وفكرت مخطئة بانها ندا للقوة العسكرية الاسرائيلية الغاشمة. وللأسف فإن توظيفها للعنف وعسكرة العمل الفلسطيني جاءا في فترة تعاظمت فيها القوة السياسية للسلطة الفلسطينية، فكان الموقف الفلسطيني في غاية القوة في منتصف التسعينات وكان المجتمع الاسرائيلي يعاني الأمرّين. وفي هذه الغضون وقعت"حماس"في فخ إستدراج اسرائيلي إغتيال يحيى عياش وبدأت بتفجيرات اربعة شهيرة أوائل 1996 كانت كافية لإطاحة حزب العمل انتخابياً واستبدالة ببرنامج يميني قبيح ادى الى تخريب عملية السلام. ومنذ ذلك الوقت والرئيس عرفات يعاني المصاعب، فيما انتقلت الانقسامات تدريجيا الى داخل المجتمع السياسي الفلسطيني. وقد أدت تصرفات"حماس"غير الاستراتيجية الى إضاعة فرصة حقيقية لاحداث تحول في العقل الجمعي الاسرائيلي في ما يخص إمكانية التعايش مع الشعب الفلسطيني. ولولا إصرار"حماس"على عسكرة إنتفاضة الأقصى والإكتفاء بمظاهر الإحتجاج غير العنيف لكان من الممكن أن تطرح أسئلة مختلفة تماما على المجتمع الاسرائيلي، وهو مما لم يكن في وسع اليمين الاسرائيلي الاجابة عنها. وعلى العكس، أدت عسكرة الانتفاضة الى توحيد الشارع الاسرائيلي خلف قيادة شارون. وبالتالي فان الذي يخسر، في هذه السياسة، هو الشعب الفلسطيني، إذ جاءت فكرة الجدار العازل الكولونيالية بحجة مواجهة الهجمات الانتحارية داخل اسرائيل. ولم تستطع"حماس"ثني الحكومة الاسرائيلية عن رأيها في إقامة الجدار العنصري. وكانت المشكلة أن"حماس"لم تفهم الرأي العام العالمي، بعد 11 أيلول سبتمبر حيث أصبح تسامح العالم مع الارهاب صفرا. وللأسف فان العالم أجمع كان يرى في العمليات الفدائية التي مارستها بانتظام حركة"حماس""إرهاباً"فلسطينياً وبإمتياز! وهي حتماً لم تفهم الرأي العام الاسرائيلي بالرغم من التقارب الجغرافي. لكن يُقال: أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل مطلقا. والتغير الجديد في توجه"حماس"، وإن جاء متأخراً، مرحب فيه. ويرجى ان يتجاوز الفلسطينيون حالة الضعف السياسي والانكشاف الاستراتيجي التي ساهمت فيه وبقوة حركة"حماس". جامعي أردني