لسبب ما، يأمل الكثير من المصريين من أبناء الطبقة المتوسطة المتآكلة في أن يمد لهم"أخوهم وصديقهم"بيل غيتس، المؤسس الاسطوري لشركة"مايكروسوفت"العملاقة، يد المعونة فينتشلهم من غياهب التردي الاقتصادي، ويدفع بهم دفعاً إلى العالم الذي يستحقونه: عالم الرقي الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. أبناء هذه الطبقة معلقون حالياً بين السماء والأرض. في السماء أحلام الثراء الذي اعتقدوا أنه يمكن تحقيقه بعقولهم المتنورة وتعليمهم المتميز. ويخشون ان تتدهور الامور في أي لحظة، بسبب الدائرة المفرغة من الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية، فيرتطمون بالأرض ويتحطمون. ولِمَ لا يحلمون؟ ألم يزرهم"بيل"اسم الشهرة اميركياً لوليام في عقر دارهم مرتين في أقل من عام؟ ويفسر المصريون تلك الزيارات بأنها دليل محبة. وفي وقت سابق، علّق كريم رمضان، مدير مكتب"مايكروسوفت"في مصر، على زيارة غيتس في كانون الثاني يناير الماضي بالقول إن مصر الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، التي يزورها غيتس للمرة الثانية في أقل من عام. ما الذي يجذبه لمصر؟ الارجح ليس لأن الجو في مصر دافئ شتاءً، لأنه حتماً قادر على تدفئة بيته الذي تقدر قيمته بما يزيد على 53 مليون دولار. وايضاً ليس ليستمع إلى رائعة الفنان الأسمر محمد منير التي يشدو فيها متمايلاً"شبابيك، الدنيا كلها شبابيك". والحال ان تلك الاغنية يمكن تحميلها مباشرة من الانترنت، وأيضاً لأن غيتس لديه"شبابيكه"الخاصة التي جعلته أغنى رجل في العالم، فقد ارتكزت اعماله على نظام التشغيل الشهير"ويندوز"، التي تعني بالعربية"شبابيك". فاتن النساء وساحر الكتابة قوبلت زيارة غيتس الاولى لمصر، بمشاعر ممتزجة وعاطفية، وعلى رغم مظهره الأقرب إلى الشخصيات الكرتونية من أمثال"عبقرينو"والمخترع"زيكو زكي زكريا زيتون"، إلا أن النساء والفتيات، ممن يتبوأن أعلى المراكز وأرقاها في صناعة تكنولوجيا المعلومات تابعن لقاءاته بشغف. وكن يتهافتن عليه لالتقاط الصور الفوتوغرافية، وللحصول على إمضاء أغنى رجل في العالم. وبالتالي لم يكن غريباً أن يتذكر المصريون المثقفون العيد الخمسين لصديقهم، الذي جاء بعد شهر واحد من إطفائه 30 شمعة في كعكة"مايكروسوفت". اندفع الأديب علي سالم مشيداً بغيتس وانجازاته. وأكد أن:"غيتس هو الإنسان الوحيد الذي سيقابل ربه بقلب مطمئن. فقد قدم للبشرية ما لم يقدمه أحد. فأفاد الجميع. وأنا حالياً جالس أمام شاشة الكومبيوتر الخاص بي. وأستفيد في كل دقيقة بهدايا غيتس". ويشير سالم إلى اقبال غيتس وزوجته على عمل الخير، للبشر الأقل حظاً. ويتذكر السبعيني سالم ايام كان يكتب مقالاته وقصصه يدوياً، باستخدام الورق والكربون"كنت أكتب وأحتضن ما كتبت خوفاً من فقدانه أو تلفه، وإذا ذهبت إلى مكتب آلة كاتبة لنسخها، كنت أظل جالساً أمام أوراقي خوفاً عليها. وراهناً لدي أكثر من اسطوانة مدمجة للعمل الواحد". بدأ سالم في استخدام الكومبيوتر قبل ثلاث سنوات. وأصبح شديد الالتصاق به،"علمني الكومبيوتر الكتابة مرة أخرى بأسلوب جديد، كنت في ما مضى إذا أخطأت في كلمة واحدة أو أردت استبدالها أعيد الورقة. وراهناً يتم ذلك بكبسة زر واحدة". ولا ينكر تخوفه الأولي من الكتابة على الكومبيوتر مباشرة:"وصلت الآن