1 الُمْسَتْعصِم بالله بدأت الخلافة الإسلامية العباسية سنة 132 للهجرة، وتتابع الخلفاء العباسيون حتى كان آخرهم في العراق: عبد الله"المستعصم"بن المنصور"المستنصر"بن محمد"الظاهر"بن أحمد"الناصر"من سلالة الخليفة هارون الرشيد الذي يتصل نسبه بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عمُّ النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وكنية الخليفة المستعصم: أبو أحمد، وهو آخر خلفاء الخلافة الإسلامية العباسية في العراق. وقد وُلِدَ المستعصم في بغداد سنة 609 ه/ 1212 م، وألت إليه الخلافة العباسية بعد وفاة أبيه المستنصر سنة 640ه/ 1242م، وقد بنى المستنصر المدرسة المستنصرية في بغداد، وهي من أشهر المدارس العالمية في ذلك الزمان، ورغم التطور الثقافي فقد كانت الدولة تعاني من الانحطاط العسكري، والفتن المذهبية والطائفية، والخيانة والتعامل مع أعداء الخلافة في داخل الدولة وخارجها، وشارك في الخيانة عددٌ من الأمراء والقواد ورجال السياسة من أهل البدع، وكانت الكارثة حينما أسند الخليفة رئاسة الوزارة إلى ابن العلقمي الذي راسل هولاكو"حفيد جنكيزخان"ورغَّبه باحتلال بغداد، ووعده بدعمه ضدّ الخليفة والخلافة، فزحف هولاكو على بلاد المسلمين يرافقه نصير الشيطان الطوسي، فقضى على دولة خوارزم وغيرها في تركستان ، وقضى على السلطان علاء الدين محمد بن تكش، ثم دخل هولاكو بغداد سنة 656 ه/ 1258م، فتعاون معه ابن العلقمي وأتباعه من الجواسيس والْمُخبرين، فقامت القوات الْمُحتلة وعملاؤها باعتقال الخليفة المستعصم والأمراء العباسيين، وسادات بغداد ومدرسيها وعلمائها من أهل السنة والجماعة وشعراءها فقتلهم المغول عن آخرهم، وبقتل الخليفة المستعصم انقرضت الخلافة الإسلامية العباسية في العراق. وبلغ عددُ خلفائها 37 خليفة بعدما استمرت مدة 524 سنة، وبعد ذلك بدأت الخلافة العباسية في القاهرة في ظلِّ المماليك، فاستمرت حتى انتقلت الخلافة إلى العثمانيين سنة 1517م، فاستمرت حتى سنة 1924م، ولم تقم بعدها خلافة إسلامية. 2 الفتن الداخلية والخارجية قال اليونيني البعلبكي اللبناني في كتابه ذيل مرآة الزمان في تاريخ سنة"ست وخمسين وستمائة"1258 م:"دخلت هذه السنة، والملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد بدمشق، ومعه البحرية ومن انضم إليهم من الأمراء الصالحية، وعلي بن الملك المغيث صاحب الكرك، وهم متفقون عل قصد الديار المصرية، ووصل إليهم الملك المغيث، ونزل بدهليزه بغزة، وأمرُ البحرية كله راجع إلى الأمير ركن الدين البندقداري، ووصل الأمير سيف الدين قطز وعساكر مصر، ونزلوا حول العباسة مستعدين لقتالهم. وفيها"656 ه/ 1258م"استولى التتار على بغدادوالعراق بمكيدةٍ دُبرت مع وزير الخليفة قبل ذلك، وآل الأمر إلى هلاك الخليفة وأرباب دولته وقتل معظم أهل بغداد، وذلك في يوم الأربعاء عاشر صفر، حيث قصد هولاكو بغداد وملكها وقتل الخليفة المستعصم بالله رحمه الله، وما دُهيَ الإسلامُ بداهية أعظم من هذه الداهية ولا أفظع. 3 زحوف التتار على الإسماعيلية قال اليونيني البعلبكي:"قد عُلِم تملُّك التتر أكثر المماليك الإسلامية، وما فعلوه من خراب البلاد، وسفك الدماء، وسبي الحريم والأولاد، ونهب الأموال، وكانوا قبل هذه السنة"656 ه/ 1258م"قد قصدوا"الألموت"بلد الباطنية ومعقلهم المشهور، وكان صاحب"الألموت"وبلادها: