حذرت دراسة أوروبية صدرت هذا الأسبوع من حصول نقص فادح في إنتاج وقود الديزل المخصص لسائر وسائل النقل على مستوى أوروبا والشرق الأوسط وروسيا. وقالت الدراسة أنه ما لم يتضاعف الاستثمار في تأمين طاقة إنتاجية تسد الحاجة، فإن النقص سيتفاقم خلال عقد من الزمن ليبلغ في أوروبا نسبة خُمس الطلب الإجمالي، وهذا سيؤثر في ارتفاع أسعار النفط الخام. وقالت الدراسة الصادرة عن مؤسسة وود ماكنزي الاستشارية النفطية البريطانية إن الاستثمارات بالمستوى الحالي ستجعل أوروبا في حاجة لاستيراد خمسين مليون طن من الديزل بحلول العام 2015. وهي نسبة عالية تشكل 20 في المئة من مستوى الطلب الإجمالي. ويبلغ استهلاك أوروبا من الديزل 200 مليون طن في السنة، لكن هذه الكمية مرشحة لزيادة كبيرة نظراً لأن الحكومات تشجع على استخدام الديزل في المواصلات الخاصة والعامة في إطار تخفيف التلوث مع تزايد كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من جهة، ولتخفيف كمية استهلاك النفط من جهة أخرى. ذلك أن ليتر الديزل يشغل السيارات لمسافة تزيد بنسبة لا تقل عن 35 في المئة عن ليتر البنزين. ولقد خففت الحكومات الأوروبية في السنوات الماضية الضريبة على الديزل مقارنة بالبنزين في إطار توجهها لزيادة استخدامه. وبحسب رأي واضعي الدراسة، فإن المصافي التي بنيت في السبعينات والموجهة لتلبية طلب متنام من البنزين، لا تراعي الحاجة المستجدة من إنتاج الديزل المخصص للنقل. كما أن أجهزة ووحدات إنتاج الديزل في المصافي هي ذات كلفة عالية إلى حد يوجب زيادة كبيرة في الاستثمار لتواكب الطلب، لا سيما مع زيادة التشديد على تخفيف نسبة الكبريت في المادة المنتجة تلبية للشروط البيئية. كما أن المصافي المخطط لبنائها في أوروبا لن تكون كافية لتغطية حاجة السوق. وقالت أيلين جيميسون، مستشارة شؤون العمليات الأمامية في المحطات في وود ماكنزي ان"ثغرة العرض في مادة الديزل تتسع لا سيما بعد العام 2010 بسبب التحول بعيداً من نوع من الديزل المخصص للآلات غير المخصصة للشوارع إلى ديزل تستخدمه وسائل المواصلات. إنه تحول مهم في الطلب من مادة الديزل المستخدمة في التدفئة إلى نوعية أنقى من حيث نسبة الكبريت فيها". الشرق الأوسط وروسيا وإذا كانت الحكومات توقعت أن تعوض أوروبا عن الزيادة في الطلب على الديزل بالاستيراد من الشرق الأوسط وروسيا، فقد اتضح أن الطلب شديد في المنطقتين إلى حد لا تستطيعان معه تأمين الحاجة الأوروبية. وعليه لا بد من زيادة الانتاج حتى في الشرق الأوسط وروسيا بضخ استثمارات إضافية لتلبية الطلب المرتفع. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يهبط الطلب على البنزين بنسبة واحد في المئة هذا العام، فيما يرتفع الطلب على مادة الديزل بنسبة 3 في المئة. وسجلت أسعار المحروقات ارتفاعاً كبيراً في الأسابيع الأخيرة في المحطات انسجاماً مع الصعود الشديد في أسعار النفط الخام. الأمر الذي يزيد من جاذبية الديزل في وسائل النقل، كبديل أعلى جدوى من البنزين، كما يضاعف الضغط على المصافي لتوفير مادة نظيفة منه. وتفادياً لوقع الارتفاع على كلفة النقل، بدأت أنواع جديدة من حافلات لندن التي ترعاها بلدية العاصمة البريطانية منذ أشهر إضافة مواد كيماوية تعتمد على تقنية النانوتكنولوجي المجهرية في زيادة كفاءة احتراق الديزل في محركاتها لتقليص التكلفة إلى النصف تقريباً. وهذه التقنية المستخدمة في الفيليبين لا تزال في مراحلها الأولى في بريطانيا، وليست متاحة للجمهور في وسائل النقل الأخرى نظراً لعدم تنظيم جباية الضرائب عليها. وهناك مشاورات تجري حالياً لتنظيم الجباية بما لا يلحق الضرر بفوائدها الاقتصادية أو بخزينة الدولة. زحف التضخم ومع ارتفاع سعر برميل النفط إلى نحو خمسة وستين دولاراً، بدأ التضخم يمتد إلى الكثير من أوجه استخدامات الطاقة، وبينها سعر ليتر الديزل الذي قارب الجنيه استرليني في العاصمة البريطانية، وهو أعلى مستوى يصله على الإطلاق نحو 96 بنساً. وأعلنت شركات الغاز والكهرباء أنها بصدد رفع الكلفة في الأشهر المقبلة بعدما قاربت قيمة العقود المثبتة السعر على الانتهاء. ولعل قطاع الطيران الذي يحظى بدعم خاص من خلال إعفائه من الضرائب على الطاقة والتي تتجاوز في وسائل النقل الأخرى 80 في المئة أحياناً أكثر القطاعات شعوراً بوطأة صعود سعر الوقود. فلقد أعلنت الخطوط البريطانية منذ اسابيع رفع قيمة تذاكرها للمرة الثانية هذا العام لتصل إلى 48 استرلينياً للتذكرة على الرحلات البعيدة، و16 استرلينياً على الرحلات القريبة. بدورها قالت شركة إيزي جت المختصة بالرحلات القريبة بتذاكر ذات أسعار منافسة، إنه على رغم أن عدد ركابها ارتفع، جاءت أرباحها أقل من المعتاد تحت وطأة فاتورة المحروقات المتصاعدة. وأكدت"رايان أير"المماثلة رفع أسعار تذاكرها بنسبة 3 في المئة لتعويض الزيادة في قيمة الطاقة. وتلقت وسائل النقل العامة في لندن ضربة مزدوجة. فإلى جانب ارتفاع قيمة الطاقة التي تستهلكها، هبط عدد ركابها في شكل كبير بعد التفجيرات الإرهابية الأخيرة، لا سيما في قطارات الأنفاق والحافلات. وقدرت نسبة هبوط عدد الركاب بنحو 30 في المئة خصوصاً في عطلات نهاية الأسبوع بعد عزوف حتى البريطانيين عن زيارة العاصمة. لكن الرحلات المنتظمة ظلت تسير بالوتيرة نفسها، وزادت نفقات الحراسة. وهذا قد يعني ارتفاع تذاكر النقل في المواصلات العامة عاجلاً أم آجلاً فوق الزيادة التي اعتمدت في مطلع السنة والتي ناهزت 10 في المئة. وعندما ترتفع كلفة الطاقة لا تقتصر تأثيراتها على مواد دون أخرى، بل تمتد لتشمل كل شيء تقريباً من المواد البلاستيكية إلى العطور ومواد البناء والألومنيوم والحديد، غير متوقفة عند الديزل والبنزين ووقود التدفئة أو توليد الطاقة. والأهم من هذا كله، أن التضخم يجلب معه عادة زيادة في كلفة القروض، وهذا أكثر ما يضعف نمو الاقتصاد العالمي، فهو بمثابة ضرائب إضافية ترهق كاهل الشركات والمستهلكين.