لعب "المتغير النفطى" منذ منتصف السبعينات دوراً مهماً وحاسماً في حياة المجتمعات العربية، من خلال عملية "إعادة تدوير" الأموال النفطية داخل الاقتصادات العربية وخارجها، ما أدى إلى نمو وازدهار أنشطة ثلاثة قطاعات رئيسية هي: 1 - التشييد والبناء، 2 ? التجارة، 3 ? المال. كذلك فإن عملية الحراك الاجتماعي الكبيرة، التي حدثت في المجتمعات العربية النفطية وغير النفطية تحت تأثير المتغير النفطى، من خلال عمليات الهجرة الواسعة للعمالة منذ منتصف السبعينات، أدت إلى حالة "سيولة اجتماعية" عالية في المجتمع العربى. وعلى صعيد حركة رأس المال العربى، توجه معظم الأموال والبترو دولارات الى الاستثمار خارج المنطقة والحصول على عوائد تملّك ريعية" أو "شبه ريعيه". وتكفي الإشارة إلى ما جاء في تقرير ل"الحياة" 17 كانون الثاني 2005 من أن المستثمرين العرب حوّلوا ما يقرب من تريليون دولار ألف بليون دولار من استثماراتهم إلى خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر. وهكذا، فإن انحسار الموجة النفطية في المستقبل سيفضي إلى أزمة بنيوية حادة، نتيجة عدم التوافق بين مقومات البنيان الاجتماعي والطبقي الذي ولدته الحقبة النفطية، من ناحية، وبين مقومات الأساس الاقتصادي والمادي لقوى الإنتاج الحقيقية في المجتمعات العربية المعاصرة، من ناحية أخرى. وفي تقديرنا، أن الأزمة مقبلة عندما ينتهي مفعول "المخدر النفطى"، وتفيق المجتمعات من غفوتها التي غذتها "السكرة النفطية" على حقائق الوضعية الجديدة: "وضعية ما بعد النفط"!، حيث تصعب إعادة إنتاج الأوضاع الاقتصادية وحالة السيولة الطبقية التي سادت خلال الحقبة النفطية، بفعل "دخول ريعية" و"شبه ريعية" غير مرتبطة بالأساس المادي لعمليات الإنتاج وإعادة الإنتاج في الاقتصاد العربي. وتدل كل الشواهد والمؤشرات على أن السنوات المقبلة الممتدة خلال الحقبة المقبلة من القرن الواحد والعشرين 2010 2020 ستشهد أزمة "تصدع" الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، المستندة إلى "الحالة الريعية"، التي ولدها "الريع النفطى" ومشتقاته في معظم البلدان العربية. وباختصار، فإننا نعتقد أن مع انحسار الحقبة النفطية، والخروج من "الحالة الريعية"، ستحدث تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وتصويبات اقتصادية مهمة. فلقد ساعد تدفق الأموال النفطية على توسيع حجم ومراتب "الفئات الُمرسملة" عموماً، كبيرها وصغيرها، من دون قاعدة إنتاجية متينة، ما أدى إلى تناقض صارخ بين قواعد الإنتاج وأنماط الاستهلاك، من ناحية، وبين الطاقة التصديرية المحدودة والطاقة الاستيرادية الهائلة، من ناحية أخرى. خلاصة القول هنا أن التغيير والتصويت يبدو لنا ضرورة تاريخية ملحة. * أستاذ الاقتصاد، جامعة القاهرة.