مريول أبيض و"قمطة" مزينة بمربعات زرق، لباس إلزامي ترتديه فتيات المرحلة الإعدادية في حصص التدبير المنزلي والخياطة... فيبدين أشبه بطباخات أو ربما خادمات صغيرات. وبغض النظر عن مدى ملاءمة هذا الزي المهني للأجسام النحيلة والوجوه البريئة، فإن طقوس شرائه لا تزال تدخل الكثير من البهجة إلى قلوب الطالبات كونه يعلن أنهن كبرن كفاية ليمارسن أنوثتهن ويتعلمن كيفية القيام بالأعمال المنزلية وفنون الطبخ والخياطة والتطريز. يبدو أن الوقت حان لتسقى هذه البذور الفتية وتعد كل طالبة" فنياً" و"منزلياً" كي تدخل الحياة الزوجية مدربة ومؤهلة لممارسة دورها "الرائد" في البيت وبين أدوات المطبخ والتنظيف! "الأبجديات"الأنثوية "أيام زمان كانت المواد الفنية نافعة جداً وقد تعلمت الخياطة على أصولها من معلمتي في المدرسة" تقول سيدة في الأربعين من العمر وتضيف: "تكمن المشكلة في فتيات هذا الجيل. فهن مدللات جداً ولا يأخذن الأمور على محمل الجد. ابنتي لا تعرف كيف تخيط زراً وتحتج دوماً بأن هذه الأعمال موضة قديمة ولا تناسب "ستايل" القرن الواحد والعشرين". أما مايا 13 عاماً فتقاطع ضاحكة: "لم أستفد شيئاً من كتاب التدبير المنزلي الذي أجبرت على شرائه في المدرسة. فتبرعت به لأمي وكانت النتيجة أننا صرنا نجد على مائدة الطعام أصنافاً جديدة مستقاة من تلك الوصفات في الكتاب". تشكل مواد التدبير المنزلي والخياطة جزءاً رسمياً من مناهج المرحلة الإعدادية الخاصة بالفتيات. وتتنوع من طرق تحضير ما لذ وطاب من الأطعمة المختلفة، إلى كيفية إزالة البقع المستعصية كبقع الحبر والزيت عن الملابس، وحتى طرائق تلميع الأواني الفضية والنحاسية والأحذية الجلدية. أضف الى هذا، تعلم مهارات التطريز والخياطة. ترتدي كل طالبة مريولها وتنهمك لمدة ساعتين أسبوعياً في تعلم تلك "الابجديات" الأنثوية. لا ينتهي الأمر هنا إذ لا مناص من خوض امتحان آخر الفصل الدراسي لمعرفة درجة إتقان الطالبات ما تعلمنه من معلماتهن معلمة طبعاً وليس معلماً، لتأتي ساعة الحسم... وتمتحن الطالبات في كيفية تفصيل المشروع الأولي لفستان أو تنورة قصيرة أو في طريقة صنع وصفة طعام معينة غالباً ما تصنعها الأمهات في المنزل وتجلبها الفتيات إلى المدرسة ليحصدن بذلك النتيجة "الأطيب". أكابر... يقتصر تدريس هذه المواد "النسوية" على المدارس الحكومية دون الخاصة كأن الأمر مقصود. ففتيات المدارس الخاصة ينتمين غالباً إلى الأسر الغنية أو الميسورة الحال، وينبئ بالتالي مستقبل "بنت الأكابر" بأنها ستستعين بخادمة أو طباخة في حياتها الزوجية. لذلك، لا حاجة لتعلم هذه الفنون والمهارات. أو ربما لأن معظم المدارس الخاصة هي مدارس مختلطة ولا داعيٍ لإحراج الطلاب الشبان غير المعنيين بهذه المواد. "نجبر على تحمل هذا الهراء بينما الشبان مرتاحون" تعبر طالبة مجتهدة في إحدى المدارس الحكومية عن استيائها. وتضيف: "صحيح أننا نمرح ونتسلى في هذه الحصص، لكنها في الحقيقة مضيعة للوقت خصوصاً عند قدوم الامتحانات". وفيما تؤكد أخرى أن هذه المواد مزعجة جداً بالنسبة اليها, لا سيما عندما تضطر الى دخول مطبخ المدرسة: "يكفي العمل الملقى على عاتقي في المنزل. لا ينقصني مطبخ في المدرسة أيضاً. انه اشبه بعقوبة حقيقية بالنسبة الي". وتجد ثالثة أن الحل يكمن في انشاء معاهد خاصة بالخياطة أو فنون الطبخ للمهتمات من الفتيات، وليس فرض هذا الخيار على جميع الطالبات في المدارس. وتضيف: "لا أجد أي متعة في تعلم كيفية تحضير عجينة الحلويات العربية ولن أحضرها حتى عندما أتزوج". توافقها إحدى زميلاتها الرأي وتقول: "كل شيء أصبح متوافراً في الأسواق فلمَ العذاب؟ ثم حين تتعلم الطالبات كل هذه الخبرات، هل تبقى هناك حاجة لبائع الحلويات أو لمحلات التنظيف والكوي وتلميع الأواني؟". تستدرك ضاحكة: "الغريب أن معظم العاملين في هذه المهن هم من الرجال، بينما الأمر مختلف تماماً في المنزل فهو مملكة الفتاة كما تردد أمي". تمييز مجحف يجد بعض الأمهات أن لا مبالاة الطالبات أواستهتارهن في التعاطي مع هذه المواد، ينبع من أن هذه الاخيرة لا تقرر نتيجة نجاحهن أو رسوبهن. ويجدن أن إجبار الطالبات على الاهتمام بهذه الأمور يساعد على اضطلاع كل فتاة بمسؤوليتها تجاه بيتها. فمهما علا شأن المرأة في العلم أو العمل ستعتبر في النهاية وعلى رغم كل شيء ربة منزل! بينما تؤكد سيدة ناشطة في ميدان الدفاع عن حقوق المرأة" أن هذه المواد هي تمييز مجحف وسلبي بحق البنت يكرس صورتها النمطية التي لم تعد تناسب العصر". وتقترح استبدال مواد تهتم بتعليم خبرات التدبير والتعاون في بناء الأسرة لكلا الجنسين بها، وتضيف: "آن الأوان لنكف عن حصر الفتاة داخل رداء بال ضاق جداً على مقاسها". " نعم نتعلم كيف نصلح الألبسة البالية" تقول طالبة في الثانية عشرة من العمر وتضيف هازئة: "وكيف نتخلص من رائحة البصل قبل استقبال الرجل في البيت أيضاً، لأن هذا عيب ولا يليق بالزوجات الفاضلات".