استقرت أسعار النفط فوق مستوى 60 دولاراً للبرميل الواحد في الأسبوع الماضي، على رغم خفضها نحو 4 في المئة في منتصف الأسبوع، واستقرت الأسعار عند انتهاء التداولات مساء الجمعة على 65.35 دولار. إن المهم للأسواق الآن ليس فقط توافر الإمدادات وتأمين وصولها للدول المستهلكة، ولا حتى المستوى الذي من الممكن أن تصل إليه. فالمهم حالياً هو مدى تأثير الارتفاع المستمر لسعر النفط على الاقتصاد العالمي، ومتى سيتأثر هذا الاقتصاد سلباً بالمستويات العالية لهذه المادة، وما تأثير هذه التطورات ? في حال حصولها ? على أسعار النفط واستهلاكه؟ ففي الولاياتالمتحدة، مثلاً، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال في 19 آب أغسطس مقالاً بعنوان"أسعار النفط تخفق في تقليص النمو"تذكر أن ثلاثة تقارير صدرت في اليوم السابق تشير إلى التحسن المستمر للاقتصاد الأميركي، على رغم التخوف من ارتفاع أسعار النفط. واستشهدت الصحيفة بمعدلات العمالة والوظائف الجديدة، ومعدلات الانتاج الصناعي في وسط غرب اميركا، والمؤشرات الايجابية عن معدلات النمو الاقتصادي في الأشهر المقبلة. إلا أن صحيفة فايننشال تايمز رسمت صورة مختلفة عن تأثير أسعار النفط على الاقتصاد العالمي، والأميركي منه خصوصاً. إذ ذكرت في 16 آب أن الأسعار العالية بدأت تؤثر سلباً على القدرة الشرائية للمستهلكين، وأن هذا سيؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي. واستشهدت الصحيفة بارتفاع أسعار المواد المستهلكة في الولاياتالمتحدة بنسبة 0.5 في المئة في الشهر الماضي و 3.2 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، مقارنة بارتفاع معدلات الاجور بنسبة 2.7 في المئة. وذكرت أن معدل التضخم يرتفع نتيجة لزيادة أسعار النفط 20 في المئة عن العام الماضي. وفي ألمانيا، ذكر التقرير الشهري للمصرف المركزي الألماني البوندسبانك في 15 آب أن مستوى الصادرات الألمانية في تحسن مستمر،"فهناك طلب متزايد من الخارج على البضاعة الألمانية وثقة كبيرة في الصناعة، ما يجعلنا نعتقد بأن الأوضاع ستبقى حسنة للصادرات الألمانية في المستقبل القريب". إلا أن التقرير أضاف"أن المخاطر على الاقتصاد العالمي، والذي فاجأ الجميع بصموده الرائع، قد ارتفعت نتيجة لارتفاع أسعار النفط". وفي بريطانيا، أشارت احصاءات رسمية أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم الشهر الماضي بسرعة لم تعرفها البلاد منذ ثمانية أعوام. وقال مكتب الاحصاءات الوطني إن التضخم وصل في شهر تموز يوليو الماضي إلى ما نسبته 2.3 في المئة بعدما كان 2 في المئة في حزيران يونيو، وهو الارتفاع الأعلى منذ كانون الثاني يناير 1997. وأشار إلى أن ارتفاع معدلات التضخم كان بسبب الارتفاع المستمر في أسعار النفط. وتختلف الصورة في آسيا. ففي تايلاندا، مثلاً، استمر مستوى النفط المستورد على نحو 845 ألف برميل يومياً، على رغم أن الكلفة زادت 43 في المئة على العام الماضي. وفي كوريا الجنوبية، ارتفعت قيمة السندات الحكومية الأسبوع الماضي نتيجة تخوف المستثمرين من تأثير الارتفاع المستمر في أسعار النفط على اقتصاد رابع أكبر دولة صناعية في آسيا. وفي الصين، ذكر مدير عام دائرة الاحصاءات لي ديشوي"أن أسعار النفط المرتفعة ستؤثر على الاقتصاد الصيني، ولكنها ليست مشكلة كبيرة"، وأضاف في خطاب له في بكين في 16 آب أن لدى الصين"إمكانات كبيرة للتعامل مع مشكلة الطاقة". والجدير بالذكر أن الصين تستورد 40 في المئة من حاجاتها النفطية. وأدلت وكالة الطاقة الدولية بدلوها في هذا المجال أيضاً، فذكر كبير الاقتصاديين في الوكالة فاتيح بيرول لوكالة رويترز في 15 آب أن في حال"استقرار معدل أسعار النفط على 50 دولاراً لعام 2005، فانه يجب خفض النمو الاقتصادي العالمي 0.8 في المئة"، وأضاف أن معلومات البنك وصندوق النقد الدوليين تشير الى أن معدل سعر 43.5 دولار في عام 2004 أدى إلى خفض الاقتصاد العالمي 0.5 في المئة. والجدير بالذكر أن معدل سعر سلة نفط أوبك حتى 5 آب هو 48.09 دولار. من الواضح أنه لا يوجد جواب واضح لمسألة تأثير ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. فالمعلومات متضاربة ومتناقضة في الوقت نفسه، حتى في البلد الواحد. إلا أن الدلائل تشير، كما ذكر المصرف المركزي الألماني، الى أن الاقتصاد العالمي، حتى الوقت الحاضر، استوعب هذه الأسعار أحسن من المتوقع. والأهم من هذا، أن الاستهلاك العالمي للنفط في ارتفاع، وليس في خفض، نتيجة للنمو المستمر لاقتصاد الدول الرئيسة مثل الولاياتالمتحدةوالصين وأوروبا، وإن على مستويات أقل مما كانت عليه في العام الماضي.