عم صرخ بالشوارع شوارع القدس العتيقة خلي الغنية تطير عواصف وهدير يا صوتي ضلك طاير زوبع بپ"هالضماير" خبرهن عللي صاير بلكه بيوعا الضمير جاوزت السبعين... فيروز أو نهاد وديع حداد، الصوت الأشهر في لبنان، بل في العالم، فلا أحد لم يسمع فيروز، ولا أحد غير سعيد، انها تعيش بيننا اليوم، وتحتفل بعيد ميلادها السبعين 21 تشرين الأول/ نوفمبر 1935، أنشودة الزمن الرديء الذي لا تسمع فيه غير هلوسات غنائية تخترق مسامعنا من دون استئذان، هي تحتجب قليلاً كالشمس، لكننا دوماً نحتاج الى صوتها الدافئ المعبر عن حالات الانسان المتصارعة، المحبة، المحاربة، الناقمة، الممتلئة أملاً في الغد المأمول. نهاد وديع حداد ابنة عامل المطبعة، وأمها ليزا البستاني، الأسرة الفقيرة التي أنجبت وجهاً جديداً من وجوه الغناء المستقبلي الزاخر بعبق فني أصيل، غنت، وغنت، وغنت الى ان طارت أغنياتها عبر الحدود، ومن حدود الى أخرى صارت فيروز هي الصوت الملائكي الذي يطير بنا بعيداً، يحلق في رومانسيات تجاوزتها ماديات الأزمنة الثقيلة ثقل الحرب، فالحرب في كل مكان، لكنها تغني. لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن يا قدس... يا قدس... يا مدينة الصلاة هذه الأغنية التي غنتها فيروز، لم يسمعها أحد إلا وبكى، وتذكر آثار العدوان الذي تحاول القوة الاستكبارية الغاشمة طيها في صحائف النسيان، وزمن التواري والانتكاسات العربية، من قتل وتذبيح للعرب والمسلمين، وحالة الصمت المطبق التي نحياها الآن خوفاً من الاغتيال أو الاقصاء. فيروز تغني، ولا تزال تغني، تذكرنا بالنكبة، وتذكرنا بالحب، وتذكرنا بالحزن, وبالفرح. لكن الغناء أصيل في وجدان فيروز، لنراها تقول: من زمان أنا وشادي غنينا سوا. سارق الفرح... لص أثيم يسرق فرحتنا، ويهرب بها بعيداً، واذا بنا نجد فيروز تقوينا بصوتها، وتعيد الينا البسمة من جديد. فيروز تغني الغناء لسماع الكلمات والصوت المعبر، من دون النظر الى جسد المغنية التي لم تهتز أبداً على خشبة المسرح... تعبيراً منها عن جدية العمل المقدم، بينما الآن في زمن الهلوسات الفضائية، الأغنيات لا تُسمع، لكنها تُرى، وبعين شبقية، لا يوجد هم غنائي، ولا قضية فنية يعبر عنها من يطلقون على أنفسهم الآن فنانين. سبعون عاماً، مرت الآن على وجود نهاد حداد بيننا، نسمعها ونأنس بسماعها، لنطير معها في عوالم أخرى وفضاءات بعيدة عن قسوة الواقع، فهي رومانسية بصوتها الملائكي الأخاذ، وهي واقعية حينما يكون صوتها جلاداً لنفوسنا يذكرنا بما نود نسيانه، النقيضان اجتمعا في صوت فيروز. في العقد السابع من حياتها تعلن فيروز انها علامة ناصعة على وجه الفن العربي، وأنها أصالة لا تمحى عبر الزمن. حسين أبو السباع كاتب وصحافي مصري مقيم في الرياض