شهدت معظم أسواق الأسهم العربية موجة من التصحيحات خلال الأسابيع الماضية، وكان حجم التداول ضعيفاً في شكل عام، مع انتهاء السنة المالية وقرب إعلان الشركات المدرجة عن نتائجها السنوية. وانتقلت ظاهرة التصحيحات في الأسعار من سوق الى اخرى. فتراجع مؤشر سوق الأسهم الأردنية بنسبة 13 في المئة من أعلى مستوى وصل إليه، وجاء التصحيح في سوق فلسطين في حدود 22 في المئة، وفي سوق الإمارات 25 في المئة وفي سوق الدوحة 20 في المئة، في حين لم يتعد التصحيح في سوق الكويت والسعودية 7 في المئة و 3 في المئة على التوالي. وجاءت ظروف المنطقة الاقتصادية وتوافر السيولة الفائضة، لتحمي أموال الداخلين الجدد الى أسواق الأسهم، الذين كان يمكن لأي حركة تصحيحية قوية ولفترة زمنية معينة، من أن تلحق بهم خسائر فادحة وتخرجهم من الأسواق، ونخسر معهم شريحة مهمة من المستثمرين. غير ان هذا لم يحدث، فعملية التصحيح الأخيرة وخصوصاً في أسواق الأسهم حيث المغالاة واضحة في أسعار كثير من الشركات المدرجة فيها، ساعدت على عودة هذه الأسعار إلى معدلات أكثر عقلانية. ومن المتوقع أن يصبح التركيز الآن أكبر على مؤشرات تقويم الأسهم، بدلاً من توجهات أسعار هذه الأسهم والمعلومات من الداخل، والإشاعات التي غالباً ما يعتمد عليها المضاربون. وعمليات التصحيح هذه قد تطول أو تقصر بحسب النتائج المالية للشركات المدرجة عن عام 2005، التي سيبدأ نشرها تدريجاً خلال الأسابيع المقبلة. كما أن عودة مكرر سعر السهم إلى العائد إلى المعدلات المقبولة عالمياً، أي في حدود 20 الى 25، مقارنة بالمعدلات التي فاقت مستوى 30 في بعض هذه الأسواق ولبعض الأسهم المدرجة، ستجذب مزيداً من المستثمرين المحترفين من محافظ وصناديق استثمار مشتركة. وبشكل عام يتوقع أن يكون أداء أسواق أسهم دول المنطقة إيجابياً في عام 2006، إلا أن هذا الأداء قد لا يصل الى المستوى المتحقق في عام 2005. پهناك شركات كثيرة مدرجة، خصوصاً شركات التأمين، والوساطة والاستثمار، والشركات المالية التي حققت كثيراً من أرباحها خلال السنين الثلاث الماضية من محفظتها الاستثمارية في الأسهم. ويرى القائمون على هذه الشركات أن الوقت قد أصبح مناسباً لتحويل جزء من هذه الأرباح الدفترية إلى أرباح محققة وذلك لسببين: الأول هو أن هذه الأرباح قد تكون استثنائية ويصعب تحقيقها في السنوات المقبلة، وأن من الأجدى رسملة جزء منها والإفادة منها في عمليات حيازة شركات مشابهة أو مكملة لعملها، أو الدمج مع شركات أخرى . الثاني: سترتفع أصوات المساهمين في الجمعيات العمومية المقبلة مطالبة مجالس إدارة هذه الشركات بتوزيع نسبة أعلى من الأرباح للعام المنصرم. لذا بدأت هذه الشركات بتسييل جزء من المحفظة الاستثمارية لديها لتحقيق أرباح نقدية يمكن توزيعها على المساهمين، وهذا احد أسباب تراجع أسعار الأسهم أخيراً في عدد من أسواق دول المنطقة. ومن الواضح ان هناك علاقة ترابط قوية بين أسعار النفط ومؤشرات أسواق الأسهم الخليجية. فالارتفاع الكبير في أسعار النفط كان المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي وزيادة حجم السيولة الفائضة في السوق خلال العاميين الماضيين، كما أنه ساعد على وجود شعور عام بالتفاؤل، انعكس إيجاباً على أداء أسواق أسهم دول المنطقة. وليس متوقعاًً حدوث مثل هذا الأداء الاستثنائي مرة أخرى في عام 2006 أيضاً، إلا إذا سجلت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً