اكثر من ثلاث سنوات مرت على جريمة القتل التي ارتكبتها فرقة الحراسة على الحرم الابراهيمي بحق الفتى الفلسطيني عمران ابو حميدة، وهو لم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من عمره. وعلى رغم الاعترافات التي ادلى بها الجنود الاسرائيليون الاربعة والتي كشفت عن ارتكابهم جرائم أخرى بحق فلسطينيين، فإن المحكمة الاسرائيلية ما زالت تماطل في اصدار قرارها ضد ثلاثة من المتهمين اليهود فيما دانت المتهم الرابع وهو شرطي حرس حدود عربي وفرضت عليه حكماً بالسجن لمدة اربع سنوات ونصف السنة. ويعتبر الحكم"اقصى"الاحكام التي تفرض على يهود متهمين بقتل فلسطينيين، فيما تفرض على الفلسطيني المتهم بالسجن المؤبد مقابل مقتل يهودي واحد. الحديث عن المتهمين الاربعة باسم وهبي 22 عاماً من دالية الكرمل، الواقعة جنوب مدينة حيفا وهو سائق الجيب، وشاحر بوتبيكا 22 عاماً ويناي لالزه 24 عاماً ودنيس الحازوف 22 عاماً وهم افراد وحدة من الوحدات المختارة والمميزة في الجيش. "الحياة"اطلعت على تفاصيل الملف واستمعت الى شهود عيان كشفوا عن بشاعة تنفيذ الجريمة من قبل الاربعة، وسادية هؤلاء الجنود والتي ظهرت بشكل فاضح في اعترافاتهم بعملية القتل. كان ابو حمدية وزميله رائد الرجبي وقريبه نعيم ابو حميدة بالقرب من بيته فاقتربت منهم سيارة جيب فيها اربعة جنود اقتربوا منهم وطلبوا بطاقات هوياتهم ثم امروا عمران بالصعود الى السيارة. جلس ابو حمدية بين جنديين وتعرض لاعتداءات وضربات قاسية وخلال ذلك كان الجندي الثالث يلتقط صور الفيديو فيما الرابع وهبي كان يقود السيارة. الجنود الثلاثة امروا السائق بالسير بسرعة وصلت الى ثمانين كيلومتراً في الساعة ثم امروا عمران بالوقوف وطلبوا منه الخروج من السيارة. وبحسب ما قال عمران في افادته:"لقد دفعوا عمران في محاولة لرميه من السيارة وخلال ذلك كانت كاميرا الفيديو تلتقط الصور. لكن عمران حاول المقاومة فامسك بقوة بماسورة حديد في السيارة وكنت ازيد من السرعة بطلب من البقية وكان باب الجيب مفتوحاً ولم تستمر مقاومة عمران كثيراً حتى نجح الاثنان في دفعه من سيارة الجيب فسمعت صوت رأسه يرتطم، لا ادري في الأرض او الحائط لكن الصوت كان عالياً عندها صرخ الثلاثة اسرع... اسرع لقد مات". خلال ذلك كان زميل عمران وقريبه قد لحقا به الى ان وجداه مرمياً على الأرض والدم ينزف من وجهه ومن خلف راسه وقد فارق الحياة. وتبين من التحقيق الذي اجرته"الحياة"في القضية انه في اليوم الثاني من العملية نشر خبر مقتل عمران. وجرى التركيز على ان الجنود قتلوا فلسطينياً. عندها اتلف الجنود الاربعة شريط الفيديو الذي يوثق عملية القتل. بعد اطلاع مركز"بتسيلم"لحقوق الانسان على تفاصيل الحادث وعدم اعتراف الجيش باقوال زميل عمران ابو حمدية، اصر المركز على اخراج الجثة واجراء عملية تشريح للتأكد من سبب الوفاة. وبعد اقناع العائلة نفذت عملية التشريح وتبين انه قتل بسبب اصابة قوية في رأسه. في البداية انكر الجنود الاربعة الا ان وهبي قرر الكشف عن حادثة القتل"بعد ان عذبه ضميره"، كما قال. واعتراف وهبي جعله المتهم الرئيسي في القضية وعلى رغم ان الدعوى رفعت في ملف واحد ضد الاربعة. وعلى رغم اعترافات الثلاثة الباقين بمشاركتهم في تنفيذ الجريمة وجرائم اخرى، فإن المحكمة ما زالت تحتاج الى وقت كي تفحص اذا كان هناك اي دور للثلاثة المتبقين في القتل ام ان السائق الذي قاد بسرعة فائقة هو الوحيد المتهم في القضية! وتقرر حل الوحدة، بعد الكشف عن جرائمها، وتبين انها اتبعت اساليب سادية كثيرة ضد فلسطينيي الخليل، منها ما اطلق عليها"القرعة"والتي وقع ضحيتها عشرات الفلسطينيين. احدهم ويدعى احمد الرجبي قدم شكوى ضد الفرقة بعد تعرضه للضرب المبرح بأحد اساليبها. قال:"توجهت في ساعات الصباح الى المنطقة الصناعية في الخليل بحثا عن العمل وبعد مسافة قصيرة من البيت اقتربت مني سيارة جيب عسكرية وخرج منها اربعة جنود امرني احدهم بالتوقف. نفذت الاوامر وبصراحة بدا جسمي يرتجف لانني سمعت عن عمليات التعذيب التي يقوم بها الجنود الذين يتجولون في سيارات العسكر". واضاف:"اقترب احدهم وطلب مني ان اخرج من جيبي كل شيء. صرخ في وجهي"البلفون الهاتف الخليوي. الجزدان. كل ما تحمله"كانت لغته عربية ركيكة وبدا كأنه لا يعرف الا هذه الكلمات. ثم اقترب مني آخر وكان هذا يجيد العربية باتقان فقال لي سلم له كل شيء افضل لك. الحقيقة انني استسلمت لهم وقلت لنفسي ان لم اتجاوب معهم فسيكون الموت مصيري. وكان معي خمسون شيكلاً 10 دولارات وجهاز خليوي وبعض الاوراق اخرجتها من جيبي فاخذها هذا الجندي ثم قهقه باستهتار وقال:"جاءت الآن المرحلة الثانية. اصعد الى سيارة الجيب . عندها قلت جاءت نهايتي. سار الجنود بسرعة جنونية حتى وصلوا الى طريق ترابية وكان هناك جندي آخر في المكان فاقتربوا منه ثم اخرج احدهم كيساً من جيبه يحمل اوراقاً عدة مغلقة وقال:"هذا حظك. اسحب ربما يكون الحظ وفيراً"، لم اعلم ما في داخل الكيس فسحبت ورقة وكان قد سجل عليها"اضربني على يدي ورجلي"وهكذا حصل. اخذوني جانباً وبدأوا بضربي على يدي ورجلي حتى شعرت انني فقدت الوعي فتركوني". هذه الوحدة العسكرية كان يعتبرها الجيش من افضل وحداته واعرقها. وقد مر افرادها بعمليات تدريب متواصلة قبل نقلهم الى منطقة الخليل التي تقع تحت السيطرة الاسرائيلية ويسكنها نحو عشرين الف فلسطيني، ليتمكنوا من السيطرة على الوضع الحساس هناك بسبب قرب المستوطنين من مناطق سكن الفلسطينيين والاحتكاكات متواصلة بينهما. وسرعان ما تحولت الفرقة الى مصيدة تعذيب وتنكيل بالفلسطينين. وخلال فترة عملها قدمت عشرات الشكاوى ضد افرادها لكن الملفات اغلقت تحت عنوان"عدم توافر الادلة".