منذ وقت طويل، كفت الانترنت عن كونها الفضاء المفتوح, ولو افتراضياً، امام انواع النشاط الانساني المختلفة, خصوصاً في مجال الحرية الفردية والتعبيرعن الرأي. وجاءت الظروف الامنية التي تلت أحداث 11/9 لتضع المزيد من العراقيل. بعد تلك الاحداث, عادت الدول, وخصوصاً الولاياتالمتحدة، لتمارس رقابة قوية على الشبكة الدولية للكومبيوتر. لم يثر ذلك سوى الحد الادنى من الاعتراضات. ومثلاً, وضع "البوليس الاميركي الفيدرالي" اف بي أي برنامج "كارنيفور" للرقابة على البريد الالكتروني في العالم. لم يسمع سوى اعتراضات خجولة داخل الولاياتالمتحدة، التي انفجر فيها نقاش عن "مبادلة الحرية بالامن"، غداة احداث 2001، من دون ان يحرز دعاة الحرية فوزاً فيه. وفتح ذلك الباب امام اشياء اخرى. مثلاً، لم تعد أصوات الاعتراض قوية في وجه الرقابة القوية التي تفرضها الحكومة الصينية وحزبها الشيوعي, على الانترنت في تلك البلاد. السجل العربي في الرقابة ماذا عن الحرية الالكترونية عربياً؟ يرى الكثير من المهتمين بحرية الرأي والتعبير أن الإنترنت أتاح فرصاً واسعة أمام كم هائل من المواطنين في مختلف البلاد العربية في التعبير عن آرائهم والإعلان عن أنفسهم. ولا سيما المجموعات التي لم يكن متاحاً لها في السابق التعبير عن نفسها وطرح أفكارها وهمومها لأسباب مختلفة سواء سياسية أو مرتبطة بحقوق الانسان وخلافه. إلا أن تلك المجموعات وعلى اختلاف مرجعياتها أدركت سريعاً، أن الحكومات دخلت بدورها حلبة الصراع وبدأت تبذل الجهد لتحكم حصارها على هذه الوسيلة الجديدة، فلجأت إلى المصادرة والرقابة، فضلاً عن استخدامها للوسائل الجديدة والمتعلقة بهذا الوافد الجديد مثل تحكمها في المنبع من خلال برامج الفلترة الإلكترونية. كما لجأت بعض الدول إلى احتكار تقديم الخدمة، فضلاً عن استخدام الحل الشائع والتقليدي، وهو تلفيق القضايا والزج بمن يتجاوز الخطوط الحمر داخل السجون بدعاوى واهية. وأكدت هيئة الأممالمتحدة في تقرير حديث لها حول برامج الحكومة الإلكترونية في العالم، على نجاح الإمارات في احتلال مرتبة متميزة بين دول العالم، وصنَّفت الدولة ضمن فئة "ابرز الدول المتقدمة في مجال الحكومة الإلكترونية"، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عربياً. إلا أن هذا الترتيب المتقدم، لا يعكس بالضرورة الوضع الحقيقي الذي يعاني منه مستخدمو الإنترنت في الإمارات، حيث ارتفعت الشكوى من ارتفاع تكلفة الاتصالات. ويثير موضوع الرقابة على الإنترنت في الإمارات جدلاً كبيراً بين مؤيد ومعارض، لنظام الرقابة ال"بروكسي" الذي يعتمده العديد من دول العالم. حيث طالب وزير الإعلام والثقافة بإتاحة حرية مطلقة للاتصال بالشبكة العالمية للإنترنت وإلغاء هذا النظام. وأشار الى أن الحكومة يجب ألا تفرض رقابة على الفرد. في المقابل، تحتل قطر مرتبة متقدمة بين الدول العربية من حيث نسبة مستخدمي الإنترنت، حيث تزداد مساحة الحرية على الإنترنت، وتضيق مساحة الرقابة، ولم ترد أخبار عن حجب أي مواقع من قطر، باستثناء بعض المواقع الإباحية. وفي لبنان، لم تُنشر معلومات محددة لأي من هيئات حقوق الإنسان المختلفة تدين أية ممارسات قمعية بحق مستخدمي الشبكة. غير أن العديد من التقارير اشتكى من "التفلت" في