قطع الاطراف السياسيون شوطاً على طريق الاستعداد لمواجهة مرحلة ما بعد رفع رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي الالماني ديتليف ميليس تقريره في 21 الجاري الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. ويعتقد هؤلاء الاطراف بأنه بات عليهم حسم موقفهم من تقرير ميليس الذي لن يكون عادياً لأنه سيورد ما يتضمنه الملف الذي سيحيله الى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وفيه سرد للتحقيقات التي اجرتها اللجنة مع الضباط الاربعة الموقوفين وللشهادات التي ادلى بها المئات من الشهود امام المحققين الدوليين. وسيحيل ميرزا الملف بدوره الى المحقق العدلي في الجريمة القاضي الياس عيد، فيما غادر ميليس فجر امس الى فيينا ومنها الى نيويورك لرفع تقريره الى أنان بعدما أبقى في مقر اللجنة في المونتيفردي على عدد من المحققين الدوليين الذي سيواكبون عمل القضاء اللبناني قبل اصدار عيد قراره الظني في الجريمة وبعده. وفي هذا السياق أبدت مصادر لبنانية مواكبة للجنة التحقيق ارتياحها لموافقة مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة بالإجماع على تبني طلب أنان ان يستمر ميليس في عمله حتى 15 كانون الاول ديسمبر المقبل. وقالت ان تأييد الاطراف لطلب التمديد يعني من وجهتي النظر السياسية والقضائية عدم وجود نية لدى أي طرف في الحكومة بالدخول في سجال حول الموقف من التمديد للجنة، مؤكدة ان مجرد حصوله يدحض رهان البعض على احتمال انقسام مجلس الوزراء الى فريقين: مؤيد لاستمرار ميليس في مهمته ومطالب بانهاء المهمة التي اوكلها اليه مجلس الامن الدولي طالما انه رفع تقريره الى أنان. على صعيد آخر، وعلى رغم ان رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري يعتبر في طليعة المعنيين بجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال والده، فإن هذا لا يعني انه وحده صاحب المصلحة في تحديد الجهة المسؤولة عن التخطيط والإعداد لارتكاب الجريمة، بمقدار ما انها تهم جميع اللبنانيين من دون استثناء اضافة الى المجتمع الدولي الذي كان اوصى بالتحقيق الدولي. وبالنسبة الى استعداد الحريري لمواجهة مرحلة ما بعد رفع تقرير ميليس الى أنان قالت انه وجميع افراد العائلة قرروا تقبل نتائج التقرير كما هي انطلاقاً من رغبتهم في جلاء الحقيقة. لذلك فإن الحريري بحسب مصادره ينوي القيام من خلال كتلة"المستقبل"بتحرك واسع لدى المرجعيات الروحية والقيادات السياسية والكتل النيابية والسفراء العرب والاجانب المعتمدين لدى لبنان. وقد بدأ الإعداد للتحرك الذي سيتزامن مع نشر تقرير ميليس الى أنان لأن ستكون للتقرير انعكاسات سياسية على الساحة اللبنانية تستدعي التشاور مع جميع القوى الفاعلة. ولفتت الى ان تحرك الحريري الذي يستمر حالياً بالتشاور مع اعضاء كتلته في الاجتماعات المفتوحة التي تعقد حالياً في جدة في المملكة العربية السعودية، ينطلق من ان الاولوية في مواجهة مرحلة ما بعد التقرير تأخذ في الاعتبار توحيد مواقف الاطراف من الاتجاهات السياسية المقبلة بغية الالتفاف على من يحاول التخريب على الوضع اللبناني اضافة الى قطع الطريق على التشكيك بالتقرير وبصدقيته بذريعة ان ما ورد فيه جاء نتاج ضغوط دولية لتسييس التحقيق وتوجيه الاتهامات للنظام السوري والاطراف الذين كانوا حاكمين في لبنان اثناء حصول الجريمة. وأوضحت ان لا مصلحة لأي طرف في استباق ما سيحمله التقرير من ادلة وقرائن وبالتالي لا بد من الانتظار لمعرفة ما سيتضمنه، مشيرة ايضاً الى ان مواجهة التداعيات السياسية المترتبة عليه مشتركة ومن غير المسموح لأي طرف ان يربك الوضع الداخلي كرد فعل على عدم اعترافه بالتقرير الذي لا يهدف سوى الى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجريمة او المتورطين فيها. ودعت هذه المصادر جميع الاطراف الى التعاطي بموضوعية مع تقرير ميليس، مؤكدة انه سيضع البلد امام محطة جديدة تحتاج الى التعامل معها بخطاب سياسي واقعي من دون خلفيات سياسية. وكشفت المصادر عن اهمية المشاورات الجارية حالياً بين الحريري واللقاء النيابي الديموقراطي والثنائية الشيعية، وقالت ان اتصالات رئيس كتلة"المستقبل"النيابية مستمرة مع"حزب الله"وپ"أمل"مبدية ارتياحها الى نتائجها اضافة الى اللقاء الذي عقده اخيراً في روما مع البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. وأكدت المصادر ان الموقف من رئاسة الجمهورية، سلباً او ايجاباً، سيتخذ على ضوء ما سيحمله التقرير من معطيات من غير الجائز القفز فوقها.