احدى اشهر قصص التاريخ السياسي الأميركي ان جورج واشنطن قطع وهو صبي صغير شجرة كرز في حديقة البيت، وعندما سأل أبوه من قطع الشجرة، قال جورج واشنطن انه لا يستطيع الكذب، واعترف بقطعها، فلم يعاقبه ابوه. السياسيون الأميركيون قطعوا شوطاً كبيراً منذ ايام جورج واشنطن فهو لم يكن يستطيع الكذب، وهم لا يستطيعون الصدق، غير انني أبقى اليوم مع قصص خفيفة، كعادتي في مثل هذا اليوم كل اسبوع. في المدرسة سألت المعلمة بنتاً صغيرة لماذا لم يعاقب والد جورج واشنطن ابنه بعد ان قطع شجرة الكرز. وردت البنت: لأن جورج كان لا يزال يحمل الفأس بيده. المعلمة نفسها قالت للطالبة الصغيرة سوزان ان تذهب الى الخريطة على الحائط وتُري الصف اين تقع اميركا. وذهبت سوزان الى الخريطة ووضعت اصبعها على المكان الصحيح. وقالت المعلمة: عظيم. والآن من اكتشف اميركا؟ ورد الصف كله: سوزان. عندي قصة اخرى قرأتها على الإنترنت وأكتفي بترجمتها مخففة: في اليوم الأول من السنة الدراسية الجديدة جلس في الصف ولد اسمه سوزوكي، هو ابن رجل اعمال ياباني انتقل الى الولاياتالمتحدة اخيراً. واقترحت المعلمة، ان يبدأ الصغار بمراجعة التاريخ الأميركي وسألت: من قال أعطني الحرية أو اعطني الموت. وخيّم صمت محرج على الطلاب الأميركيين إلا ان الياباني سوزوكي رفع يده حتى سمحت له المعلمة بالكلام وقال: باتريك هنري سنة 1775. قالت المعلمة: صحيح، والآن اسألكم من قال:"حكومة من الشعب ومن طريق الشعب ومن اجل الشعب"؟ ومرة اخرى لم يعرف الصغار الأميركيون الجواب، ورفع سوزوكي يده وقال: جورج واشنطن في 1763. ووبخت المعلمة الطلاب الأميركيين على جهلهم وقالت:"ان سوزوكي الجديد في بلادنا يعرف عن التاريخ الأميركي اكثر مما تعرفون". وسمعت الطالبة ولداً يهمس بصوت مسموع"اللعنة على اليابانيين"، فسألت من قال هذا؟ وأسرع سوزوكي يقول لي إياكوكا سنة 1982 كان إياكوكا في حينه رئيس شركة كرايزلر، وكانت صناعة السيارات اليابانية اكتسحت الأسواق الأميركية وضربت مبيعات السيارات الأميركية، حتى ان صالات العرض كانت تضع سيارة يابانية في باحتها ثم تترك الراغبين يضربونها بمطرقة ضخمة لتحطيمها. هذه المرة همس ولد في آخر الصف: أشعر بأنني سأتقيأ. وسمعته المعلمة وهتفت بحدة: من قال هذا؟ ورفع سوزوكي يده فوراً وقال: الرئيس جورج بوش الأب لرئيس وزراء اليابان سنة 1991. لا بد ان بين القراء من يذكر كيف مرض الرئيس الأميركي في مأدبة عشاء رسمية وتقياً على مضيفه، ثم بدأ يغيب عن الوعي. وهنا ثار الطلاب، وشتموا سوزوكي بكلام جنسي قبيح، ورد سوزوكي: بيل كلينتون لمونيكا لوينسكي سنة 1997. ودبت هستيريا بين الطلاب واقترب بعضهم من سوزوكي يريدون ضربه، وصرخ فيه ولد ضخم الجثة: اذا قلت شيئاً آخر فسأقتلك. ولم يتمالك سوزوكي نفسه فقال: غاري كوندت لشاندرا ليفي سنة 2001 والقصة مشهورة في اميركا، فقد كانت ليفي متدربة في الكونغرس، وكوندت عضو فيه، عندما اختفت في ايار مايو 2001، واعترف كوندت بعد ذلك بعلاقة غرامية تربطهما، وعثر على جثة ليفي بعد سنة في حديقة عامة في واشنطن وتبين انها ماتت قتلاً. ولم يتهم كوندت. المعلمة سمعت رد سوزوكي وسقطت ارضاً مغمياً عليها، وتجمع الطلاب حولها، وقال احدهم: راحت علينا. وصرخ سوزوكي: جنرال اميركي في العراق 2005. لا أعرف هل قتل الطلاب الأميركيون سوزوكي، وشر البلية ما يضحك، فأكمل بشيء حقيقي، يكاد يكون ظريفاً لولا ان النكتة الأميركية دائماً علينا. هل يقدر القارئ مدى هبوط السياسة الأميركية؟ بعد جورج واشنطن وأبراهام لنكولن وروزفلت، جاء رونالد ريغان وجورج بوش الابن. ثم هناك دونالد رامسفيلد، الذي خدم وزيراً للدفاع مرتين تقديراً لعبقريته. وأكتفي من هذه العبقرية بترجمة حرفية لكلمات له في مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع في 12 شباط فبراير 2002. هو قال: كما نعلم، هناك معروفات معروفة، هناك اشياء نعرف اننا نعرفها. ايضاً نعرف ان هناك معروفات غير معروفة. وأقول اننا نعرف ان بعض الأشياء لا نعرفها. لكن هناك ايضاً مجهولات مجهولة. والأشياء التي لا نعرفها نحن لا نعرفها. غير ان اميركا تظل بلاداً عظيمة على رغم جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد، والرئيس يوليسيس غرانت لم تحمه الرئاسة، فقد حُجزت عربته وحصانه يوماً بتهمة السرعة في احد شوارع واشنطن، وأوقف هو للتحقيق معه، وأرجو ان يتخيل القارئ شرطياً عربياً يوقف زعيماً عربياً، فليس عندي شخصياً هذا القدر من الخيال. غير انني بدأت بجورج واشنطن وأختتم به، فهو بعد فوزه بالرئاسة لم يجد عنده ما يكفي من المال للذهاب الى واشنطن وحضور حفلة تنصيبه، فاستدان 600 دولار من جار له، ومرة اخرى أترك القارئ ليتخيل زعيماً عربياً من دون 600 دولار.