علاء الدين محمد بن جلال الدين حسن، المنتسب إلى نزار بن المستنصر بالله العلوي صاحب مصر، وتوفي وقام مقامه ولده الملقب شمس الشموس، وكان الذي قصد"الألموت""هولاكو"وهو من ذرية"جنكيز خان"الذي قصد بلاد الإسلام سنة ستة عشر وستمائة، وفعل تلك الأفاعيل العجيبة المسطورة في التواريخ، وهو صاحب أُمة التتر التي مرجعه إليها، وكان جنكيز خان عندهم بمنزلة النبي لهم، ولما نازل هولاكو"الألموت" نزل ِإليه صاحبها ابن علاء الدين بإشارة نصير الدين الطوسي عليه بذلك، وكان الطوسي عنده وعند أبيه قبله، فقتل هولاكو ابنَ علاء الدين، وفتح الألموت وما معها من قلاع البلاد التي في تلك الناحية، وكان لحكام"الألموت"بالشام معاقل ولهم فيها أبدا نائب من قِبَل حاكم"الألموت". 4 قبل الزحوف على بغداد قال اليونيني البعلبكي:"استولى هولاكو على بلاد الروم"في الأناضول"وأبقى ركن الدين بن غياث الدين كيخسرو فيها، وله اسم السلطنة صورةً، وليس له من الأمر شيء، وفي سنة أربع وخمسين وستمائة/ 1258م تهيأ هولاكو لقصد العراق، وسبب ذلك: أن مؤيد الدين بن العلقمي وزير الخليفة كان رافضياً، وأهل الكرخ روافض وفيه جماعة من الأشراف، والفتن لا تزال بينهم وبين أهل باب البصرة، فإنه لسبب التعصب في المذاهب، فاتّفق أنه وقع بين الفريقين محاربة، فشكى أهل باب البصرة، وهم سنية إلى ركن الدين الداودار، والأمير أبي بكر بن الخليفة، فتقدما إلى الجند بنهب الكرخ، فهجموا ونهبوا وقتلوا، فشكى أهل الكرخ ذلك إلى الوزير ابن العلقمي، فأمرهم بالكف والتغاضي، وأضمر هذا الأمر في نفسه، وحصل عنده بسبب ذلك الضغن والحقد على الخليفة، وكان المستنصر بالله رحمه الله قد استكثر من الجند حتى قيل أنه بلغ عدة عسكره نحو مائة ألف، وكان منهم أمراء أكابر يطلق على كل منهم لفظ الملك، وكان مع ذلك يُصانع التتار ويهاديهم، فلما ولي المستعصم، أشير عليه بقطع أكثر الجند، وإن مصانعة التتر وحمل المال إليهم يحصل به المقصود، ففعل ذلك وقلل من الجند، وكاتب الوزير ابن العلقم التتر وأطمعهم في البلاد، وأرسل إليهم غلامه وأخاه، وسهَّل عليهم ملك العراق، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد، فوعدوه بذلك، واخذوا في التجهيز لقصد العراق، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يُسَيِّرَ إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب، فسَيَّرَ إليهم ذلك، ولما تحقَّق قصدَهم عَلِمَ أنهم إنْ ملكوا العراق لا يُبقون عليه"في الموصل"، فكاتبَ الخليفة سرًّا في التحذير منهم، وأنه يعتدُّ لحربهم، فكان الوزير لا يوصل رُسَلَ بدر الدين لؤلؤ إلى الخليفة، ومَن وصل إلى الخليفة منهم بغير علم الوزير ابن العلقمي أطلع الخليفةُ وزيرَهَ"الخائن"على أمره، فكان الشريف تاج الدين ابن صلايا نائب الخليفة بإربل، فسير إلى الخليفة من يحذره من التتر، وهو غافل لا يجدي فيه التحذير، ولا يوقظه التنبيه لما يريده الله تعالى" 5 المعركة الحاسمة قال اليونيني البعلبكي:"فلما تحقَّق الخليفة من حركة التتر نحوه، سَيَّر شرف الدين بن يوسف محيي الدين الجوزي رسولاً إليهم، يعدهم بأموال يبذلها لهم، ثم سير نحو مائة رجل إلى الدربند الذي يسلكه التتر إلى العراق، ليكونوا فيه ويطالعوه بالأخبار، فتوجهوا ولم يأت منهم خبر لأن الأكراد الذين كانوا عند الدربند دلُّوا التتر