سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل يتخلى الأميركيون عن الملف الأمني بتسليمه الى "حلفاء ايران"؟ العراق :"الدفاع" و"الداخلية" تحددان نفوذ "الائتلاف" ونجاح الجعفري في مقاومة الضغوط الاميركية
اتفاق "الائتلاف العراقي الموحد" على تسمية مرشحه، رئيس"حزب الدعوة الاسلامية"ابراهيم الجعفري، الى منصب رئيس الوزراء ليس التحدي الرئيسي الذي تواجهه القائمة التي فازت بغالبية مقاعد الجمعية الوطنية 140 من أصل 275 في الانتخابات الاخيرة. ولن يحجب"التجاذب الطويل"بعد 9 أيام من اعلان نتائج الانتخابات بين اركان"البيت الواحد"الائتلاف الموحد لاختيار رئيس للحكومة الجديدة، الضوء على مسائل أكثر اهمية من تسمية المرشح لهذا المنصب، تتعلق خصوصاً بنوع العلاقة بين هذه الحكومة مع القوات الاميركية، التي ما زالت القوة الرئيسية في البلاد، وهامش الحرية لرئيس هذه الحكومة في تعيين الوزراء فضلاً عن رسم السياسات العامة خصوصاً في المجالين الأمني والاقتصادي والعلاقات مع الدول المجاورة. وقبل التطرق الى ابرز التحديات التي ستواجهها الحكومة الانتقالية المقبلة برئاسة الجعفري لا بد من استعراض بعض الملاحظات: كانت كل التوقعات تشير الى فوز قائمة"الائتلاف الموحد"التي باركها آية الله علي السيستاني، بغالبية كبيرة في الانتخابات التي اجريت في 30 كانون الثاني يناير الماضي، ما سيسهل أمر تشكيل الحكم الجديد، من مجلس رئاسي ورئيس للحكومة، وتعيين الوزراء ورسم السياسات. لكن النتائج التي أعلنت في 13 شباط فبراير ومنحت قائمة"الائتلاف"في البداية أقل من خمسين في المئة 48.1 في المئة دفعت ب"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية"وهو أحد أركان"الائتلاف"الى"التساؤل"عن السبب في تأخير اعلان النتائج النهائية ما"يثير الشكوك"، علماً بأن"الائتلاف"أبلغ صباح اليوم نفسه بأنه فاز بنحو 60 في المئة من الاصوات. ويبدو انه كان يوجد اصرار أميركي على الحد من نفوذ قائمة"الائتلاف"عبر منعها من الحصول على الغالبية في الجمعية الوطنية وخفض نسبة فوزها الى اقل من 50 في المئة لاجبارها بالتالي على التحالف او الاتفاق مع القائمة الكردية او قائمة اياد علاوي لتشكيل السلطة الجديدة، من المجلس الرئاسي ورئيس للحكومة، والأهم من ذلك عدم التفرد بتعيين الوزراء ورسم السياسات. يذكر ان قانون ادارة الدولة الموقت ينص على وجوب تأمين غالبية ثلثي الجمعية الوطنية 184 صوتاً من اصل 275 لتشكيل المجلس الرئاسي رئيس ونائبان الذي بدوره يختار بالاجماع رئيساً للحكومة يعين بدوره الوزراء. ولا تحتاج الحكومة الا الى غالبية بسيطة لنيل ثقة الجمعية الوطنية. ويوضح مصدرعراقي مطلع انه"على رغم ترحيب الولاياتالمتحدة بالانتخابات العراقية الا انها لم تخف قلقها وحذرها من النتائج التي افرزتها وجاءت بقائمة"الائتلاف الموحد"في الصدارة". ويوضح ان"مصدر القلق الحقيقي لواشنطن يكمن في استمرار عامل عدم الثقة أو التشكك من سياسات القوى الرئيسية في"الائتلاف الموحد"لا سيما الاسلامية المجلس الاعلى وحزب الدعوة وخصوصاً علاقات هذه القوى بالجمهورية الايرانية". ويضيف"على رغم علاقات العمل التي نسجتها هذه القوى الاسلامية مع واشنطن، منذ المؤتمر الأخير للمعارضة العراقية في لندن في كانون الأول ديسمبر 2002، وطيلة الفترة التي تلت سقوط نظام صدام حسين حتى الآن، وعلى رغم سيل"التطمينات"التي أصدرها أركان"الائتلاف"قبل الانتخابات وبعدها، وأهمها التعهد بتبني نظام ديموقراطي تعددي فيديرالي وعدم السعي لتطبيق قوانين الشريعة أو نسخ التجربة الايرانية، لم تتخلص الادارة الاميركية من شكوكها وهواجسها تجاه الاسلاميين الشيعة، اذ انها ما زالت تعيش"عقدة