الى القدرة على إكساب عقلي مهارات جديدة". في السياق نفسه، يؤكد الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة للتعليم والطلاب أنه يدين بالكثير لغيتس:"دشنت موقعاً لي على شبكة الانترنت. وحمّلت عليه عدداً من كتبي التي قرأها ما يزيد على سبعة آلاف شخص حول العالم في عام ونصف العام. لو كنت اكتفيت بالإصدارات الورقية لقرأها ثلاثة آلاف شخص، غالبيتهم في مصر، على مدى خمس سنوات". ويشير إلى فضل غيتس في نشر العولمة الإعلامية، التي تفوق نظيرتها الاقتصادية اهميةً. ولم يتخل طاهر عن الورقة والقلم:"عندي سكرتارية تقوم بهذه المهمة، لكن أحتفظ بكل ما كتبت على اسطوانات مدمجة"? تايكون الميديا مثالاً للشباب على النقيض مما سبق، يقتضب الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة في الحديث عن"تايكون الشخص الغني والمسيطر الميديا":"لم يكن لغيتس تأثير مباشر في حياتي. لقد طور تقنية المعلومات تطويراً هائلاً، وأنا معجب به كشخص". وأضاف:"وُجد الكومبيوتر قبل غيتس، وسيظل موجوداً بعده". قبل سنوات قليلة، اورد غيتس، في مقابلة مع قناة"بي بي سي"التلفزيونية البريطانية:"أستطيع تخيّل المستقبل من دون مايكروسوفت... من المحتمل جداً أن شخصاً ما يعمل الآن على اختراع رائد مثل الذي جئت به في السبعينات، والذي أحدث ثورة في مجال صناعة الكومبيوتر... وفي نهاية المطاف كل الشركات تنتهي". ينطق عزمي عاشور الباحث ومدير التحرير التنفيذي لمجلة"الديموقراطية"المصرية:"بحكم عملي، أدين لبيل غيتس بفضل كبير... في إمكاني الحصول على قدر ضخم من المعلومات والمراجع في وقت قصير، مما وفّر عليّ وقت التجوال على المكتبات والسفر". ويعترف بانبهاره بالرجل الذي دخل عامه الخمسين، وتمكن من إرساء قاعدة أساسية لتقنية المعلومات سيبني عليها كل من يأتي بعده:"بمعنى آخر، فإن اسمه محفور في ذاكرة التاريخ ضمن أبرز من أفادوا البشرية"? ويشيد كذلك بالجانب الاجتماعي الذي لم يغفله غيتس. ويبدو أن مؤسس"مايكروسوفت"أضحى مثالاً للكثير من شباب مصر. ويوضح أحمد رؤوف أحد مسؤولي الإعلام في وزارة الاتصالات:"أرى نفسي في غيتس، وأتمنى أن أرى نفسي في مثل ذلك الكفاح... أنا عصامي مثله، وأتخذه مثالاً أعلى في عدم الاستسلام لليأس، وللطموح الذي جعل من مايكروسوفت عملاقاً عالمياً". ترى لمياء الضبع هي الأخرى في"مايكروسوفت"حلاً سريعاً. أطفأت لمياء شمعة عيد ميلادها الثلاثين، ولم تتمكن بعد من الزواج، لأسباب اقتصادية. تقول:"خطبت أربع مرات. وتكراراً جاء الفشل من المشاكل المادية. هل يملك غيتس حلاً لمشكلتي بكبسة فأرة؟ أقترح أن تكون هذه هديته لي في عيد ميلاده"! وعلى رغم أن بيل غيتس اختار أن تكون زيارته الأولى لإسرائيل قبل عيد ميلاده الخمسين بيومين، وعلى رغم حساسية كلمة إسرائيل لدى عموم المصريين، إلا أن"العمل هو العمل". ويقول حاتم محسن 29 عاماً والذي يسمي نفسه أحد"عفاريت الانترنت":"زار غيتس مصر مرتين قبل زيارته إسرائيل". ويحلم بالعمل في شركة"مايكروسوفت"بدلاً من عمله المنزلي في تصميم المواقع:"اعلق أنا وأصدقائي آمالاً عريضة على غيتس ليساعدنا للخروج من دوامة البطالة التي لا نستحقها بعدما أمضينا طفولتنا وشبابنا في المدارس والجامعات، وبعد دورات كثيرة لتعلم فنون الكومبيوتر... نحتاج فرصة عمل مُناسبة".