دلال مكتئبة. تجلس في المقهى حزينةً. ترتشف قهوتها وتدخن سيجارتها، وتنفخّ على مشاكل الحياة. يسألها الأصدقاء عن حالها فتجيب أنه من الأفضل ألا يسألوا لانها تخشى ان تتذكر أنها ليست بخير. هذا لو نسيت أصلاً! فهي انتهت للتو من مشادة كلامية مع والدتها وقبل يوم كانت على خلاف مع والدها. أصبحت المشاكل خبزها اليومي كما تقول."كم اتمنى ان أعيش بمفردي وأرتاح من كل ما ينغّص عليّ حياتي داخل المنزل العائلي". دلال في الخامسة والعشرين, طالبة جامعية تعيش في بيئة اجتماعية محافظة وتدرس بعض الطلاب اللغة العربية. تقول دلال انها تود لو تعيش وحدها حتى أصبحت تنام وتستيقظ على هذا الحلم. تقول انها تريد من خلال ذلك ان تفرض قوانينها الخاصة في المكان الذي تملك"My house"my rules. تودّ دلال أن تحضر الى المنزل ساعة تشاء وتغادر ساعة تشاء, أن تأكل ما تريد, وتلبس ما تحب وأن تستقبل من تريد من الأصدقاء. لماذا العيش في بيروت؟ ولا تشذ دلال عن القاعدة بين مجايليها اللبنانيين فالكثير من الشبان والشابات يسعون للعيش بمفردهم, وهذا لا يعني نبذهم للعائلة على رغم ان بعضهم لا يتوانى عن توجيه الإنتقادات اللاذعة لعائلاتهم لكن الهدف الأساس لا يعود إلا الى الرغبة في العيش بإسلوب شخصي . بيروت العاصمة اللبنانية المنفتحة هي المكان المفضل لكل الشباب اللبناني من مختلف المناطق للعيش والدراسة. إنفتاح بيروتالمدينة التي عانت ما عانته من ويلات الحرب تلك الحرب التي لا يعلم عنها الشباب اللبناني الا القليل، لا تثنيه عن إبداء الرغبة الشديدة في العيش فيها. سنا لا ترغب بالعيش بمفردها إلا لكي تحضر من تريد من أصدقائها وزملائها."في المنزل كلما أتيت بصديقة توالت الأسئلة من امي عن سلالة وأصل كل منهنّ... من هي؟ إبنة من؟ لماذا تلبس كذا وكذا؟.. أما عن الذكور فمن غير المسموح بل من غير الممكن التفكير حتى بإحضارهم الى المنزل.. فوالداي لا يؤمنان بالصداقة بين الرجل والمرأة"قالت سنا طالبة الحقوق في الجامعة اللبنانية في طرابلس شمال لبنان. أما سعاد فلا تواجه هذه المشكلة ولكنها تفضل أن تعيش في منزل وحدها وتحديداً في العاصمة. وتقول"أحب أن أعيش وحيدة.. حتى في غرفتي هناك كل الادوات والأجواء التي تعد لهذا الأمر. كما أن العيش في بيروت مختلف تماماً عن السكن في مدينتي، بيروت مدينة الليل والنهار". ولا يتوقف الامر عند الفتيات فنبيل مثلاً يعاني مشكلات كثيرة مع ذويه وهم لا يتوانون عن استخدام العامل المادي تهديده بإيقاف دعمهم المادي له إن لم يرضخ لأوامرهم. فيقول"لا يمكن أن تمر محاضرة الصباح على خير". وكلما عاد ليلاً من سهرة السبت مع اصدقائه يكون والده في انتظاره فتبدأ المسرحية من جديد ولا تنتهي إلا باعتذار نبيل من والده ووعده إياه بعدم تكرار فعلته بالسهر كثيراً. لكنه يعلم أن الامر لن يتوقف طالما هو يعتمد بمصروفه على والده"لأن الإستقلال المادي هو العامل الرئيس الذي يؤدي الى الاستقلال المعنوي، والاستقرار النفسي. لكن المشوار طويل"يقول نبيل. ويضيف"هيهات أن اجد عملاً وأستقر فيه ومن ثم أجد منزلاً في العاصمة، وأعيش حياتي كما يحلو لي... عندها تكون أيام شبابي قد انقضت".