لتصل إلى مستوى 90 دولاراً للبرميل. كما لا يتوقع أن تهبط أسعار الأسهم في شكل كبير ما لم يحدث ما هو غير متوقع وتتقلص السيولة في هذه الأسواق، إذا تراجعت أسعار النفط من معدلاتها الحالية لتعود إلى حدود 30-40 دولاراً للبرميل، وهي المعدلات التي اعتمدتها الدول الخليجية لأسعار النفط عند إعداد موازناتها السنوية لعام 2006. إن العوامل نفسها التي أدت إلى الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم الخليجية، ساعدت على تحسن أسواق أسهم الدول العربية الأخرى. وهي تشمل أداء اقتصادياً قوياً، وربحية مرتفعة للشركات المدرجة، وسيولة فائضة ورؤوس أموال خليجية وعربية تبحث عن مجالات استثمار محلية وإقليمية واعدة، وزيادة إقراض المصارف لقطاع الأفراد والذي تم توجيه معظمه إلى أسواق الأسهم، وضعف أداء أسواق الأسهم العالمية، وزيادة التحويلات التي يرسلها العاملون الوافدون إلى ذويهم، وارتفاع حجم التصدير إلى دول الخليج وزيادة حجم السياحة البينية العربية. ومن العوامل المكملة الأخرى سياسات إعادة الهيكلة والانفتاح الاقتصادي التي تم إدخالها أخيراً، وتراجع عوامل الشك في المنطقة ككل، وقيام هيئات رقابية أكثر فعالية على أسواق الأسهم بهدف تعميق هذه الأسواق وزيادة شفافيتها وفتحها للاستثمار الخارجي. أضف إلى ذلك قيام المزيد من المستثمرين العرب بتقليص تدفقات استثماراتهم إلى الخارج والتركيز أكثر على أسواق دولهم ودول المنطقة الأخرى. وعوامل القوة هذه ما زالت قائمة في معظم أسواق دول المنطقة، ما سيحافظ على زخم أداء هذه الأسواق لعام 2006. ان مؤشرات تقويم الأسهم لمؤشر السوق ككل مثل معدل السعر إلى العائد P/E ومعدل السعر إلى القيمة الدفترية P/BV ومعدل الأرباح الموزعة Distributed Yields والتي ما زالت عند مستويات مرتفعة في أسواق كل من السعودية والإمارات وقطر والأردن، تعطي صورة عامة للسوق وتشير إلى وجود مغالاة فيها. غير ان هناك كثيراً من الشركات المدرجة والتي ما زالت أسعارها عند مستويات مقبولة، واقل بكثير من المعدل الإجمالي للسوق. لذا فإن من المهم دراسة الشركات المدرجة كافة كل على حدة وتقويم أسعار أسهم هذه الشركات بحسب أدائها لسنة 2005 والتوقعات لعام 2006، مع التمييز بين الأرباح المحققة من الأعمال التشغيلية، والأرباح المتأتية من جراء محفظة استثمار هذه الشركات في أسواق الأسهم. ومن دون شك ما زال هناك كثير من الشركات المدرجة في قطاع الصناعة والنقل والاتصالات والخدمات، والتي ما زالت عند معدلات تقويم مقبولة وقد يكون للاستثمار فيها عائد مجدٍ هذا العام. يلاحظ أيضاً أن أسواق أسهم دول المنطقة استطاعت أن تستقطب ليس فقط رجال الأعمال والمؤسسات بل أيضاً شرائح واسعة من المجتمع. وهؤلاء هم المستثمرون الجدد الذين دخلوا السوق للمرة الاولى خلال السنين الثلاث الماضية، وهي الفترة التي سجلت فيها أسواق دول المنطقة ارتفاعاً بمعدلات نمو مركبة فاقت 500 في المئة. ومعظم هؤلاء ليس لهم خبرة في تقلبات أسعار الأسهم. وتبين أنهم الأكثر ميلاً للمضاربة مقارنة بغيرهم، وهم غالباً ما ينظرون الى ارتفاع اسعار السوق كسمة أساسية، مع أن سمة أسواق الأسهم كافة، المحلية منها أم الأجنبية، هي التأرجح صعوداً وهبوطاً. وهناك سمة أخرى للداخلين الجدد إلى السوق، وهي التأكيد أن وضع أسواق الأسهم العربية يختلف عما حدث ويحدث في أماكن أخرى من العالم. وهو طبعاً اعتقاد خاطئ. فقواعد اللعبة هي نفسها