هل تعتبر الدول العربية استثناء من مسلسلات الدمقرطة؟ هذا السؤال حمله في السنوات الماضية كثير من الدراسات السياسية الغربية، وكان بعضها قاسياً في حكمه على المجتمعات العربية الى درجة نعتها بكونها لا تعيش التطورات السياسية نفسها التي عاشتها المجتمعات الغربية، بل ان فرانسيس فوكوياما اعتبر ان العالم العربي، عشية احداث 11 ايلول سبتمبر 2001, لا يجيد إلا انتاج التطرف. في الإجابة عن السؤال اعلاه ذهب تفسير اول الى القول ان الديموقراطية لا تنتشر في البلدان العربية الإسلامية لأن الغالبية الساحقة من المواطنين، بحسب استطلاع القيم العالمية، تعتنق الآراء المحافظة في شأن المساواة بين الرجال والنساء والطلاق والإجهاض. والمواقف المحافظة, بحسب هذا الرأي, ليست مواتية لقيام الديموقراطية لأنها تشير الى موقف عدائي تجاه التسامح والمساواة الضروريين لإرساء أي نظام ديموقراطي، ولنشر الديموقراطية يجب ألا تمارس الضغوط من اجل الإصلاحات، بل ينبغي التركيز على التنمية البشرية التي تولد تغيراً في المواقف ما يسهم في إرساء انظمة ديموقراطية. لكن، ما من شيء يمكن ان يبرهن على صحة هذا التفسير القائل ان الآراء الليبرالية حيال النساء والطلاق تساهم في اعتناق الديموقراطية. ويعتقد تفسير ثان ان العالم العربي يتمتع في غالبيته بالخصائص كافة التي اعاقت التحول الديموقراطي في امكنة اخرى: جمهور كبير وفقير جداً، مقسم بعمق على خلفيات عرقية ودينية، لا خبرة سابقة له مع الديموقراطية، اضافة الى سجل ثابت يتمثل في ان الحفاظ على الاستقرار يتأتى فقط من وجود حكومة قوية وأوتوقراطية. وبين هذين التفسيرين، تشير الوقائع الحالية الى ان معظم الدول العربية تعيش حالاً من التطورات السياسية لم تصل الى مرحلة التغييرات الانتقالية، وذلك في شكل خطوات صغيرة الى الامام او الى الخلف بدلاً من القفزات المفاجئة في عالم جديد من الديموقراطية الشرق اوسطية او التراجع الكلي الى الكليانية الشمولية في الحكم. فالأحداث تبين ان الأنظمة العربية باشرت بعض الإصلاحات الشكلية لا يحتمل ان تؤدي الى قيام انظمة حكم ديموقراطية تنافسية. فما لدينا في اجزاء كثيرة من العالم العربي هي انظمة حكم فردية تحررية مرغمة، تسمح بقدر من التعددية التنافسية السياسية التي تستعمل في بعض الأحيان هي نفسها أي التعددية لمنع قيام ديموقراطية شاملة في النظم السياسية. فالسلطة السياسية العربية تمارس حالياً لعبة التحرر والعودة الأبدية الى المناخ الأمني بحجة وجود التطرف الإسلامي، ما يجعلنا امام وضعية عقد امتياز سياسي مراقب تتخلله عودة الى الخطوط الحمر بين الفينة والأخرى. ان التشخيص الذي يعطينا وضعية بهذا الشكل يبين اكذوبة التوقعات التي راجت عشية دخول القوات الأميركية الى العراق والقائلة ان العمل العسكري في المنطقة سيقود الى احد أمرين: إما الى موجة من الديموقراطية، وإما الى موجة من الاحتجاجات والقمع في كل منطقة الشرق الأوسط. لكن الحقيقة حالياً ان اسطورة الديموقراطية المحمولة اميركياً لم تتحقق، وأن العودة الى عسكرة المجتمعات العربية بدأت تتآكل, وإن كان ذلك لا ينفي ان منعطف التحول البطيء نحو الديموقراطية يقابله صعود سريع للتيارات الإسلامية، اذ بات ملاحظاً ان كل تعثر للديموقراطية في العالم العربي يقوي جسم الحركات الإسلامية. من هنا، يبدو ان المجتمعات العربية وإن كان من حقها الشرعي ان تختلف حول امكان صناعة الديموقراطية، وحول ما اذا كان نشر الديموقراطية بالقوة فكرة سليمة او خاطئة، فإن تأسيس خطاب يستند الى القول ان فكرة نشر الديموقراطية خطيرة، هو في ذاته خطاب خطير، لأن الديموقراطية النظام الوحيد الذي يوفر لكل فرد حصة في حكومة بلده. إن حال الديموقراطية في العالم العربي بين ثلاثية السلطة السياسية والحركات المطلبية والدول الضاغطة، ينطبق عليها الى حد بعيد منطق فرويد في تفسير الأحلام الغريبة، ذلك انه كان يشير مراراً الى قصة ابريق الشاي المستعار القائلة"عندما يتهمك صديقك بأنك أرجعت إليه ابريقاً استعرته منه وهو مكسور، فإن جوابك سيكون: اولاً، انك لم تستعر الإبريق منه قط، وأنك, ثانياً، أعدته إليه سالماً، وأن الإبريق, ثالثاً، كان مكسوراً اصلاً حينما استعرته منه"! حجج متناقضة تنطبق على مآل الدموقراطية في العالم العربي. كاتب مغربي