التفجيرات الأخيرة في لندن والتأثير السياسيّ للجنة 11 أيلول سبتمبر والتحفيز الهادئ من العواصم الأوروبيّة، بالإضافة إلى بعض الآراء القديمة، أقنعت واشنطن أخيراً بتبديل سياسة الحرب العالميّة على الإرهاب بسياسة النضال لمكافحة التطرّف العنيف. ولا يمكننا أن نشكر توني بلير وحده على إقناع جورج بوش بتعديل أسلوبه العسكريّ والمنمّق الحماسيّ، لكن التزام بلير بالحوار مع شعوب فصلت حربان بينها ثمّ جمعتها هجومات تموز يوليو يضمن أنّ مبادرة كهذه ستسدّ الثغرات بين دول الأطلسيّ. قد يبدو الأمر منطقيّاً، أليس كذلك؟ فبعد كلّ شيء، لم يساهم القبض على العاملين الأساسيين في القاعدة وفي الحرب على العراق في إيقاف نشاطات تشعّبات المنظّمات الإرهابيّة في العالم. والأسوأ أنّ التفجيرات في لندن وضّحت أنّ غرس القيم الديموقراطيّة في القاهرة لا يؤثّر البتّة في الشباب الذي خاب أمله وبات راديكاليّاً والذي وُلد ونشأ في أوروبا. قد تنقذ سياسة النضال لمكافحة التطرف العنيف المعتدلين في الجهتين من الشعور بعدم المبالاة والخوف وعدم الثقة في الوقت عينه، بهدف المحافظة على الحوار بين المجتمعات. أمّا إدارة بوش التي تلطّخت بكوارث"القلوب والعقول"فتتمتّع بالحكمة بما يكفي لتطلب النصح من أوروبا. غير أنّ الأخبار السارّة تتوقّف عند هذا الحدّ. فحتّى الآن، لم تتضمّن بعثة الولايات المتّحدة التي ستشارك في المحادثات الأوروبيّة خبيراً في شؤون الإسلام. قد تتساءلون أين المشكلة؟ في الواقع، هذه عمليّة مراقبة صارمة بما فيه الكفاية كي تنال موافقة جو ماكارثي أو دانيال بايبس. وحين كان أسامة بن لادن تحت الإقامة الجبريّة في جدّة، لم يسمع أحد ببايبس أو بنقده المتعصّب أو حتّى بموقعه الإلكتروني"كامبوس واتش"الذي يكرّسه لمراقبة برامج الدارسات شرق الأوسطيّة في الجامعات الأميركيّة التي تتعلّق بالسياسة المناهضة للولايات المتّحدة أو لإسرائيل. في العام 2002، نشر كتاب"الإسلام المقاتل"الذي قالت عنه"بالتيمور صن": قد نسمح للكتاب الجدليّ بالمبالغة، لكن"الإسلام المقاتل"يقدّم ادّعاءات يتعذّر تبريرها. ففيما يذكر بايبس سنوات الحرب الثماني في حرب إيران ضدّ العراق، يقترح أنّ الدول الإسلاميّة مهيّأة للحرب وتجهل أنّ العراق العلمانيّ هو من شنّ الحرب أوّلاً. كذلك، يعتبر أنّ اللوم الأكبر يُلقى على عاتق المقاتلين المسلمين في الحروب المدنيّة في أفغانستان، وهو تبسيط فاضح يتجاهل فساد الذين عبّدوا الطريق للطالبان وقدرتهم على ارتكاب الجرائم." لكن، بعد أيلول سبتمبر، لم يجد الرئيس بوش أيّ مشكلة في تعيين شخص حادّ الطباع كوصيّ على مؤسّسة الولايات المتّحدة للسلام. وهي حتماً سخرية لم يفهمها بوش. فقبل فترة وجيزة على إقحامه في مؤسّسة الولاياتالمتحدة من أجل السلام، كتب في"جيروسالم بوست":"لا يمكننا أن نتفادى الواقع المؤسف أنّ موظّفي الحكومة المسلمين المسؤولين عن تطبيق القانون والمنخرطين في الجيش وفي السلك الديبلوماسيّ، يجب أن يخضعوا للمراقبة للتأكّد من أنّهم ليسوا على اتّصال بالإرهاب. كذلك، يجب أن يخضع المسلمون الزائرون والمهاجرون على حدّ سواء للمزيد من التفتيش. ويتطلّب المسجد تدقيقاً يتخطّى ذاك الذي نطبّقه مع الكنيسة والكنيس والمعبد. علينا أيضاً أن نراقب المدارس المسلمة لنتحقّق ممّا يتعلّمه الأطفال." ويأمل بايبس التعويض عن تأثير منظّمته غير المحبوبة وهي لجنة العلاقات الأميركيّة - الإسلاميّة، لذلك دعم جمعيّة مسلمين ضدّ الإرهاب يترأسها كمال نواش. ويعتبرها بايبس"معتدلة"وتعارض تأثير الإسلاميين في الولايات المتّحدة. أبصرت هذه