"أيها النوام قوموا للفلاح/ واذكروا الله الذي أجرى الرياح/آن جيش الليل قد ولى وراح/ اشربوا عجلى فقد لاح الصباح/ تسحروا غفر الله لكم/ تسحروا فإن في السحور بركة". تتسلل هذه الأبيات الشجية، بصوت المسحراتي، في أروقة وشوارع وبين منازل مدن الحجاز التي تتقارب وتتلاصق، ليوقظ النائمين استعداداً لتناول طعام السحور. يتحول شهر رمضان في الحجاز إلى مناسبة واحتفال، بدءاً من تحري رؤية الهلال، مروراً بوقت الإفطار والسحور. وعلى رغم سماكة الإسمنت وبرودة الحياة العصرية، وتسلل التكنولوجيا إلى كل زاوية من أحياء الحجاز، فإن هناك رغبة وإصراراً على استعادة عبق الماضي، على الأقل شهراً واحداً في السنة. والعادات التي يعيشها الحجازي، هي مزيج من عادات وتقاليد شعوب قدموا إلى الحج أو العمرة عبر مئات السنين فاستوطنوا وعاشوا وتناسلوا، حتى امتزجت ثقافتهم بالثقافة الأصلية للبلاد وأصبحت جزءاً منها لا يتجزأ. لم ينعكس ذلك المزيج في الملابس والأزياء والمأكولات والحلويات والموسيقى وبعض الحرف اليدوية فحسب، بل في عادات شهر رمضان المبارك أيضاً. تتناول الكاتبة هند باغفار هذه العادات في أمسية رمضانية في منزل التشكيلية الكبيرة صفية بن زقر. ويبدأ الاحتفال بالشهر بعد تحري رؤيته، بالزغاريد والمدافع،"فتبتسم الشفاه في أرجاء المعمورة وتبدأ المعايدات والتهانئ بين أفراد العائلة، وفي الحارة الواحدة ، لتمتد الفرحة إلى المدينة كلها وتغمر نفوس الناس المحبة وتعانق قلوبهم". وتوضح باغفار ان إطلاق المدافع الذي يتكرر كل يوم من أيام شهر رمضان عند الفطور والسحور، عادة من مخلفات العهد العثماني ولا تزال قائمة إلى الآن". ومع دخول الشهر، يتهافت الناس على شراء مختلف أنواع الأطعمة لإعداد الوجبات الرمضانية المتعارف عليها في المنطقة مثل"الألماسية"،"الخشاف"،"الغربالية"،"التطلي""المهلبية"،"شراب الثوبيا"،پ"التوت"و"الشربيت". وعند انتهاء صلاة التراويح في المسجد، يذهب الرجال سيراً على الأقدام الى المقاهي وپ"المراكيز"وپ"المقاعد"وهي الحجرات المخصصة للرجال في أسفل الدور، للحديث والمسامرة أو لممارسة الألعاب الشعبية مثل"الضومنا"وپ"البلوت"وپ"الدامة". ويحيط بهذه التجمعات باعة الوجبات السريعة أي"الفاست فود القديمة"، مثل بائع البليلة الذي ينادي"يا بليلة بللوكي سبع جواري خدموكي"، إضافة إلى الفول والترمس والمشبك وغزل البنات واللقيمات وغيرها الكثير، بينما تنهمك النساء في البيوت لإعداد وجبة السحور ليفرغن منها ويتبادلن الزيارات المسماة"الهرجة"لاحتساء الشاي واستحلاب الفوفل والعلك، وبعد ذلك يهجع الجميع للنوم. وتقول باغفار إن" الحجازيين كانوا يطلقون على أيام رمضان شهر العشرة، فالعشرة الأولى لپ"الجزارين"إذ يكثر الطلب على ذبح البهايم، نظراً إلى كثرة الأكل في الشهر الفضيل، والعشر الثانية يُطلق عليه"عشرة القماشين"لتزايد الطلب على شراء الأقمشة الجديدة للصغار والكبار استعداداً لكسوة العيد. أما العشرة الأخيرة فهي"عشرة الخياطين"لاشتداد الزحام على الخياطين بغية الانتهاء من حياكة ملابس العيد في وقت يسبق أول أيام العيد". وعلى رغم تغير الزمان والمكان تظل، بحسب هند باغفار، عادة الأثاث الجديد قبل العيد أو طلاء المنازل والملابس الجديدة ميزة جبرية، وتقليد متأصل لدى الحجازي والسعودي في شكل عام، ولا يزال ذلك سارياً حتى وقتنا الراهن".