استخدام الإنترنت وانعدام الرقابة مما يعرض جيلاً كاملاً من النشء الجديد لخطر الانحراف نتيجة ما يشاهده من مواقع قد تكون مخلة بالآداب. ومن خلال جولة على بعض مقاهي الإنترنت في العاصمة بيروت، لاحظنا أن روادها ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، بمن فيهم الأطفال دون سن المراهقة يستعملون هذه التقنية من دون مرافقة أحد الوالدين أو إشراف من القيمين على هذه المقاهي. في حين عمد بعض المقاهي إلى تثبيت لوحة تمنت فيها على روادها عدم "تصفح المواقع غير الشرعية". وتختلف الصورة تماماً في كل من سورية والسعودية حيث يشير واقع الحال في الأخيرة إلى أن الحكومة السعودية أنشأت "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" وهي الجهة المركزية المسوؤلة عن توفير الاتصال بالإنترنت عبر العديد من شركات مقدمي الخدمة. وتستخدم هذه المدينة أجهزة صممت خصيصاً لها، وتقوم بعمل فلتره وترشيح للمواقع التي ترغب الحكومة السعودية في حجبها عن الجمهور. وفي المقابل، شهدت المملكة نقاشاً مفتوحاً عن هذا الامر، مما يعتبر خطوة مهمة في هذا المجال الحساس. والحال ان عدداً من الاصوات ارتفع مطالباً بفرض نوع من التدقيق سعودياً في مسألة الوصول المفتوح للمواقع، خصوصاً الجنسية منها. وتمثل اصحاب هذا الرأي، الذين تعددت خلفياتهم السياسية والفكرية، بالرقابة التي تفرضها حكومات غربية عدة على مثل تلك المواقع. وفي سورية، تتوالى الشكاوى باستمرار من قيام السلطات بحجب الكثير من المواقع على شبكة الإنترنت. وتشير الأنباء إلى تزايد حجم "القائمة السوداء" التي تتضمن المواقع المحجوبة ومنها المواقع الإخبارية التي تنشر تفاصيل غير مالوفة تتناول شؤوناً داخلية حساسة. اليمن والبحرين : بين الحجب والإصلاح وعلى رغم ضآلة عدد مستخدمي الشبكة في اليمن، أدت الإجراءات التي اتخذتها وزارتا الاتصالات والثقافة والمتمثلة في مراقبة وحجب العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، إلى تراجع كبير في عدد مستخدمي الإنترنت. ووصل الأمر إلى إزالة الحواجز العازلة بين رواد مقاهي الإنترنت والقيام بكشف شاشة الأجهزة إلى الخارج. وتشير المعلومات إلى أن ما أطلق عليه "كشف المستور" أدى إلى تراجع الدخل اليومي لهذه المقاهي أكثر من 300 في المئة، وهو ما أدى بدوره إلي انخفاض المدخول المالي للكثير من هذه المقاهي نتيجة للرقابة. وتتذرع الحكومة اليمنية بالحفاظ على القيم"الأخلاقية" لحجب مواقع بعينها. وفي خطوة ملفتة، اعترفت الحكومة البحرينية بوجود رقابة على الإنترنت فيها، تصل لحد منع وتعطيل بعض المواقع، التي لا ترضى عنها، بحجة قيامها بالتحريض على الفتنة الطائفية وتحت شعار الحفاظ على القيم. وفي المقابل، يحتج موقع "شبكة مراقبة حقوق الإنسان" على مطاولة الاجراءات الحكومية مواقع لا ذريعة فعلياً لحجبها سوى الضيق بالرأي الاخر! وقد ربط البعض الحجب بالصراع السياسي في البلاد, ملاحظين ميل المواقع المحجوبة لتبني المطالبة بإصلاحات دستورية. ليبيا: الدولة تشجع والمعارضة ... تستثمر يكاد الإنترنت أن يكون المتنفس الوحيد للمواطن الليبي في ظل أوضاع تتسم بالقمع الشديد وغياب لأي حريات عامة. وبحسب تقرير "شبكة مراقبة حقوق الإنسان"، سعت الحكومة الليبية لصقل الكفاءات في مجال الاتصالات التكنولوجية. وخفضت رسوم الاتصالات بشبكة الإنترنت بواقع 50 في المئة. وسمحت للقطاع الخاص بالاستثمار فيه. وأتاحت هذه الامور فرصاً هائلة لمجموعات المعارضة الليبية في الخارج. وردت الحكومة بفرض رقابة على مواقع المعارضة، في محاولة منها للحد من انتشارها. كما ألزمت أصحاب مقاهي الإنترنت بوضع ملصقات تحذر روادها من الدخول إلى المواقع المعارضة. "شرطة الإنترنت" لملاحقة المخالفين وعلى رغم التطور السريع لعدد مستخدمي الإنترنت في مصر، تشهد الشبكة احياناً بعض الاجراءات الرقابية. ويصعب اغفال الاثر الايجابي الذي نجم عن مشاريع مثل "الانترنت المجانية" و"كومبيوتر لكل مواطن"، على رغم ما يشوبها من سلبيات في التطبيق. وشهد العام 2003 انفجار قضية استخدام الانترنت من قبل بعض المجموعات ذات الميول الخاصة، والتي عمدت الشرطة الى وقفها. وانشأت مصر إدارة جديدة، تتبع الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق تحت اسم "إدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكة المعلومات"، يسميها البعض "شرطة الإنترنت". وفي الأردن، عززت الحكومة جهود نشر التكنولوجيا الرقمية في البلاد، من خلال مشروع الشبكة التعليمية التي تهدف إلى ربط ما يزيد عن 1.5 مليون طالب بحلول عام 2006 بشبكة معلومات وبحث واسع. وينتظر الشارع الاردني القانون الحكومي المزمع سنه للبث المرئي والمسموع، والتي قررت ادراج الانترنت ضمنه. كما وافقت على قرارات لتنظيم عمل مراكز ومقاهي الإنترنت، واعطت حوافز تشجيعية للاستثمار في مجال تقنية المعلومات. وتُعد تونس أول دولة عربية ارتبطت بشبكة الإنترنت. وتوجد طائفة من القوانين المنظمة لاستخدام الإنترنت تُعدّ من أكثر القوانين تفصيلاً في المنطقة كلها. ويقضي "مرسوم الإنترنت" بأن تتحمل الشركات التي تقدم خدمة الإنترنت المسؤولية عن المعلومات المتداولة عبر الشبكة، وأن تقدم لأحد أجهزة الدولة قائمة بأسماء المشتركين في الإنترنت"كما يحظر المرسوم استخدام نظام للتشفير. وتمتد يد الرقابة التونسية لتحجب العديد من المواقع العالمية مثل بريد "هوت ميل" والعديد من المواقع الفلسطينية والمصرية والحقوقية. وكانت محكمة تونسية أصدرت عام 2002 أحكاماً بالسجن على مواطنين بتهمتي "نشر أخبار كاذبة" أو الدخول إلى "مواقع إرهابية". العراق: استثناء... حتى إشعار آخر بحلول عام 2002 لم يكن عدد مستخدمي الإنترنت في العراق يزيد عن 45 ألفاً، كان الكثير منهم من كبار موظفي الدولة، والباقون هم من الأغنياء. وقد ابتكرت السلطات العراقية نظاماً فريداً لاستخدام الإنترنت، لا يسمح باستخدام خدمة البريد الإليكتروني. وكان المواطن العراقي يمر بالعديد من الإجراءات الصارمة حتى يتمكن من استخدام الإنترنت، إذ عليه أن يتعهد بالإخبار عن أي موقع معاد على الشبكة قبل ان في حال دخوله خطأً إليه، والا يستنسخ أي مقالات أو صور تتعارض مع سياسة الدولة أو تمس رأس النظام. أما مرتادو مراكز الإنترنت فعليهم قبول الشروط المجحفة للاستخدام. أما اليوم وفي ظل الاحتلال الأميركي، ما زال من المبكر تكوين مشهد عام حول حرية الإنترنت في العراق، على رغم مما "تعد" به سلطات الاحتلال من إرساء للديمقراطية والحرية في هذا البلد.