وجهت بيروت أمس الى العالم رسائل عدة ومصدرها واحد: سباق الماراثون الدولي في نسخته الثالثة الذي حشد أكثر من 17 ألف عداء وعداءة من مختلف الأعمار من 71 بلداً، بينهم كوكبة من النخبة العالمية، وبلغت جوائزه النقدية مئة ألف دولار. منذ ساعات الفجر الأولى"عزلت"معظم شوارع العاصمة اللبنانية والطرق المؤدية اليها، فتحولت"جزيرة رياضية"نبضها وايقاعها الجري للمنافسة أو للمرح، والصفة الثانية كانت الغالبة، على غرار ما يجري في معظم السباقات العالمية، لا سيما ان هيئات وجمعيات عدة"استنفرت"مجموعات منها لهذا الموضوع وشاركت بالتالي على طريقتها. وباتت المناسبة فرصة ترويج وظهور لا سيما انها تحظى بالبث التلفزيوني والاذاعي المباشر والمتابعة الإعلامية من فضائيات ووكالات عالمية، ووصفها البعض بأنها"14 آذار"رياضي قوامه استنهاض الهمم لكن المطلوب تجاوز الشعارات الى عمل ميداني يترسخ ويتفعل. وحظي الماراثون بمتابعة رسمية، إذ حضر رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مرتدياً زياً رياضياً وتواصل مع المنظمين والمشاركين وأطلق رسائل سياسية وشبابية، واعتبر الحدث"شحنة قوية من الثقة، وكل من يتسرّب الى قلبه الاحباط وينظر هنا الى حيوية الشباب وحماستهم يستعيد العزم والهمة". واعتبر وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت الماراثون"تأكيداً على اتحادنا على رغم الصعاب"، وهو شارك في انطلاقته على غرار عدد من الوزراء والنواب والوجوه الاجتماعية والفنانين، في حين كانت تصدح في الاجواء أغنية"ومنطلق من جديد"بصوت دينا حايك، ومطلعها يشكل الشعار للنسخة الثالثة، أراده المنظمون صورة حية عن استعادة الحياة والعمل بعد الذي واجهه لبنان منذ"عاصفة"اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والأحداث التي تلتها. وفي الاطار عينه بدا لافتاً مجموعة المشاركين من"ال بي سي"وزملاء وأصدقاء مي شدياق الذين حملوا بالونات زهرية اللون وربطوا على سواعدهم شرائط باللون ذاته أيضاً تضامناً مع الاعلامية. وشاركهم عدد من المسؤولين والنواب بينهم النائب غسان مخيبر الذي اعتبر الجري رمزاً للحرية."وأنا اليوم هنا أركض من أجل الصحافة وابداء الرأي والشهداء والضحايا، ولنثبت اننا نملك الأمل والقوة لتجاوز المعاناة". تقطعت أوصال بيروت أمس، لكنها اجتمعت على الانطلاق والفرح وسط طقس مشمس وحرارة ربيعية، علماً ان المسار الذي اختلف عن النسختين السابقتين، بدا عسيراً لبعضهم فلم يقترب أحد من الوقت القياسي المسجل. وعاد اللقب العام الى الكينيين فرانسيس كاماو ومواطنته جاين اومورو، وأول اللبنانيين كان عمر عبداللطيف من الجيش اللبناني وماريا بيا نعمة التي اجتازت للمرة الأولى مسافة 42.195 كلم. كما شارك عدد من المقعدين الدوليين ضمن فئتي الدراجة ذات الحافة الدافعة والدراجة اليدوية. واحتفظ النمسوي ماركوس شمول بلقب الكرسي المتحرك للسنة الثالثة على التوالي. عندما توج الأوائل في الفئات كافة، وكانت الساعة تقارب الثانية بعد الظهر، كان لا يزال عدد من المشاركين يركض عملاً بمبدأ"المهم المشاركة وبلوغ خط النهاية". وجعلت الترتيبات اللوجستية واقفال الطرقات حتى الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر المواطنين يجتازون مسافات طويلة وعلى طرق بعيدة ليبلغوا مقاصدهم في يوم العطلة، ومنها المطاعم في وسط بيروت التجاري، المجاورة لنقطتي الانطلاق والوصول. وبعضهم من العدائين وعائلاتهم وأصدقائهم الذين كانوا يواكبون المشاركين، وآخرون فضلوا المجيء سيراً على الاقدام مكملين نهارهم"رياضياً"، وبعدما التقطوا أنفاسهم في ساحة الشهداء،"ساحة الحرية"حيث منصة التتويج وتقديم الفقرات الموسيقية والغنائية المنوعة. أمس كانت بيروت في تظاهرة حاشدة من نوع آخر، لكن عنوانها نابع من صميم الانطلاق والحرية، وقصد المشاركون فيها"ساحة الحرية".