منذ بدأ الترويج لنظرية صراع الحضارات التي ارتكزت على حتمية هذا الصراع، بحكم التطورات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز الولاياتالمتحدة قطباً رئيساً أوحد لقيادة"العالم الجديد"، تعرض الاسلام لهجمة شرسة من قبل دعاة تلك النظرية، ومن لاقت هوى في نفسه، او تطابقاً مع مصالحه، حتى وصل الأمر ببعضهم الى رفع شعار"الاسلام هو العدو"! بعدما كانت"الشيوعية"محور ذلك الصراع. وللأسف الشديد، لم تجد تلك النظرية وذلك التحريض المشبوه ضد الاسلام، الصدى المفترض من قبل العالمين العربي والاسلامي، بمعنى عدم ادراك حقيقة الخطر او الاخطار التي بدأت تحاك ضد هذين العالمين بوصفهما وحدة متكاملة، ولم نر أو نسمع بأي ردود فعل تتناسب وتلك الخطورة، باستثناء محاولات غير فعالة وغير مجدية لم تقارب هذا الهجوم الشرس بما يستحق من مواجهة وتنسيق مع المستويات كافة لدحض تلك المقولة في شكل علمي براغماتي تشارك في صوغه كل مؤسسات العمل العربي والاسلامي السياسية والأكاديمية والفكرية، الى ان دهمتنا الاحداث المتتالية وحدث ما حدث، فوقعنا في شرك تلك المواجهة والانهماك في صد ما يمكن صده من ضغوطات، كي لا نقول مؤامرات، بدل ان نتفرغ لمتابعة المسيرة الخيرة للاسلام، كشريك حيوي في رسم معالم"العالم الجديد"بما لدينا من رصيد حضاري يؤهلنا، وعن جدارة، لهذه الشراكة، وعلى قدم المساواة مع الشعوب الاخرى كافة، وليس مجرد أن نكون تابعين لأي قوة أو قوى تفرض علينا نهج حياتنا وتصادر خياراتنا وربما خيراتنا! لهذا جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالدعوة الى المؤتمر الاستثنائي للقمة الاسلامية من مكةالمكرمة خطوة عملية لبدء التحرك المطلوب لقادة الدول العربية والاسلامية وعلمائها ومفكريها لمواجهة تلك الافتراءات المضللة ضد الاسلام، ومعالجة الآثار السلبية التي نجمت عن بعض التصرفات والممارسات التي يقوم بها بعض من غرر بهم، والتي أساءت الى الاسلام وقيمه السامية وأعطت ذريعة لأعدائه للتمادي في نظريتهم القائلة بحتمية"صراع الحضارات". ... والتاريخ يدحض أسس تلك النظرية بما تميز به الاسلام، منذ نشأته، بانفتاح على الآخر وبالتسامح في التعامل والتعايش المشترك واحترام حريته وعقائده ونهج حياته... اذ عني الاسلام بكل هذه الامور بما حواه القرآن الكريم من آيات بينات وفي الاحاديث الشريفة التي رسمت معالم هذا التعامل وأدبياته وأحكامه. ولعل أهم ما يعنينا من هذا المؤتمر هو ما وجه به خادم الحرمين الشريفين عند دعوته اليه، وأثناءه، ومن المحاور الرئيسة التي بحثها وما صدر عنه من توصيات، اذ انه مؤتمر مفصلي يرتقي الى مستوى التحديات التي تواجه الأمة الاسلامية بعيداً من أي تشنج او عصبية واستفزاز للآخر، بل هو مؤتمر رفع راية الحوار وتصحيح مسار السلوكيات الخاطئة من قبل بعض ابناء المسلمين الذين تسببوا في اعطاء المروجين لنظرية"صراع الحضارات"الذرائع التي أحسنوا أو اساؤوا استخدامها للتدليل على صحة نظريتهم هذه. وكما أسلفنا فان التاريخ مليء بالشواهد التي تبين كيف تعايش المسلمون مع الشعوب الاخرى وكيف تزاوجت الحضارة الاسلامية مع بقية الحضارات، فنهلت من منابعها ومعارفها وعلومها وآدابها، من دون حساسية او شعور بالنقص، اذ انها كما أخذت أعطت، بل أغدقت مكتسباتها التي تراكمت نتيجة ذلك التزاوج بين الحضارات المختلفة، والتي شكلت الاساس الذي بنيت عليه الحضارة الغربية في بداية عصر النهضة. هذه البوتقة التي انصهرت فيها مجمل تلك الحضارات ادت الى ميلاد حضارة انسانية ذات بعد شمولي وعالمي في اطار من التكامل والتعاون وتبادل المنافع بعد انحسار المد الاستعماري ونشوء عالم جديد تحكمه معايير العدالة والسلم الدولي وشرعة الأممالمتحدة ومحاولة التأقلم مع العولمة وتحرير التجارة العالمية... مؤتمر القمة الاسلامي الاستثنائي مدعو لترسيخ المركز المرموق الذي يجب ان يحتله العالم الاسلامي كدعامة رئيسة في بناء العالم الجديد. ولكي يتحقق هذا الهدف لا بد ان نبرهن للآخرين بأننا جديرون بهذا المركز، وتلك العرى هي أهم ما يواجهه المؤتمر من مسؤوليات ترتقي الى مستوى هذا الحدث الكبير... لبناء البيت الاسلامي الجديد كما عبر عنه الأمير سعود الفيصل. أنظار بليون مسلم اتجهت بقلوبها الى مكةالمكرمة وهي تدعو ان يوفق قادة الامة الاسلامية باعلان شارة البدء في هذه الانطلاقة الجديدة لعالم اسلامي جديد. * ديبلوماسي سعودي سابق