ايران"التي تتحكم الى حد كبير في سياساتها الشرق أوسطية عموماً". وتضاعفت"العقدة الايرانية"لدى الولاياتالمتحدة في العراق مع فوز"الائتلاف الموحد". فواشنطن، التي لم تكن تتوقع نتيجة مغايرة لنتائج الانتخابات، لم يكن بامكانها في الوقت نفسه فعل أي شيء حيالها ... سوى الضغط للحد من نفوذ"الائتلاف"في محاولة للحد من الأضرار. والمتابع للمواقف الاميركية، خصوصاً وسائل الاعلام، من الانتخابات العراقية ونتائجها يلاحظ بوضوح ليس فقط"المرارة"من نتائج هذه الانتخابات بل العجز عن تفسير ما جرى: كيف تقبل الولاياتالمتحدة بانتخابات تأتي بفوز الاسلاميين الشيعة"حلفاء"ايران، أعتى خصومها في الشرق الأوسط وربما في العالم؟ وهل قدمت الولاياتالمتحدة كل هذه"التضحيات"من أرواح جنودها وعشرات البلايين من الدولارات ل"تسليم"حلفاء ايران السلطة في العراق على طبق من ذهب؟ يكرر بعض الاطراف العربية هذه المزاعم لكن من منطلقات مختلفة لا تخلو من تحريض وتخوين. وعبرت هيلاري كلينتون بوضوح عن هذه الهواجس الاميركية، ولم تستطع، خلال زيارتها الاسبوع الماضي الى العراق، اخفاءها، اذ أعربت عن"القلق"من"احتمال تعيين ابراهيم الجعفري في منصب رئيس الوزراء بسبب علاقاته مع ايران". ويوضح المصدر ان"الولاياتالمتحدة، مع توقعها نتائج الانتخابات العراقية، لم يكن بامكانها الا الترحيب بها والمزايدة أحياناً، علماً بأن المتابع يعلم تماماً ان العامل الرئيسي والحاسم وراء اجراء الانتخابات لم يكن"الرغبة"الاميركية، بل كان اصرار آية الله علي السيستاني - منذ صيف 2003 غداة سقوط نظام صدام حسين- الذي تخشى الولاياتالمتحدة اغضابه، على اجرائها. فبعدما فشلت واشنطن في كسب التعاطف الدولي بعد انكشاف زيف المزاعم التي شنت الحرب على العراق بسببها عدم وجود اي اسلحة دمار شامل ولا اي برامج، سعت لاعطاء احتلالها العراق بعداً انسانياً، بزعم تخليص العراقيين من نظام ديكتاتوري ومساعدتهم على اقامة نظام ديموقراطي واختيار ممثليهم بحرية عبر"تبني"الانتخابات. ويلفت المصدر الى"تهافت"المزاعم عن علاقة"التبعية"بين"الائتلاف الموحد"وايران، ويضيف:"كيف تستقيم الاتهامات التي توجه الى قوى اسلامية باللاوطنية والتخوين لمجرد اقامتها في الخارج ايران حين كانت في صراع مع النظام السابق الذي لم يترك مجالاً للمعارضة في الداخل؟"ويضيف"واذا كانت الاقامة في الخارج تعني التبعية فهذه"التهمة"لا بد ان تنسحب على معظم الطبقة الحاكمة التي أقام رموزها عشرات السنين في دول عربية واسلامية وأجنبية". لكن، وعلى رغم كل ما تقدم، فان التحدي الأبرز الذي ستواجهه حكومة الجعفري ليس هذه العلاقة التاريخية مع ايران، بل كيفية اختيار الوزراء ورسم السياسات والتحالفات التي ستقيمها. وعلى رأس هذه الأولويات كيفية ادارة الملف الأمني، خصوصاً ان بعض اركان قائمة"الائتلاف"لا سيما"المجلس الأعلى"وأحمد الجلبي أعلنوا نيتهم"تطهير"الأجهزة الأمنية من البعثيين، كما أشار"المجلس الأعلى"الى وجود خطة امنية، اذا شكل"الائتلاف"الحكومة، تقضي بشكل رئيسي بضم أعداد كبيرة من"منظمة بدر"و"جيش المهدي"وميليشيات بعض الاحزاب الاخرى إلى صفوف الجيش العراقي الجديد. ولكن تطبيق هذه الخطة لن ينجح من دون تسلم وزارتي الدفاع والداخلية الذي سيخضع لتجاذبات كبيرة مع الأميركيين. ويوضح المصدر"ليس سراً اصرار قوات الاحتلال الاميركية على عدم السماح للقوى الاسلامية بتسلم وزارات تعتبرها حيوية، فضلاً عن بناء الجهاز الأمني المخابرات بعيداً عن أعين الوزراء ومراقبتهم". وكشف ان"سلطات الاحتلال الاميركية، التي أشرفت على تعيين الحكومتين السابقتين، كانت تصر على عدم تسلم الاسلاميين وزارات الثقافة والتعليم والتربية والداخلية والدفاع