الصديق القادم من أوروبا، للمشاركة في"مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي"، أصيب بالذهول وهو يطلع في باحة الفندق، بعد ساعات من وصوله، على برنامج الدورة السابعة عشرة من التظاهرة الشهيرة. كانت بين يديه الكرّاسة الخاصة بالشخصيّات الثقافيّة والمسرحيّة التي يكرّمها المهرجان هذا العام. واسترعى انتباهه وجه عزيز، يكنّ له كلّ احترام ومودّة، عرفنا لاحقاً أنّه كان دليله في اكتشاف اتجاهات كاملة من المسرح المصري والعربي... ليست رؤية الوجه ما جعله يصاب بالصدمة بل كلمة"المرحوم"التي سبقت الاسم. اسم المرحوم نبيل بدران. هل مات نبيل ؟ لا يمكن! متى؟ وكيف ذلك؟ ونحن الذين نعرف قبل أشهر طويلة أن ذلك الوجه فارقنا، وتركنا نجول وحدنا على القاعات المظلمة، من مهرجان إلى آخر، من مدينة إلى أخرى، كأننا نبحث عن شيء غامض لا يسعنا تحديده. الناقد المصري نبيل بدران مواليد العام 1941 الذي يكرّمه المهرجان، ترك بصماته على المسرح المصري والعربي... رافق العروض والتجارب وكذلك بروز فرق، وتألق أعمال وولادة ممثلين ومخرجين. يخفي دائماً بسمته المقتضبة خلف نظارتيه السميكتين. من عنّابة والجزائر إلى الرباط وتونس مروراً بدمشق وبيروت كان نبيل دائماً حيث ينبغي وفي الوقت المناسب. وكنا نرى فيه بعض التماعات العصر الذهبي للمسرح المصري... في زمن تفارقنا العصور الذهبيّة إلى غير رجعة. رمز آخر من رموز جيل السبعينات الذي لا نكفّ عن العودة إليه، ولا نكفّ عن ملاحقته بالمراثي. عمل نبيل بدران في الصحافة ولمّا يزل طالباً في قسم الدراما والنقد التابع للمعهد العالي للفنون المسرحية. وفيه تخرّج العام 1965، وكان قد وقّع نصّه المسرحي الأوّل"السود"الذي نشر في القاهرة في العام التالي. بدأ مشواره ككاتب مسرحي في إطار الكباريه السياسي حين كتب مسرحية"بعض يأكلها والعة"1968. ثم تتالت النصوص"انتبهوا أيها السادة"،"عالم علي بابا"،"جحا باع حماره"،"بوليتيكا"،"الى الأمام قف"،"عفواً أيها الأجداد"، وصولاً الى"باي باي يا عرب"التي هوجمت بصفتها من معالم المسرح الاستهلاكي والتجاري، وقدّمت في مصر والكويت... وكانت آخر مسرحياته بعنوان"كرنفال الدراويش". ما اتهم به بدران من"استهلاكيّة"في بعض نصوصه، كان في نظر آخرين تعبيراً عن نظرة ثاقبة الى الحياة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. وكان بدران من المدافعين عن اتجاه بارز في المسرح العربي، هو "المسرح الفقير"، وقوامه البنية الدرامية البعيدة من التعقيد، والامكانات التقنيّة والجماليّة المتقشّفة والبسيطة. ولا بدّ أخيراً من الاشارة الى وقوفه، في آخر سنواته، الى جانب الفرق المسرحية المستقلة التي يعيش معها المسرح المصري منذ عقدين حالة صحوة وأمل... من هنا جاء عنوان كتابه المرجعي"الفرق المسرحية المستقلة : مسرح المستقبل". المرشدي: مناضلة مسرحيّة يكرّم"التجريبي"هذا العام أيضاً، إضافة إلى الممثل الرائد عبدالرحمن أبو زهرة، فنانة مصريّة استثنائيّة، تعتبر نفسها مناضلة من أجل المسرح الجاد، قبل أن تكون"نجمة". إنّها الفنّانة القديرة سهير المرشدي، الممثلة التي تنقّلت بين الخشبة والشاشتين الصغيرة والكبيرة، من دون أن تتخلّى زبداً عن حبّها