تجتهد الفضائيات الكردية الأربع"كردسات"و"كردستان تي في"و"روج تي في"و"زاغروس"التي تبث برامجها عبر القمر الاصطناعي"هوتبيرد"في استمالة المشاهد العربي، وإطلاعه على وجهة النظر التي تتبناها هذه الفضائيات التابعة للأحزاب الكردية الرئيسة في العراق: الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني، وكذلك في تركيا: حزب العمال الكردستاني، غير ان ثمة عائقاً لا تهتم به هذه الفضائيات التي تعمل في محيط عربي، ألا وهو اللغة. فالفضائيات الكردية التي تركز - إلى جانب اهتمامها بالأغاني والفولكلور والثقافة الكردية - على البعد السياسي للقضية الكردية، وشرح مواقف الزعماء الأكراد حيال التطورات في المنطقة، خصوصا مواقف الأحزاب الكردية في العراق التي تتعرض للكثير من الانتقاد في الإعلام العربي، تخصص مساحات قليلة للبث باللغة العربية، على رغم ان المطلوب هو التركيز على هذه اللغة ذلك أن الكردي يملك، سلفاً، قناعة بعدالة قضيته ولا يحتاج، والحال كذلك، إلى من يلقنه دروسا في"القومية"، و"حق تقرير المصير"، بل هو يحتاج إلى إيصال هذه القناعة الراسخة لديه إلى جاره العربي. ولا يخفى على أحد أن الفضاء اصبح ساحة لمعارك شرسة، غير أن من لا يملك أدوات وأسحلة اللعبة الجديدة في الفضاء، يفشل غالباً في التأثير على من هم في الأرض، وعلى رغم الجهود القليلة المبذولة في هذا السياق مثل برنامج"بورتريه"، الذي يبث باللغة العربية على فضائية"كردسات"، والذي يطرح سؤال العلاقات العربية - الكردية في هذا الظرف الدقيق، عبر تسليط الضوء على مواقف كتاب وباحثين، أكراد وعرب، سوريين مرموقين، لكن الانطباع السائد لدى المتلقي العربي المتمثل في ان الفضائيات الكردية تبث معظم برامجها باللغة الكردية، يحول دون الضغط على الريموت كونترول ومتابعة هذا البرنامج الذي يمكن وصفه بأنه من الاستثناءات القليلة التي تؤكد القاعدة. ومن المعروف انه ولأجل التأثير بصورة ناجحة على شريحة من المتلقين ينبغي مخاطبتهم بلغتهم، وبما يتناسب مع مستواهم الثقافي وميولهم، لكن الفضائيات الكردية تتجاهل هذه البديهية لتتوجه إلى المتلقي العربي ببرامج تحمل الخصوصية الكردية، وهي بذلك تهدر وقتاً ثميناً، ولا توظف بشكل سليم وسيلة إعلامية خطيرة، كالتلفزيون الذي بات في إمكانه ان يسقط حكومة ويشكل أخرى، بل استطاع أن يقض مضاجع الساسة وأصحاب القرار الذين لطالما أعربوا، وعلى أعلى المستويات، عن استيائهم أو ترحيبهم بأداء هذه الفضائية أو تلك. ومثل أي أداة تكنولوجية أخرى فإن التلفزيون أيضاً يصح فيه القول بأنه سلاح ذو حدين، ومن هنا يتحتم على الفضائيات الكردية أن تسعى إلى استغلال إمكانات هذا الجهاز بصورة إيجابية، عبر التركيز على اللغة العربية، ومخاطبة المشاهد العربي طالما أن القائمين عليها يشكون من ان النخب السياسية والثقافية العربية لا تفهم طبيعة مواقفهم ومطالبهم العادلة، بل يمكن تأسيس فضائيات مستقلة، ممولة كردياً، تبث باللغة العربية فحسب، وتوجه إلى الرأي العام العربي، ولعل الأخبار الآتية من العراق تشير إلى مثل هذا التوجه، إذ تقول الأنباء ان ثمة استعدادات تجرى هناك لإطلاق فضائية جديدة مع مطلع العام المقبل اسمها"الحرية"ستبث باللغة العربية، وتكون تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني، ولعل هذه ستكون فاتحة لتأسيس خطاب إعلامي كردي جديد، بدلاً من خطاب قديم يسعى إلى حشد التأييد العربي للمواقف الكردية، بلغة يجهلها هذا العربي.