والمالية والنفط تساهلت بقبول تعيين ابراهيم بحر العلوم وزيراً للنفط في اول حكومة". ويضيف المصدر انه على رغم حل"سلطة التحالف"في حزيران يونيو الماضي لم يترجم "نقل السلطة"للعراقيين عملياً بافساح المجال امامهم لادارة شؤونهم بحرية، خصوصاً ان تلك الحكومة، كما الحكومة السابقة، لم تتشكل نتيجة انتخابات تمنحها الشرعية اللازمة. لكن، وعلى رغم استمرار سيطرة القوات الاميركية على زمام الأمور في العراق، فان قبضتها تتراخى يوماً بعد يوم. وجاءت الانتخابات الأخيرة ونتائجها لتعزز من قدرة العراقيين على"المواجهة"اذ لن تستطيع الولاياتالمتحدة تجاوز هذه الحقيقة التي افرزتها الانتخابات والا جازفت بتعريض صدقيتها أو ما تبقى منها حيال الشعارات التي كانت تطرحها عن الديموقراطية والانتخابات الحرة وادارة العراقيين امورهم بأنفسهم... الخ. ويبدو ان واشنطن ما زالت تصر على الاشراف على الملف الأمني، وترفض تسلم الاسلاميين وزارتي الدفاع والداخلية، خصوصاً عدم تسلم اي حزب يمتلك ميليشيا أياً من هاتين الوزارتين. ويبدو ان اختيار الجعفري رئيساً للوزراء أراح الاميركيين قليلاً من هذا القلق، اذ يعتبرون ان بامكانهم التفاوض معه على الملف الأمني، خصوصاً ان حزبه الدعوة الاسلامية لا يمتلك ميليشيا، وقد لا يصر على اجراء تغييرات كبيرة في الاجهزة الامنية التي يتهم اركان"الائتلاف"باختراقها من"حزب البعث"بعد تجميد العمل ب"قانون اجتثاث البعث". وكشفت التسريبات الأخيرة اعطاء مرشحين لرئاسة الحكومة"تعهدات"الى الاميركيين في الشأن الأمني ما يؤكد استمرار الضغوط الاميركية على قائمة"الائتلاف"فضلاً عن عدم وجود ممانعة كبيرة أو ربما ميل لدى بعض هؤلاء لارضاء الاميركيين. وكان تردد ان الجعفري تعهد بابقاء مدير جهاز المخابرات العراقي الحالي محمد الشهواني، ووزير الدفاع حازم الشعلان، في منصبيها، وكذلك الأمر مع عادل عبد المهدي الذي تعهد بابقاء الشهواني وقاسم داوود في منصبيها. ويشير المصدر الى ان"قائمة الائتلاف وعلى رغم حصولها على أكثر من 50 في المئة من مقاعد الجمعية الوطنية، ما يمنحها القدرة على منح الثقة منفردة للحكومة، لكن تشكيل المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة يفرض تأمين ثلثي اصوات الجمعية الوطنية، ويقتضي بالتالي الاتفاق مع كتلة أخرى لتأمين هذه النسبة. ومع ترجيح الاتفاق مع الأكراد، وربما كتلة اياد علاوي، سيجد الائتلاف نفسه مضطراً لاجراء مساومات على توزيع الحقائب". ويضيف"ومع حرص الائتلاف على التحالف مع الأكراد، الذين يجدون بدورهم مصلحة لهم في هذا التحالف، لا يستبعد ان يمارس الأميركيون ضغوطاً كبيرة على الأكراد للحد من نفوذ الائتلاف في توزيع الوزارات، خصوصاً الدفاع والأمن، علماً بوجود شبه اجماع على ترشيح زعيم"الاتحاد الوطني الكردستاني"جلال طالباني لرئاسة الجمهورية". وهنا لا بد لحكومة الجعفري، اذا ارادت استمرار التحالف مع الاكراد، ان تقدم تنازلات لهم بما يرضيهم، خصوصاً ان الاكراد ما زالوا يعتبرون التحالف مع الاميركيين من اولوياتهم. فهل ستوافق حكومة الجعفري على مطلب الاكراد بالفيديرالية الجغرافية التي يطالبون بها وضم كركوك الى اقليم كردستان؟ ويدرك الجعفري ان حكومته، التي ورثت ارثاً ثقيلاً من الحكومة السابقة، لن تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة الأخرى، من تأمين الخدمات وانعاش الاقتصاد وصولاً الى الاستقرار السياسي، الا بمعالجة الملف الأمني. ولذلك يكتسب انتماء من سيتبوأ منصبي وزارتي الدفاع والداخلية أهمية قصوى، ويؤشر في الوقت نفسه على مدى نفوذ"الائتلاف"ونجاح رئيس الحكومة في مقاومة الضغوط فضلاً عن"قدرة العراقيين على ادارة شؤونهم بأنفسهم".