بات من الضروري الحديث بصراحة ووضوح عن مكامن الخلل ومواضع العطب في خطابنا العربي السياسي، أعني ذلك الخطاب الشعاراتي الذي أصبح يكبل أي محاولات لطرح رؤى سياسية تتسم بالعقلانية والواقعية، هذا الحديث ليس من باب جلد الذات، الجلد للذات أو التنصل من مسؤولية ما يجب أن يبذل في سبيل توحيد الجهود العربية لإيجاد رؤى ومواقف وصيغ متقاربة ولا أقول موحدة - لأن هذا مستبعد على الأقل - حول القضايا الكبرى. لعل من أبرز عيوب الخطاب الشعاراتي استعداء المجتمع الدولي ومحاولة القفز على كل القوانين والمرتكزات الأساسية لقضايا حقوق الإنسان وتنظيم النزاعات الدولية، هذا الاستعداء أصبح صرعة سياسية وحلاً جاهزاً لترحيل مشكلات الداخل، وأداة فاعلة لإلهاء عقل الشارع العربي عن الأسئلة الحقيقية حول التنمية والحقوق الأولية للمواطنة، والسؤال المُلح الذي ينتاب العقلاء في هكذا أحوال: لماذا نكون الأكثر حماساً وانفعالاً في الأزمات، ثم حين تهدأ الرياح نكتشف أننا لم نحصد من ذلك الضجيج سوى الفشل والاتهامات المتبادلة والوضع المتردي؟! إن من يتابع مثلاً كيف تحاول الذهنية الغربية السياسية للأسف استغلال أزماتها وإدارتها وتوظيفها بشكل يعود عليها بما لم تحلم به من غطاء ومبررات لدى المجتمع الدولي، بحيث يتحول الحدث الهامشي في مفهومنا السياسي إلى نقطة تحول تاريخية على المستويات المختلفة، وبالأخص المستوى السياسي والأمني والاقتصادي في الداخل والخارج. إدارة الأزمة أمر غائب عن الذهنية السائدة لكثير من الحكومات والأحزاب والجماعات الثورية، أو التي تتبنى شعارات عابرة للقارات، بينما تقف مشلولة وعاجزة حتى عن التلويح بشيء من تلك الشعارات التي تبنتها... والجماهير بدورها باتت رهينة التفكير الرغبوي الحالم الذي تحاول من خلاله مداواة قسوة واقعها الحياتي الخاص، متجاهلة أن أحوالها المتردية جزء من قسوة واقعها العام ومحدودية إمكاناته، ومن هنا أصبح «البطل الحنجوري» مطلباً شعبياً يضطر كثيراً من وسائل الإعلام إلى خلق نجوم من هذا النوع، وما أكثرهم في شريحة عريضة من المثقفين العرب الذين لديهم حساباتهم الخاصة، بل وأزمتهم الشخصية مع دول بعينها. على سبيل المثال، فالمتابع لعموم الخطاب العربي القومي، كما الخطاب الإسلامي، في تناوله للأحداث ومحاولة تبرير ما حدث من خلال الخلط بين الوسائل والأهداف، مما يعني خسارة صوت العدل والانتصار للإنسان الذي يشكل أغلبية كبيرة في النسيج الغربي الشعبي غير المؤدلج والساخط على الانتهاكات الحقوقية من السلطات السياسية، وتتعمق تلك الخسارة حين يصر أولئك على تكريس روح الصدام والعنف باعتبارات دينية، وهنا يتضخم الخطأ والخسارة معاً، حين نحيد كثيراً ممن يشتركون معنا في عدالة القضية الفلسطينية، أو حق الدول المحتلة، أو الأقليات المضطهدة في السلام والتعايش، لا أن يكون قدره ملعباً للصراعات الإقليمية. إن مشكلتنا الكبرى هي أننا لا ندير أزماتنا ولا قضايانا، نعرف ما نريد لكننا لا نعرف كيف نصل إليه في ظل واقع متغير مرحلي يحتاج إلى خطوات عملية تقوم على قراءة الحدث والتعامل معه في حيز الممكن وليس الأوهام. القمة القادمة فرصة واعدة لتدشين خطاب سياسي عربي مختلف؛ بعد جهود المصالحة المضنية التي تم بذلها من قبل دول الاعتدال في المنطقة... وحتى لا نعود لنقطة الصفر من جديد أوقفوا الشعارات قليلاً. يوسف الديني [email protected]