الأوّل، أي المسرح. فهي أساساً خريجة"المعهد العالي للفنون المسرحية"، مع أن الجمهور الواسع يعرفها من خلال أدوارها في المسلسلات التلفزيونيّة التي عرفت النجاح والرواج، من"ليالي الحلمية"، الى"بوابة الحلواني"، مروراً بپ"خماسية الساقية"، و"زهرة الوادي"... وسهير هي أيضاً ممثلة إذاعيّة شاركت في مسلسلات وسهرات مثل"شفيقة ومتولي"،"الأبيض والأسود"،"مع الذاكرين"، و"زينب". ومن الطبيعي أن يحتفي المهرجان المسرحي العربي الأبرز بفنّانة تعتبر واحدة من أبرز نجمات المسرح المصري، إذ شاركت في تجارب لا تحصى، بعضها ما زال يعيش في ذاكرة المشاهدين، مثل"يا طالع الشجرة"،"بستان الكرز"،"جواز على ورقة طلاق"،"النسر الأحمر"،"إيزيس"،"الحامي والحرامي"،"سوناتا الحب والموت"،"يوم من هذا الزمان"، و"مس جوليا"وغيرها. وهل ننسى أخيراً أدوارها السينمائية في"المشاغب"و"شنطة حمزة"و"البوسطجي"و"من أجل حفنة أولاد"و"القاهرة 30"و"عودة الابن الضال"وغيرها؟ ماري إلياس: مربية الأجيال وإضافة إلى الناقد والشاعر اللبناني بول شاوول الذي وجّهنا إليه تحيّة خاصة بصفته من علامات"صعود وانهيار"العصر الذهبي للمسرح اللبناني، يحتفي"التجريبي"بشخص استثنائي في المشهد المسرحي العربي... إنّها الناقدة والمؤرخة والباحثة السورية ماري إلياس، التي تحتل موقعاً مهماً في التدريس الأكاديمي، ما جعلها تساعد على ولادة جيل كامل في المسرح السوري. ولا نكاد نسمع عن حلقة تدريب، أو نشاط يعني المسرحيين والفنانين الشباب، إلا ونجد ماري إلياس وراءه أو طرفاً فيه. كما أن مساهماتها النقدية، تعتبر مادة مرجعيّة لكلّ دارس معني بمقاربة المسرح العربي... ولعلّ من أهمّ انجازاتها مع الناقدة حنان قصاب في هذا السياق،"المعجم المسرحي: مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض"الذي يشكّل أحدث المحاولات العربية واكثرها جديّة في مقاربة مفاهيم النقد المسرحي الحديث ومصطلحاته ونقلها إلى لغة الضاد. وماري إلياس حاملة الدكتوراه من الجامعة الفرنسيّة، استفادت من المناهج النقديّة الحديثة تلك في محاولة استنباط قواعد وأصول جديدة في التعاطي مع فنّ الخشبة في مختلف مستوياته. لها مؤلفات عدّة منها"تمارين في الكتابة الدراما تورجية"و"الارتجال"مع حنان قصاب وعرّبت نصوص الايطالي صاحب نوبل داريو فو، وترجمت نصوصاً لسعد الله ونّوس إلى الفرنسية. تعمل حالياً أستاذة في قسم اللغة الفرنسية وآدابها في"كلية الآداب"التابعة لجامعة دمشق. لعبت دوراً حيوياً في هيئة تحرير مجلة"الحياة المسرحية"التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة السورية حتى الأمس القريب. ويعرفها جمهور المهرجانات المسرحية العربية جيداً من"أيّام قرطاج"حيث ترأست لجنة التحكيم الدوليّة قبل دورتين، الى"أيّام دمشق"... مروراً بالقاهرة التي كرّمتها من خلالها"سلالة"خاصة من أهل المسرح العربي الذين ما زالوا يراهنون على المستقبل. وتكرّم القاهرة عدداً من أعلام المسرح العالمي، هم المخرج الالماني ألكسندر ستيلمارك، الكاتب والمخرج والمنتج الاميركي جاك رولر، الناقد والمؤرخ البلجيكي روجيه ارتيل، والكاتب والمخرج والسينمائي الايطالي فرناندو بالسترا، والممثل البولوني ييجي زيلنيك.