الجمعيّة النور في العام 2004 و"تشجّع على تفسير حديث وعلمانيّ للإسلام يتمثّل في حبّ السلام والديموقراطيّة وينسجم مع الديانات والمعتقدات الأخرى. والجهود التي تبذلها جمعيّة مسلمين ضدّ الإرهاب فريدة من نوعها، فهي المنظّمة المسلمة الكبيرة والوحيدة التي تنوي مهاجمة التطرّف والإرهاب بوضوح! إذاً، تجسّد جمعيّة مسلمين ضدّ الإرهاب حلم المحافظين الجدد أي فصل المسجد عن شؤون الدولة طبعاً، لا بأس بتدخّل الكنيسة في شؤون الدولة. والأفضل أنّ نواش لا يتطرّق البتّة إلى الطريقة التي خذل بها الغرب العرب المسيحيّين والمسلمين في فلسطين. وتنجح صيغته هذه مع البيت الأبيض، فمع أنّ العضويّة محدودة للغاية في الجمعيّة إلى جانب عدم تمتّعها بأيّ صدقية، كان نواش في حزيران 2005 الأميركيّ المسلم الوحيد في بعثة حكومة الولايات المتّحدة إلى المؤتمر الذي عقدته منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا حول مناهضة الساميّة وغيرها من أنواع التعصّب. وجاء خطابه موافقة قويّة على سياسة الحكومة الأميركيّة وأعمالها بعد اعتداءات أيلول، ثمّ حثّ الأوروبيّين على معاملة مواطنيهم المسلمين بهذه النيّة الطيّبة. مع ذلك، إن كانت الولايات المتّحدة جديّة في هذا الحوار، فالتعريف بخبيرها الإسلاميّ ويدّعي بايبس أنّه كذلك يُعتبر مسألة ثانويّة مقارنة بمشكلة الأفراد الذين يثيرون الجدل والذين قد يستضيفهم الحلفاء الأوروبيّون. وبعد أقلّ من شهر على خطاب نواش، سمحت بريطانيا للشيخ يوسف القرضاوي الذي يسكن في قطر بأسبوع ليلقي الخطابات ويعقد الاجتماعات. في الواقع، دان القرضاوي قتل الأبرياء في الهجومات الإرهابيّة لكنّه وجد صعوبة في إدانة القتل حين يتعلّق الأمر بالهجومات التي تستهدف إسرائيل. والجدير بالذكر أنّه يُحَظَّر على القرضاوي دخول أراضي الولايات المتّحدة. كذلك، طالبت حكومة الولايات المتّحدة، ومن اجل أسباب تتعلّق بپ"الأمن القوميّ"، بتأشيرة عمل طارق رمضان، المثقّف الإسلاميّ الذي يثير الجدل، قبل أيّام على بداية إعطائه الدروس في جامعة"نوتر دام". لا يُعتبر إزعاج الفرنسيين، وهو أمر غالباً ما قام به، مخالفة جنائيّة في الولايات المتّحدة. لكن، ربّما أنهكته سلالته. فرمضان ورث عن جدّه حسن البنا، مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين، الجينات وإرادته الحرّة وبعضاً من مبادئه الإيديولوجيّة. يتوجّه هذان الشخصان حاليّاً إلى المجتمعات المسلمة ولهما عدد كبير من الأتباع ويُعرفون بالپ"معتدلين". لكنّهما ينتقدان إسرائيل، كما هي الحال مع الكثير من المسلمين المعتدلين أم عليّ القول"غالبيّة"؟. والمقلق أنّ القرضاوي، لا رمضان، أبدى ملاحظات برّرت الضحايا المدنيين الإسرائيليين. وللأسف، تعتبر الإدارة الأميركيّة أنّ الانتقادات المنطقيّة للسياسات الإسرائيليّة وملاحظات المتطرّفين مؤذية على حدّ سواء. أمّا رفض فصل الواحدة عن الأخرى فنقطة ضعف بوش. إذاً، هل ستسيطر أوروبا وتفوز بالمزيد من المسلمين المثقّفين والقادة الدينيين الذين يمثّلونها في المؤتمرات؟ وهل ستتمكّن واشنطن من مقاومة الحرّ السياسيّ في الوطن فيما يُحاكم خارجاً الأشخاص المدرجون على اللائحة السوداء في الداخل؟ ربّما تساعد المسافات البعيدة والحكومات المحافظة الجديدة في فرنسا وألمانيا على الحفاظ على ماء الوجه من أجل بوش. وهل سيجد توني بلير أنّ خوسي زاباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانيّة اليساري، شريك سيّئ في العراق لكن، الشخص المناسب لحثّ بروكسلوواشنطن على تبنّي خطاب عقلانيّ حول الإسلام؟ كاتبة أميركية.