في ظل التحديات التي تواجه الدول العربية على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، في مطلع القرن الواحد والعشرين، هناك ضرورة لإعادة النظر في أسلوب إدارة العرب لعلاقاتهم الاقتصادية الخارجية، خصوصاً في مجال التفاوض الدولى، وذلك لتحقيق أكبر قدر من المكاسب من خلال عمليات المفاوضات الجماعية. وانطلاقاً من الاعتبارات، فإن الأمر يستدعي تشكيل جهاز عربي للتفاوض الموحد مع المنظمات الاقتصادية الدولية حول قضايا النقد والمال والتجارة الدولية ونقل التكنولوجيا. فالجهاز الذي نتحدث عنه يجب أن يكون على غرار الأمانة العامة لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية اونكتاد، أو الأمانة العامة لتحالف مجموعة بلاد الأنديز انديز باكت، الذي كان يضم مجموعة مهمة من بلدان أميركا اللاتينية. لعل بعضهم قد يعترض على هذا الاقتراح ، بحجة أن لدينا في المنطقة العربية العديد من المنظمات والأجهزة التي تقوم بهذه المهمات، على أسس نوعية أو قطاعية، أبرزها: الأمانة العامة للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية. الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية. الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك. صندوق النقد العربي. لجنة الأممالمتحدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدان غرب آسيا اسكوا. وتختص إدارة الشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتحديد أهم القضايا والمشكلات التي تواجه الدول العربية وتتولى القيام بالدراسات الخاصة بها، كما تقوم بالتنسيق بين المنظمات العربية المتخصصة في المجالات المختلفة. ومن جهة ثانية ، فإن الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية تختص بمسائل التنسيق بين الدول العربية في مجال تحرير التجارة والمبادلات بينها، وكذلك تطوير قطاع "المشروعات العربية المشتركة"، كمدخل يساند ويطور علاقات التكامل الاقتصادي في ما بين الأقطار العربية المختلفة. على صعيد آخر، تقوم الأمانة العامة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول بالتنسيق بين الدول المنتجة في ما يتعلق بالصناعات النفطية والغازية. يختص صندوق النقد العربي بالتنسيق بين البلدان العربية في مجال الشؤون المالية والنقدية ونظم المدفوعات على الصعيد العربي. كما أن من المفترض أن يلعب صندوق النقد العربي دوراً تنسيقياً بين مواقف الدول العربية على الساحة الدولية في مجال إصلاح النظام النقدي العالمي، لا سيما إزاء الخط المتشدد لإدارة صندوق النقد الدولي والخزانة الأميركية. بيد أن كل هذه المنظمات، على اختلاف درجات كفايتها، لا تصب في وعاء واحد يمسك بالأطراف المختلفة للقضايا المطروحة على جدول أعمال القرن الواحد والعشرين، حيث "آليات العولمة" الجديدة ، وحيث السعي إلى" معمار مالي دولي جديد"، ناهيك عن إصلاح" النظام التجاري الدولي متعدد الأطراف"، بعد فشل دورتي "سياتل" و"كانكون" للاجتماعات الوزارية لمنظمة التجارة الدولية . لذا لا بد من وجود أمانة فنية جديدة تقوم بالتنسيق بين أنشطة المنظمات العربية المتخصصة كلها، وتقوم بحساب درجة الترابط والتفاعل بين كل هذه القضايا المختلفة المطروحة على الساحة الدولية، خصوصاً في مجالات: المال، والطاقة، والمبادلات التجارية، ونقل التكنولوجيا، والاستثمارات الأجنبية. ومن هنا أهمية اقتراحنا بضرورة إنشاء جهاز تنسيقي جديد يقوم بتحديد موقف عربي تفاوضي واضح القسمات ومحدد المعالم، إزاء مجموع القضايا التي تحدد علاقة المنطقة العربية بالنظام الاقتصادي العالمي، في ظل عمليات العولمة المتصاعدة. وليس هناك ما يمنع أن يكون هذا الجهاز الجديد، المقترح، مرتبطاً بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وينشط في إطارها، مثلما كان الحال بالنسبة لوحدة "الحوار العربي الأوروبي" التي أصيبت بالسكتة القلبية، منذ زمن طويل. * أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة.