تبنت الأممالمتحدة إعلان الألفية الثالثة في شأن التنمية في أيلول سبتمبر 2000، وتضمن ثمانية أهداف أساسية تصبو إليها البشرية، من أجل عيش أفضل، تحققها الدول خلال الفترة الممتدة بين 1990-2015، وتتمثل في: القضاء على الفقر المدقع والجوع، تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وخفض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة، تحسين صحة الأمهات، مكافحة مرض نقص المناعة الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض، ضمان الاستدامة البيئية وتطوير شراكة دولية من أجل التنمية. الدول العربية تبنت إعلان الألفية، شأنها في ذلك شأن دول العالم الأخرى، وحققت إنجازات مهمة للوصول إلى هذه الأهداف خلال العقود القليلة الماضية. فنسبة الأمية بين الفئة العمرية 15-24 سنة، خفضت من نحو 65 في المئة عام 1970، إلى نحو 23 في المئة عام 2001، وارتفع متوسط طول العمر المتوقع من 51 سنة إلى 68 سنة بين 1970 و2001، كما وفرت البنية الهيكلية الجديدة المياه الصالحة للشرب لنحو 83 في المئة من السكان، وغطت شبكات الصرف الصحي نحو 87 في المئة من حاجات سكان المدن. لكن هذا التقدم نحو تحقيق الأهداف المرجوة اخذ في التراخي في التسعينات من القرن الماضي، إذ توقفت نسبة الطلاب في المرحلة الابتدائية عند 80 في المئة، بينما ازدادت نسبة الطالبات إلى الطلاب في المرحلتين الابتدائية والثانوية زيادة طفيفة، وبقيت أعداد وفيات الحوامل عند الولادة مرتفعة في حدود 500 لكل مئة ألف. فيما تدعو الرسالة الرئيسة لتقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي حول "الأهداف الإنمائية للألفية في البلدان العربية: نحو 2015 الإنجازات والأماني" الدول العربية إلى استعادة معدل التقدم وزيادته في مجال التنمية البشرية لتحقيق أهداف الألفية بحلول عام 2015. وفي الواقع تواجه الدول العربية تحديات إنمائية في تحقيق أهداف الألفية: فهناك نحو 10 ملايين طفل خارج المدارس، وعدم المساواة بين الجنسين ما زال قائماً، حيث تبلغ نسبة الأمية لدى النساء نحو 50 في المئة، وتحتل النساء نحو خمسة في المئة فقط من المجالس التشريعية العربية. وعلى المستوى العربي، فإن متوسط مؤشر التنمية الإنسانية، البالغ0.651 هو أقل من المتوسط العالمي البالغ 0.729 بحسب تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأممالمتحدة عام 2004، كما أن المؤشر للمنطقة العربية هو أقل من مؤشر البلدان النامية البالغ 0.663. ولا شك في أن هذه الصورة الإجمالية للدول العربية تخفي التفاوت الكبير بين أوضاعها وتقدمها نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة، وهذا ما نستعرضه في ضوء البيانات والمعلومات المتاحة عن الهدفين الأول والثاني. تصنف الدول العربية في ثلاث فئات على أساس تقدمها نحو أهداف الألفية خلال الفترة 1990-2000، هي: فئة الدول على المسار، وتضم: الكويت وسورية والسعودية ومصر والسودان. وفئة الدول المتأخرة عن المسار، وهي الجزائر والمغرب والأردن واليمن والعراق وموريتانيا والصومال. وفئة الدول التي لا تتوافر عنها بيانات وهي: تونس وليبيا وجيبوتي وقطر والبحرين وسلطنة عمان والإمارات ولبنان والضفة وقطاع غزة وجزر القمر. وتتطلب محاربة الفقر في المنطقة العربية سياسات تركز على شمولية اجتماعية ومناطقية وإيجاد فرص عمل، لأن الفقر في الريف العربي أشد منه في المدن . إلا أن ذلك لن يكون متاحاً من دون توفير البيانات الصحيحة والدقيقة في شكل عام، وللفئة الثالثة على وجه الخصوص. أما بالنسبة إلى هدف تعميم التعليم الابتدائي، فإن ست دول عربية تسير على خطى تحقيق الهدف، هي: المغرب والجزائروتونس والأردن وقطر والعراق، وسبع دول متأخرة عن المسار هي: الكويت والبحرين وعمان والسعودية والإمارات وسورية وجيبوتي، بينما الدول التسع الأخرى لا تتوافر عنها بيانات. ويلاحظ أن دول الفئات الثلاث تتغير بحسب طبيعة البيانات المطلوبة. وبالنسبة إلى أهداف الألفية الأخرى، فإن معظم الدول العربية إما أنها متأخرة عن المسار أو أن البيانات غير متوافرة عنها. قد تبدو الصورة التي تبرز عن التقدم العربي نحو تحقيق أهداف الألفية بحلول عام 2015 غير مشجعة، ومع ذلك يمكن الدول العربية، إذا رغبت وصممت، أن تغير الوضع القائم وتقود المسيرة نحو تحقيق الأهداف المرجوة بتبني إدارة حكم جيدة وسياسات إصلاح منحازة الى الفقراء، وإدارة موارد نشطة وفاعلة، وتحديد أولويات واضحة ودقيقة للتنمية البشرية، وتبني أو تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي القادرة على خلق فرص عمل تمتص الداخلين إلى سوق العمل، وتستقطب نسباً متزايدة من صفوف العاطلين من العمل، ومعالجة الفجوات بين المدن والريف. ومن دون البيانات الصحيحة والدقيقة عن كل مؤشر من مؤشرات أهداف الألفية، لن تتمكن البلدان العربية، الغنية والفقيرة على حد سواء، من مراقبة التقدم نحو الأهداف. لذا، فإن مهمة أساسية يجب أن تكون في مقدم أولويات عملها، وتتمثل في رفع القدرة على جمع البيانات وتبويبها واستخدامها. المدير السابق لمعهد السياسات الاقتصادية في صندوق النقد العربي