يشهد المجلس النيابي اليوم منازلة سياسية بين الموالاة والمعارضة قد تكون الأقسى في تاريخ الحياة البرلمانية منذ الاستقلال حتى اليوم, ولن يخفف منها القرار الذي اتخذه امس وزير الداخلية والبلديات سليمان فرنجية بمنع التظاهر بعد إصرار التيارات الشبابية المنضوية تحت لواء المعارضة على الاعتصام اليوم امام ضريح رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري بناء لدعوة كانت وجهتها منذ اسبوع, في مقابل عزم تجمعات بيروتية موالية على تسيير تظاهرة في الوقت نفسه، الى الضريح احتجاجاً على زيارة مساعد نائب وزير الخارجية لمنطقة الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الى بيروت وعلى جدول اعماله لقاء صباحي مع وزير الخارجية محمود حمود. وعلى رغم ان قرار الوزير فرنجية منع التظاهر اليوم لم يشكل مفاجأة للوسط السياسي وتحديداً للقوى المعارضة التي رأت في دعوة قوى بيروتية موالية اول من امس الى التظاهر في المكان نفسه غطاء دفعه الى اتخاذ قراره بعد مشاورات قام بها بعيداً من الأضواء شملت مرجعيات سياسية وروحية، فإن الحشد الشعبي وإن كان من وجهة نظر السلطة سيشكل عاملاً لتخفيف الضغط الجماهيري عن جلسة المناقشة العامة لمحاسبة الحكومة في موضوع اغتيال الرئيس الحريري ومحاولتي اغتيال النائب باسل فليحان وقبله النائب مروان حمادة، وهناك من يعتقد بأن اخراج الشارع او تحييده عن اللعبة البرلمانية لن يخفف من الهجوم النيابي الذي يستهدف السلطة التنفيذية في ظل افتقارها الى"الدفاعات"النيابية الكفيلة في إقامة حد ادنى من التوازن في تبادل الخطب بين المعارضة والموالاة. وفي هذا السياق، يمكن القول ان المعارضة من خلال نوابها ستتوجه الى البرلمان وفي جعبتها مجموعة من المواقف"النارية"التي ستطلقها ضد الحكومة التي سيطرح رئيسها بعد تلاوته بياناً امام النواب الثقة بها، بينما تسود اوساط نواب الموالاة حال من الإرباك انطلاقاً من شعورهم بالإحراج اذا ما قرروا الدفاع عنها من دون ضوابط سياسية، لا سيما انه يتجاوز مسألة منحهم الحكومة الثقة الى محاسبة الشارع الذي ينتظرهم في صناديق الاقتراع مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية في ايار مايو المقبل. ومن الواضح ان المعارضة ستدخل الى البرلمان موحدة وبخطاب سياسي تحريضي ضد السلطة وأجهزتها، في موازاة الموالاة التي تجد صعوبة في توفير خطاب دفاعي عن الحكومة، إن لم نقل ان كثيرين من النواب فيها سيزايدون على المعارضة في الهجوم على السلطة التنفيذية وانتقادها لكنهم سيضطرون، وربما بخلاف قناعاتهم, الى منحها الثقة لأن المعركة السياسية الدائرة الآن على جميع المستويات هي اكبر من محاسبة الحكومة او الوقوف الى جانبها، وتتعلق بقطع الطريق على حصول فراغ جراء حجب الثقة, في ظل تعذر التوافق النيابي والسياسي على البدائل للحؤول دون جر البلد الى الفوضى. وإذ اعترف عدد من النواب وخصوصاً نواب زحلة والبقاع الغربي وراشيا باستثناء محسن دلول وجورج قصارجي وروبير غانم بأنهم يجتازون الآن وضعاً صعباً امام قواعدهم في المنطقة وبالتالي يتخوفون من ردود الفعل الشعبية، فإنهم تمنوا في المقابل وفي مجالسهم الخاصة ان ينجح رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس في ضبط ايقاع الجلسة فحسب، وإنما في ايجاد المخرج الذي يعفيهم من الدخول في مواجهة من دون ارباح سياسية مع المعارضة. ويقصد هؤلاء بالمخرج الذي يروّجون له، ان يبادر بري في حال احتدام النقاش بين المعارضة والموالاة وتطوره الى حد تبادل الاتهامات وربما الصدامات المباشرة الى تعليق الجلسة الى موعد آخر يحدده لاحقاً. وبذلك يكون انقذهم في اللحظة