طرحت الأزمة الصحية التي ألمت برئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون تساؤلات كثيرة في شأن انعكاساتها على مجمل الأوضاع السياسية في اسرائيل تحديداً والمنطقة عموماً. وعلى رغم تأكيدات الفريق الطبي ومستشاري شارون ان الجلطة الدماغية التي اصيب بها مساء الاحد في ختام يوم عمل مضن، جاءت خفيفة. وسيُغادر المستشفى اليوم ليستريح حتى نهاية الاسبوع. وثمة قناعة بأن من شأن مرضه التأثير في وجهة الناخب الاسرائيلي، قبل الاقتراع في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 28 آذار مارس، وقد يكون مفعوله أكبر في حال لوح"المنافسون"بوضعه الصحي وبسنه المتقدمة 78 عاماً علماً أنه أكبر رؤساء الحكومات سناً في تاريخ الدولة العبرية. وتوقف المعلقون الاسرائيليون مطولاً عند حال الارتباك التي سادت مع شيوع النبأ الأول عن نقل شارون الى المستشفى، ومرور ساعتين بالتمام اكتنف فيهما الغموض مصيره لتعيش اسرائيل أجواء بلبلة ذكرت بتلك التي رافقت اغتيال رئيس الوزراء السابق اسحق رابين. ورأى أحد المعلقين ان التكتم ساعتين على حال رئيس الحكومة الصحية فيما عيون الاسرائيليين مصوبة أمام الشاشات لا يليق بدولة ديموقراطية، بل يعيد الى الأذهان سلوك الأنظمة الشيوعية في القرن الماضي. ورأى المعلقون ان تدهور صحة شارون أنذر بحصول فراغ سياسي، فحزب"الليكود"الحاكم تفتت بعد مغادرة شارون ويشهد هذه الايام صراعاً على زعامته، فيما حزب"كديما"الذي اسسه شارون أشبه ب"مخيم لاجئين"وملاذ خاسرين و"لمم أضداد"، اي انه من دون أساس او مؤسسات وقد ينهدم على من فيه لمجرد غياب الرجل الأول عن الحلبة السياسية وقعوده أو تقاعده في المزرعة. وكتب احد المعلقين انه بينما في حزب"العمل"وحتى"الليكود"ثمة كُثر لخلافة الزعيم في حال حصل له مكروه فإن الحال ليست كذلك في"كديما"الذي يحظى حالياً بدعم كبير في أوساط الاسرائيليين، بفضل الزخم والعنفوان اللذين اعطاهما شارون لهذا الحزب الوليد. وبات واضحاً ان الوضع الصحي لشارون سيكون من الآن في مركز اهتمام الاسرائيليين وفي صلب المعركة الانتخابية، وسيطرح الاسرائيليون على الدوام السؤال عما إذا كان شارون قادراً على تسيير الأمور وهو الذي يتباهى حتى الأمس القريب بأن تقدمه في السن وخبرته الغنية، العسكرية والسياسية، ميزتان لا يتسم بهما سواه، منحتاه حرية التصرف واتخاذ القرار وشعبية تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ اسرائيل... أما اليوم فتبدو مسألة عمره مصيرية وان حصول أي مكروه له سيدخل اسرائيل في دوامة جنونية يصعب التنبؤ بنتائجها. "إنها دولة رجل واحد"قال أحد المذيعين الاسرائيليين لدى تناوله الاسقاطات المتوقعة لسيناريو تعذر شارون عن مواصلة مهماته، لافتاً الى ان من الصعب بمكان الاشارة بالبنان الى"الرجل الثاني"في الحزب الحاكم"كديما"المؤهل خلافة شارون، على رغم انه من الناحية القانونية يحل القائم بأعمال رئيس الحكومة، ايهود اولمرت مكان شارون متمتعاً بكامل صلاحيات رئيس حكومة لمدة