عليهم، فقتلوهم كلهم، وتوجه التتر إلى العراق، وجاء"بانغونوين"في جحفل عظيم وفيه خلق من الكرخ ومن عسكر بركة -خان- ابن عم هولاكو، ومدد من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل مع ولده الملك الصالح من جهة البر الغربي عن دجلة، وخرج معظم العسكر من بغداد للقائهم، ومقدمهم ركن الدين الدوادار فالتقوا على نحو مرحلتين من بغداد، واقتتلواُ قتالاً كثيراً، وفتقت فتوق من نهر الملك على البر الذي القتال فيه، ووقعت الكسرة على عسكر بغداد، فوقع بعضهم في الماء الذي خرج من تلك الفتوق، فارتطمت خيلهم وأخذتهم السيوف فهلكوا، وبعضهم رجع إلى بغداد هزيماً، وقصد بعضهم جهة الشام قيل كانوا نحو ألف فارس". 6 مجزرة بغداد قال اليونيني البعلبكي:"ثم توجه بانغونوين ومن معه فنزل القرية مقابل دور الخلافة، وبينه وبينها دجلة، وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي عن دجلة، وهو البر الذي فيه مدينة بغداد ودور الخلافة، وضرب سوراً على عسكره وأحاط ببغداد، فحينئذ أشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته، وسأله أن يخرج إليه في تقرير ذلك، فخرج ابن العلقمي وتوثق من هولاكو لنفسه، ثم رجع إلى الخليفة، وقال: إنه قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر إلا أن يكون الطاعة له كما كان أجدادك من السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك، فتجيبه ِإلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد، وحَسَّن له الخروج إليه، فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة، ثم دخل الوزير ابن العلقمي، فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره، فخرجوا فقُتِلوا، وكذلك صار يُخرج طائفة بعد طائفة، ثم مدّ الجسر وغدا بانجونوين ومن معه، وبذل السيف في بغداد فقتل كل من ظهر، ولم يسْلَم منها إلا مَن هرب، أو كان صغيراً فإنه أخذ أسيراً، واستمر القتل والنهب نحو أربعين يوما، ثم نودي بالأمان، فظهر من كان اختفى، وقتل سائر الذين خرجوا إلى هولاكو من القضاة والأكابر والمدرسين، وأما الوزير ابن العلقمي فلم يتمّ له ما أراد، ومات بعد مدة يسيرة، ولقاه الله تعالى ما فعله بالمسلمين، ورأى قبل موته في نفسه العِبر والهوان والذلّ ما لا يُعبّر عنه، ثم ضرب هولاكو عنق بانجونوين لأنه قيل عنه أنه كاتب الخليفة وهو في الجانب الغربي، وأما الخليفة فقتل ولكن لم يتحقق كيفية قتلته، فقيل: أنه خنق، وقيل: لُفَّ في بساط فغطس، والله أعلم بحقيقة الحال". 7 بعد سقوط الخلافة ببغداد قال اليونيني البعلبكي:"ونعود إلى أخبار الشام ومصر، كنا ذكرنا أن العساكر المصرية نزلوا حول العباسة لما بلغهم اجتماع البحرية، وبعض أمراء مصر مع الملك المغيث، ولما جاءهم الخبر بمحاصرة التتر لبغداد كتبوا بذلك إلى الديار المصرية، وتقدموا بأن يُدعى للمسلمين بالنصر، فأمر"سلطان العلماء"الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله الأئمة والخطباء أن يقنتوا في الصلوات الخمس، ثم ورد الخبر أن بغداد هلكت، فاشتد أسف المسلمين وحزنهم"وتهيأ المماليك لصدّ قوات الأعداء وعملائهم، وحقق الله النصر على أيديهم في معركة عين جالوت، وتتابعت هزائم التتر حتى تحررت بلاد المسلمين من ظلهم وزالت سيطرة الاحتلال وجنى عولاء الاحتلال الخزي والعار الذي مازال يلاحقهم عبر التاريخ.