يحتاج الانسان الى النوم كي يتمكن من استعادة نشاطه العقلاني والجسماني، وتكفي سبع ساعات من النوم يومياً كي يستطيع الشخص البالغ شحذ قواه الذهنية والبدنية لمواجهة أعباء الحياة اليومية. إن النوم ضرورة ملحة للجسم لنفض غبار التعب عنه واعادة التوازن الى الجملة العصبية كي تقوم بوظائفها على أحسن ما يرام، ويكفي ان نرى شخصاً قضى ليلة بيضاء كي نقرأ على محياه آثار قلة النوم عليه، فهي تحوله الى انسان آخر: حساس، عصبي، صعب المزاج ويغضب لأتفه الاسباب ويكون رد فعله غير مناسب لا قولاً ولا عملاً. هذا عن النوم ليلاً، ولكن ماذا عن ساعة القيلولة بعيد الظهر فهل هي مهمة؟ إن ساعة القيلولة في الاجنبية مأخوذة عن الكلمة اللاتينية Sixta التي تعني الساعة السادسة بعد طلوع الضوء أي الساعة التي تقع في منتصف النهار. وساعة القيلولة ظهراً غير متعارف عليها في الدول الصناعية، لا بل ينظر اليها نظرة سلبية ولا يتوانى بعضهم عن وصفها بأنها ظاهرة طفولية تدل على الخمول. الا ان قيلولة الظهيرة منتشرة بكثرة في البلدان الحارة، خصوصاً في البلدان العربية، وهذا ما جعل العلماء ينكبون على درسها لكشف خفاياها، خصوصاً ان الدلائل تشير الى نقص حدة الانتباه واليقظة في بداية ما بعد فترة الظهيرة وان هذا الانحدار ليس مرتبطاً بعمليات الهضم بعد تناول وجبة الغداء، ولكنه يمكن ان يتفاقم عقب الوجبات الدسمة أو الوجبات العارمة أو نتيجة قلة ساعات النوم ليلاً. ان الدراسات والأبحاث التي تطرقت الى ظاهرة القيلولة خلصت الى نتيجة انها عادة حسنة وطالبت بالأخذ بها والمثابرة عليها لما لها من انعكاسات ايجابية على صاحبها. ففي دراسة صدرت عن معهد"علم النفس الاندلسي"في اسبانيا جاءت نتائجها لتثمّن ساعة القيلولة لأنها حبلى بالفوائد فهي تبعث على الراحة عصبياً وعضلياً وذهنياً، اضافة الى انها تشجع على زيادة المردود الانتاجي في العمل كونها تزيد من التركيز وتحفز الذاكرة وهذا من شأنه أن يجعل الشخص اكثر قدرة ونشاطاً على مواجهة أعباء العمل. وفي دراسة اخرى صدرت عن جامعة هارفرد الاميركية وشملت مجموعة من المتطوعين أوضح العلماء ان ساعة القيلولة ظهراً مفيدة كنوم الليل اذ اتضح ان المشاركين في الدراسة الذين نعموا بغطة الظهيرة كانوا افضل حالاً من الآخرين الذين لم يحصلوا عليها، لا بل تبين للعلماء ان الذين لم يناموا نهاراً تدهورت حالتهم مساء واصبحوا أقل قدرة على مواجهة أعباء الشغل بالنسبة الى اولئك الذين ناموا نهاراً، إذ كان هؤلاء أفضل حالاً وأحسن أداء واكثر قدرة على التذكر والتركيز. أيضاً فإن الباحثين من جامعة هارفرد اكتشفوا ان قيلولة تدوم 30 دقيقة كافية لوقف تدهور القدرات العقلية كلما شارف النهار على الافول، وبحسب العلماء فإن النوم لمدة تقارب الساعة يكون أجدى لأنه يسمح بشحذ همة الدماغ مجدداً فتجعله في حال شبيهة بوضعه بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً. لقد قام علماء جامعة هارفرد باخضاع عدد من الاشخاص الى سلسلة اختبارات بصرية على مدى اليوم فوجدوا ان قدراتهم كانت تقل كلما اقتربت نهاية النهار، ولكن عندما طُلب من المشاركين في الدراسة ان يناموا لمدة نصف ساعة بعد القسم الاول من الاختبارات، تبين انه يمكن الحفاظ على القدرات الذهنية نشيطة وفعالة لمواجحهة سلسلة الاختبارات المتبقية. اكثر من ذلك فعندما سمح للبعض بأخذ قيلولة لمدة ساعة لاحظ البحاثة ان سجل النتائج عندهم كان أجود في القسم الثالث من الاختبارات عنه في القسم الثاني، كما انهم كانوا اكثر فعالية عندما طلب منهم انجاز مهمة جديدة تتطلب مماحكة عقلية مختلفة. ما هو التفسير؟ لقد خلص العلماء الى شرح مفاده ان الدماغ يصاب بنوع من الاشباع المعلوماتي في جزء من شبكة الاسلاك العصبية فيه فلا يقدر على استيعاب كل ما ينهال عليه بشكل كامل ولذلك فإن الخلايا العصبية تتوقف عن التعاطي مع المعلومات المتراكمة المنهالة عليها، ولذا فإن غطة من النوم، حتى ولو كانت قصيرة، تعتبر مفيدة لأنها تعطي الفرصة للدماغ لارشفة المعلومات"الواقفة على لائحة الانتظار"والاستعداد من جديد لاستقبال معلومات اخرى بعد القيلولة. ما الأحسن: ساعة القيلولة أم النوم لوقت متأخر صباحاً؟ الاختصاصيون في عالم النوم يقولون، من دون ادنى تردد، بأن ساعة القيلولة أحسن بكثير لأنها تسمح للشخص بتجديد طاقاته وجعله اكثر انفتاحاً للتعامل مع الاشغال والآخرين. ان القيلولة تساعد على التخلص من الضغوط النفسية التي لا يكاد يسلم أحد من شرها اذ انها تلجم من افراز هرمون الغضب"الكورتيزول"فيغدو الفرد عند اليقظة مسترخياً ومستعداً لمواجهة اعباء ما بعد الظهيرة. اضافة الى هذا وذاك فالقيلولة تسهم في تنظيم مراحل النوم ليلاً وفي تسهيل عملية الهضم وتأمين التوازن الذهني وحسن الاداء جسمياً وعقلياً. ما هي المدة المثالية للقيلولة؟ الآراء متضاربة في هذا الشأن وليست هناك قاعدة ثابتة، لكن الطبيب الاسباني سيزار اسكالانتي الذي قام بدراسات على النوم يوصي بعدم أخذ قيلولة اطول من اربعين دقيقة لأنها، بحسب قوله، تترك آثاراً سلبية تجعل صاحبها قلقاً ومضطرباً وذا مزاج سيء. بشكل عام يمكن القول بأن هناك ثلاثة أنواع من القيلولة: 1- القيلولة اللحظية التي تستمر دقائق معدودة ولكنها مع ذلك مفيدة إذ تمكن صاحبها من استعادة حيويته ونشاطه، وهذا النوع من القيلولة شائع عند السياسيين ورجال الاعمال. 2- القيلولة الاسترخائية وهي تستغرق بين عشر دقائق وثلاثة ارباع الساعة، وهذا النوع من القيلولة الاكثر شيوعاً بين الناس. 3-"القيلولة الملكية"وهذه مدتها طويلة وقد تصل الى الساعتين أي انها تشمل كل مراحل النوم.