الأخيرة وقبل ان يباشر المجلس بالتصويت على الثقة. ويضيف النواب في زحلة والبقاع الغربي ان اصرار بري على نقل الجلسة مباشرة في ظل تحويل ساحة النجمة والمناطق المحيطة بها الى منطقة خالية من الجماهير لن يقلل ابداً من التداعيات السياسية المترتبة على الجلسة وبالتالي سيضطرون الى مشاركة زملاء لهم في المعارضة في هجومهم على الحكومة معتبرين ان لا علاقة لمنح الثقة بأداء الحكومة وتقصيرها في المجالات كلها. فتمسكهم ببقاء حكومة يعتبرونها غير قابلة للحياة حتى لو اعيد لها الاعتبار من خلال طرح الثقة، يعود اولاً وأخيراً الى ان تطييرها في غياب الحلول الناجعة سيدخل البلد في حال من الفوضى. إلا ان النواب سواء اكانوا في الموالاة ام المعارضة اخذوا يتصرفون عشية الجلسة اليوم, واستناداً الى حساباتهم الدقيقة بأن حجم الثقة للحكومة سيتراجع عن الثقة التي نالتها في السابق عندما مثلت امام المجلس النيابي فور تشكيلها. ويؤكد النواب ان الحكومة وبصرف النظر عن حال الاستنفار التي اعلنتها في صفوفها منذ ايام لن تتمكن من الحفاظ على عدد النواب الذي كان منحها الثقة في الماضي أي 59 نائباً وأن المنافسة ستكون شديدة للغاية وأن إنقاذها في يد"حزب الله"الذي يعتبر، بحسب تأكيد الكتل النيابية، بيضة القبان, فإذا منحت كتلة الحزب الوفاء للمقاومة الثقة للحكومة ترجح كفتها ضد المعارضة علماً ان نواب الحزب كانوا امتنعوا في السابق عن منح الحكومة الثقة. وفيما تواصل قيادة الحزب بالتشاور مع نواب الكتلة درس الموقف، من جميع جوانبه، وخصوصاً تلك التي لا تتعلق بالصراع التقليدي بين المعارضة والموالاة، تؤكد مصادر سياسية ان الحزب سيمنح، للمرة الأولى منذ دخوله الندوة النيابية، حكومة الثقة وبالتالي سيتم التعامل مع موقفه على انه الرافعة السياسية التي انقذت الحكومة من السقوط. وتضيف المصادر ان الحزب لا يحبذ اعطاء الحكومة صك براءة بعد الانتقادات القاسية التي وجهها إليها, وإنما يسعى الى فرملة الموقف على الساحة السياسية التي ترزح حالياً تحت وطأة الاحتقان الذي من شأنه ان يجر البلد الى المجهول في حال لم يتدارك الأمر. وأكدت المصادر ان الحزب ليس مع أي تطرف سواء كان من المعارضة ام الموالاة لأن البلد سيدفع ثمناً سياسياً غالياً جراء الإطاحة باتفاق الطائف. ولفتت المصادر الى ان السيد حسن نصرالله لم يقطع الأمل من امكان التأسيس لمعاودة الحوار بين دمشق ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط, وقالت ان الحزب على تفاهم مع الرئيس بري على عدم الدخول في سجال مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وعزت السبب الى انهما لا يزالان يراهنان على قدرتهما في اجتذاب جنبلاط الى الحوار. وأوضحت المصادر ان بري رفض الرد على كلام لجنبلاط قال فيه انه لا يحاور إلا القيادة السورية في دمشق رافضاً الحوار مع ما سمّاهم"الأقزام"، ورأت ان رئيس المجلس ونصر الله كانا تطرقا في لقاءاتهما الأخيرة في دمشق وبخاصة مع الرئيس السوري بشار الأسد الى مسألة العلاقة السورية برئيس التقدمي. وكشفت ايضاً عن ان دمشق تدرس القيام بمبادرة جدية إزاء الوضع في لبنان وقالت ان مسؤولين لبنانيين سمعوا في هذا الخصوص عن الرئيس الأسد كلاماً ايجابياً. ومع ان قيادة الحزب تعترف بمدى حراجة الموقف الذي ستكون فيه اذا ما قررت منح الحكومة الثقة، فإن المصادر قالت إنها ستبذل جهداً لدى قواعدها ومحازبيها لإقناعهم بجدوى موقفها الذي لم تكن تتمناه لنفسها لو كانت الظروف طبيعية في البلد، مشيرة الى ان القيادة ستحاول الضغط من اجل دفع السلطة الى تغيير ممارساتها وإعادة النظر في اسلوبها في التعاطي مع المسائل الكبرى.