لا يمكن فصل الفن عن السياسة في العلاقة التي تربط سورية بلبنان. واستهوت الأزمة بين البلدين العديد من المطربين اللبنانيين، على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان، الخوض في امور السياسة والمشاركة في التظاهرات والتعليق على الاحداث. ونتيجة لتلك المواقف، تخلف هؤلاء عن حضور المناسبات العامة والمهرجانات في سورية، على خلاف العادة، اذ كانوا سباقين للمشاركة في فاعلياتها الفنية. وتجلى ذلك واضحاً في مهرجان المحبة، الذي تنظمه وزارة الثقافة السورية في مدينة اللاذقية الساحلية، وقد غابت عنه الوجوه الفنية اللامعة بعدما استقطب معظمها خلال دوراته الخمس عشرة الماضية. واقتصر الحضور الفني اللبناني، في الدورة الحالية للمهرجان التي بدأت في الثامن من الجاري وتستمر عشرة ايام، على مطربين من الدرجة الثانية بينما ضمت سابقاتها نجوماً لهم حظوتهم على شاشات الفضائيات وفي المهرجانات العربية مثل نانسي عجرم وعاصي الحلاني وديانا حداد وباسكال مشعلاني وزين العمر ووائل جسار وكاتيا فرح. ولوحظ تغيب المطربين اللبنانيين في الآونة الاخيرة عن مناسبات سورية اعتادوا على المشاركة في احتفالياتها مثل العيد ال53 للتلفزيون السوري الذي مر منذ ايام من دون حضور لبناني، ما يعني انحسار المشاركة الفنية اللبانية عن بقية المناسبات مثل الحفل الفني الذي يرافق افتتاح معرض دمشق الدولي ومهرجان دمشق المسرحي وعيد الشهداء وأعياد وطنية وقومية اخرى. ولا تستثني البرامج الفنية لمهرجانات التسوق والسياحة التي اقترب موعد دوراتها كمهرجان"البادية"في تدمر و"الربيع"في حماة"والمدن المنسية"في ادلب ومهرجانات اخرى. وهي شكلت فرصة طيبة للقاء الجمهور السوري مع مطربيه اللبنانيين مجاناً أو بأجور رمزية بعيداً من مطاعم الخمس نجوم ومنتجعاتها. وعلى ذات الصعيد، تركت التصريحات السياسية لمطربين لبنانيين من منابر الفضائيات اثراً سلبياً بالغاً لدى شريحة واسعة من جمهور النوادي ومحال السهر. واضطرت ادارة فندق جديد في ريف دمشق الى الغاء العقد الموقع مع الفنانة إليسا لاحياء حفل التدشين نزولاً عند رغبة رواده بحجة تصريحاتها"العدائية"ضد سورية. ولا بد من ان ما يدور حالياً سيحرج المطربين السوريين الذين ربطتهم علاقات مميزة بمناسبات لبنان ووسطه الفني بحكم رعاية لبنان لمواهبهم ولمسيرتهم الفنية منذ انطلاقتها. ولشركات الانتاج الفني اللبنانية سطوتها على المطربين العرب، وخصوصاً السوريين منهم. تكتم رسمي وفي ظل تكتم الاعلام الرسمي السوري على الموضوع، برز تأثير الصحافة والأندية الالكترونية على تشكيل مواقف الجمهور السوري من المطربين اللبنانيين بحسب وجهات نظرهم ومواقفهم من سورية. وأورد موقع الكتروني الشهر الماضي خبراً حمل الكثير من التعليقات الهائجة، ومفاده ان اتحاد النقابات الفنية في لبنان طلب من نقابة الفنانين السوريين"عدم استقبال او التعامل"مع وديع الصافي ونانسي عجرم وهيفا وهبي وماجدة الرومي ونقولا الاسطا ودينا حايك ورامي عياش وعيسى غندور وورد الخال وجو أشقر ومارغو قصار وجميع العاملين في برنامج"بسمات وطن"والرحابنة عدا زياد بسبب مواقفهم المسيئة لسورية. وكذب منصور الرحباني والمخرج صبحي سيف الدين، رئيس اتحاد النقابات الفنية في لبنان، الخبر"العاري من الصحة"في رسالتين موجهتين الى جريدة تشرين السورية الرسمية مؤكدين عمق العلاقة التي تربطهم بسورية. واللافت في الامر، اشتمال القائمة على وديع الصافي وماجدة الرومي التي أنهت قطيعة العشر سنوات مع سورية بداية العام الجاري، ومعروف ان حظراً فنياً فرض عليها نتيجة لتصريحاتها الرافضة للوجود والتدخل السوري في لبنان ولذلك منعت أغانيها في الاعلام المرئي والمسموع ولم تدع الى حضور أي من المهرجانات او المناسبات خلال تلك الفترة. واضطر راغب علامة الى الرد على تعليقات الزوار في صحيفة الكترونية سورية، وهي السابقة الاولى من نوعها، بعدما أحيا حفلة خاصة بأجر مغر في مدينة حلب نافياً التهمة التي ألصقها الموقع فيه بأنه"شتم"سورية عبر فضائية"المستقبل"اللبنانية، لما لسورية التي احتضنته من"فضل"على مسيرته الفنية. فرصة لمطربي سورية ورأى مشتغلون في الغناء ان احتجاب المطربين اللبنانيين عن ساحة الغناء السورية يشكل"فرصة للمطربين السوريين للظهور على شاشة الفضائية السورية التي يطغى عليها الحضور الفني اللبناني في المناسبات العامة والخاصة". لكن المسألة تتعدى ذلك الى ان"جمهور المهرجانات يقصد الحفلة الفنية لرؤية نجوم الفضائيات من اللبنانيين، وبخاصة المطربات منهن"، وفق تعليق احد السياح المحليين الذي حضر لمتابعة نشاطات مهرجان المحبة الفنية. وتحسرت آخر دورات المهرجان السابقة عندما ألغى بعض المطربين اللبنانيين"المرموقين"مواعيده الفنية المتضاربة مع موعد وصلته في المهردجان"مع ما خلفه ذلك له من خسائر مادية ومعنوية". وعزا بعضهم الامر الى ان أهل الفن في لبنان راعوا السوريين كثيراً أثناء وجود قواتهم في لبنان وان القيم والمصالح الحالية تفرضها الظروف الجديدة"لكن أياً منهم لم يشر الى ضغوط مورست بحقه لاحياء حفلات المناسبات الوطنية في سورية"!. وعلى رغم ذلك، لا يزال للمطربين اللبنانيين مكانتهم وحظوتهم الفنية لدى جمهورهم السوري، واحتلت اصوات فنية لبنانية مراتب متقدمة في برنامج جديد عن أغنية الطرب يبثه التلفزيون السوري. وشغل اللبنانيون، في البرنامج الذي يعتمد على رسائل الخلوي القصيرة وسيلة للتزكية، نصف عدد المرشحين العشر لخوض تصفيات السباق.