مئة يوم أو الى حين شفاء رئيس الحكومة، لكن اولمرت ليس من الشخصيات المقدرة الى درجة تبوئه مثل هذا المنصب الرفيع. وإزاء هذه المستجدات وعلى رغم ان القانون الاسرائيلي لا يلزم رئيس الحكومة بتقديم كشف عن صحته، طالب نواب في الكنيست بتعديل القانون وانضم اليهم صحافيون بارزون رأوا الى انه لا يمكن تكرار ما حصل في الماضي حين تم اخفاء حقيقة إصابة رؤساء حكومة بمرض خطير عن الجمهور. ويبقى أخيراً ان تنتظر الحلبة السياسية في اسرائيل نتائج استطلاعات جديدة للرأي، قد تنشر اليوم لتبيان مدى تأثير الأزمة الصحية لشارون على آراء الاسرائيلين وعلى الشعبية التي يتمتع بها حزب"كديما"المرشح للفوز في الانتخابات البرلمانية بعد نحو مئة يوم. وفي الجانب الصحي لرئيس الوزراء رويترز قال مدير مكتب شارون ايلان كوهين امس انه شارون يتعافى من الجلطة الخفيفة التي اصيب بها لكنه"لن يتمكن من العودة الى العمل بكامل طاقته قبل ايام". واضاف"قد تمر بضعة ايام قبل ان يعود الى مستواه الكامل في العمل 20 ساعة يومياً. يقولون انه يحتاج الى مزيد من الراحة في الايام القليلة المقبلة وان يعود الى العمل بكامل طاقته تدريجاً". وتوقع الاطباء ان يغادر شارون المستشفى"اليوم الثلثاء في اقرب تقدير". واستبعد الاطباء المعالجون لشارون اصابته بجلطة أخرى وقال يائير بيرنبويم مدير مستشفى هداسا، القريب من القدس، في مؤتمر صحافي ان شارون"يبدو في الحالة الجيدة التي يبدو عليها دائماً ويشعر بأنه على ما يرام". وقال تامير بن حور رئيس قسم الاعصاب في المستشفى، الذي تولى الاشراف على علاج شارون انه"تمت اذابة الجلطة من دون أن تلحق به أي ضرر". وأضاف أن احتمال تكرار الجلطة غير مرجح و"أريده أن يستريح في الايام المقبلة لكنه اعتاد على العمل الشاق لذا تصعب مقارنته بأحد... أعتقد أنه سيتمكن بعدما يأخذ قسطا من الراحة من العودة لنشاطه المعتاد". وقال الاطباء ان حالة شارون ستظل تحت الملاحظة الدقيقة بعد خروجه من المستشفى. وكانت رئاسة الحكومة الاسرائيلية اعلنت صباح امس ان الوضع الصحي لرئيس الوزراء"لا يزال جيدا"وانه امضى"ليلة هادئة"في مستشفى عين كارم في القدس. واضافت في بيان ان"رئيس الوزراء امضى ليلة هادئة ووضعه الصحي لا يزال جيداً". وذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان رئيس الوزراء اتصل بعدد من ابرز الصحافيين السياسيين في البلاد لطمأنتهم الى صحته. وقال لصحيفة"هآرتس"،"انا بخير، يلزم الامر على ما يبدو ان اخذ عطلة لبضعة ايام قبل ان اواصل المضي الى الامام". وكان سكرتير الحكومة اسرائيل ميمون اعلن الاحد ان وضع شارون لا يستدعي تعيين رئيس حكومة بالوكالة موضحا"بما ان جهاز رئيس الوزراء يعمل بشكل طبيعي وهو يتكلم الينا والى افراد عائلته، لا ضرورة لتعيين رئيس وزراء بالوكالة". وفي حال عجز رئيس الوزراء عن تولي مهماته، يتولى رئاسة الحكومة بالوكالة نائب رئيس الوزراء ايهود اولمرت. وفي حال استمرت فترة العجز مئة يوم، تجرى انتخابات في اليوم الاول بعد المئة.