هنا وهناك، والمغالاة في الأسعار ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى عمليات تصحيح حتى عندما يكون الوضع الاقتصادي جيداً، تماماً كما حدث في عدد من أسواق دول المنطقة أخيراً. وكلما زاد ارتفاع الأسعار، كلما جاءت عملية التصحيح أطول وأشد تأثيراً. التطور الثاني هو ما شهدته أسواق الأسهم العربية من زيادة رؤوس أموال كثير من الشركات المدرجة إضافة إلى طرح أسهم شركات عدة مساهمة عامة جديدة أو ما يعرف بالطرح الأولي العام IPOs. وهناك الآن في أسواق دول المنطقة ما يزيد على 100 شركة تعتزم زيادة رأسمالها أو التحول الى شركات مساهمة عامة من طريق الطرح العام الأولي. ومن دون شك فإن هذا سيؤدي إلى زيادة المعروض من الأسهم في السوق وسحب جزء من السيولة المتوافرة، إضافة طبعاً الى إعطاء أسواق دول المنطقة عمقاً جديداً. وقد أدى الارتفاع المتواصل في أسعار الفائدة على الدولار والودائع بالعملات المحلية الى جعل كلفة الاقتراض للشركات المدرجة أعلى من كلفة زيادة رأس المال من طريق إصدار أسهم إضافية. وكما شاهدنا خلال الشهور الماضية، فعندما كان يتم الإعلان عن أن شركة ذات رأس مال كبير تنوي أن تطرح أسهمها في السوق، يسرع المتعاملون إلى تسييل جزء من استثماراتهم في أسهم الشركات المتداولة الأخرى لكي يتمكنوا من شراء أكبر كمية ممكنة من أسهم الشركات المدرجة حديثاً. نصيحتنا لبعض المضاربين والمستثمرين الجدد الذين يعتمدون في قراراتهم من بيع وشراء على حركة أسعار الأسهم والإشاعات المتداولة في السوق، وليس بالضرورة على نتائج الشركات، بأن الارتفاع المتواصل في الأسعار هو أمر غير منطقي، وان سمة السوق الطبيعية هي التأرجح، وانه لم يحدث أن ارتفعت أسعار أسهم أي سوق عالمية خلال ثلاثة أعوام متواصلة، وبالنسبة التي سجلتها أسواق دول المنطقة. من هنا يجب ألا نستبعد حدوث مزيد من عمليات التصحيح خلال الشهور المقبلة التي قد تطول أو تقصر بحسب نتائج الشركات المدرجة. والذين لا يستطيعون النوم من شدة التقلبات إذا حدثت، فالأفضل لهم إعادة ترتيب محافظهم الاستثمارية وتقليص ما يمتلكونه من أسهم الشركات التي ارتفعت أسعارها في شكل كبير، وأصبح هناك مغالاة فيها بحسب مؤشرات التقويم المتعارف عليها عالمياً وزيادة شرائهم أسهم الشركات القيادية والشركات الواعدة، خصوصاً في قطاع الصناعة والسياحة والاتصالات، إضافة الى المصارف ذات الأرباح التشغيلية المرتفعة والقطاعات الخدماتية الأخرى والتي لم تصل أسعارها بعد إلى حدود المغالاة. إضافة الى تنويع الاستثمارات لتشمل كثيراً من أسهم الشركات في القطاعات الاقتصادية المختلفة، فالتنويع يؤدي الى خفض نسبة المخاطر. ولا بد من التذكير مرة أخرى بأن البورصات ليست قناة مضاربة على الأسهم فقط بهدف تحقيق الربح السريع، وإنما هي وعاء ادخاري واستثماري يلعب دوراً مهماً في عملية التنمية ومن يدخل سوق الأسهم للمضاربة فقط يجب أن تكون لديه القدرة لتحمل الخسارة. إن الاستثمار في الأدوات المالية هو عملية فنية تتطلب كثيراً من المتابعة والتحليل. ومن لا وقت عنده ولا يملك المعرفة المطلوبة، فمن الأفضل له أن يتحول إلى صناديق الاستثمار المشتركة، التي أصبحت متوافرة في معظم أسواق دول المنطقة وهي تدار بطريقة مهنية وتعطي صغار المستثمرين حرية الدخول والخروج من أسواق الأسهم في شكل دوري. الرئيس التنفيذي لشركة أموال إنفست ورئيس مجلس إدارة غير متفرغ لبورصة دبي العالمية DIFX