من بين العوامل التي تدفع المقيم في الغرب احياناً الى قراءة منشورات معينة، تلك التي تتحدث عن العرب، او تكون احدى شخصياتها عربية بصورة رئيسة وليست عابرة. وهذا ما ينطبق على رواية"تاولهيد"للكاتبة الاميركية الشابة أليشيا اريان، التي اعتبرت بعض الجهات روايتها"لوليتا جديدة". اذ تروي الرواية بلسان مراهقة في الثالثة عشرة من عمرها، ينتمي نصفها الى اصول عربية الاب لبناني مسيحي ونصفها الآخر الى ام من اصول ايرلندية. "جزيرة"وهو اسم بطلة الرواية، وصلت لتوها الى هيوستون حيث يعمل والدها رفعت في وكالة"ناسا"الفضائية، لتعيش معه، بعدما قررت والدتها المنفصلة عنه قبل سنوات، ان تتخلص من الابنة كونها بدأت تنضج جسدياً وتلفت انظار صديقها بفتنتها الغضة حيث تعيش معها في مدينة سيراكوزا. وتبدو"جزيرة"مثل كرة مضرب بين والدين يختلفان في كل شيء الا على تربيتها الصارمة. الاب قلق على عذريتها وعلى ما يتكشف من جسدها في نوعية الملابس التي ترتديها، والام تطالبها في مكالماتها ان تستمع الى ابيها لأنه ادرى بمصلحتها. وفي ظل شعورها بالاهمال العاطفي، وسط انشغال والدها باخبار الحرب في الخليج 1991 وانشغاله بصديقته ذات الاصول اليونانية التي تعمل معه في"ناسا"، تلجأ المراهقة الى جسدها متحصنة داخله أمام العالم الخارجي، لصنع سعادة متوهمة. ثم يصبح الجسد وسيلة للتواصل مع العالم والحصول على المحبة والمحبين. فبعد ان تطلع"جزيرة"على مجلة"بلاي بوي"في بيت الجيران حيث تعمل ساعات ما بعد المدرسة جليسة لابنهم الذي يصغرها بثلاث سنوات، تبدأ بتجربة ما تراه في المجلة على من حولها، فتغوي الجار"فوازو"الذي يفقدها عذريتها في احدى المرات، وتبدو مرتبكة لا تعرف ان كان عليها ان تكرهه ام تتعاطف معه بعد شعوره بالذنب نحوها. ثم تفتح خطاً ثانياً مع زميلها في المدرسة، توماس الذي لا يشعر بأي ذنب نحوها كونهما في سن متقاربة. المراهقة"جزيرة"محاطة بعالم من الكبار، كل يحاول ان يحمي جسدها بطريقته الخاصة. حتى الجارة"ميلينا"التي تتعامل معها بليبرالية وتهديها كتاباً علمياً حول الجسد، تبدو قلقة على مراهقة من المبكر ان تخوض تجربة جسدية، فتحذرها من تعميق العلاقة مع الجار"فوازو"او ادخاله الى البيت بغياب والدها. وهو بدوره، يحذرها من العلاقة مع صديقها"توماس"، لأنه اسود، وسينظر اليها الناس بعدها كعاهرة. وهي سمة سيتفق معها الاب الذي يعتقد بأن سمعة ابنته ستتدمر ان هي صادقت شاباً اسود، على رغم انه كعربي، ليس ابيض اللون بحسب البنت وأصدقائها. وتتداخل في الرواية عناصر اشبه بالبهارات الجاهزة في رواية قد تصلح ان تكون في قائمة الاكثر مبيعاً بسبب ثيمتها الاصلية لا بسبب قيمتها الادبية: هذه الثيمات هي، الجنس والاعتداء الجنسي خصوصاً ان البطلة مراهقة صغيرة اقرب الى الطفولة، ثم العنصرية في المجتمع الاميركي، وحرب الخليج. وعلى رغم تلك الثيمات المهمة، الا ان"تاولهيد"رواية مكتوبة بسطحية شديدة لا يبررها كون الراوية الرئيسة مراهقة في الثالثة عشرة من عمرها. فالكلام عن حرب الخليج الاولى لا يتجاوز غضب الأب رفعت من"كولن باول"الذي لم يجد ادارة الحرب، وغضبه من محطة"سي ان ان"التي تنقل فرحة الفلسطينيين بالصواريخ التي يطلقها صدام على اسرائيل. او اعتقاد الجيران آل"فوازو"، ان"رفعت"معجب بصدام حسين، مع انه ليس كذلك. الا ان الرواية لا توضح موقف"رفعت"تماماً من الحرب ونراه ينافس الجار في رفع علم اميركا ليثبت له انه ليس اقل وطنية منه في هذا الظرف. ولا تبدو المنافسة بين سكان الحي ككل، بل بين الاثنين فقط، ولا تكشف الرواية موقف بقية الاميركيين، الموجودين في الرواية، على الاقل من تلك الحرب، كأنها ليست حربهم. وكان الاب"رفعت"رفض نصب شجرة عيد الميلاد وتزيين بيته، احتجاجاً على بوش الذي أجل موعد الحرب الى ما بعد الاعياد لئلا يفسد على المحلات مبيعاتها من الهدايا. كل ما يفعله الاب العربي الاصل سيئ ولا يطاق من وجهة نظر الفتاة الراوية. ولا تظهر مسألة الجذور هذه الا في حال"رفعت"، بينما لا نراها في العائلات الاخرى الاميركية الاخرى وفي بلد يتكون اساساً من المهاجرين. الاب مزعج لأنه يحاول ان يقرب ابنته من امه التي تتصل هاتفياً وترسل لها رسالة حب، فترفض الابنة تلك المحبة من امرأة لا تعرفها. ويزداد غضبها من الامر عندما يطلب منها والدها ان تترجم الرسالة المكتوبة اصلاً بالفرنسية في درس اللغة الفرنسية، فتتعرض لتعليقات زملائها الساخرة من مثل"تاولهيد"، وهو اسم شعبي يستخدم لتحقير العرب كانت سمعته من ابن الجيران الذي سمعه من والديه، ويبدو انه جاء اصلاً من طريقة تغطية العرب لرؤوسهم. بعد تلك التعليقات الساخرة من زملائها، تكره"جزيرة"والدها وجدتها اكثر من قبل. يبدو التحامل واضحاً في موقف الكاتبة من شخصية عربية، فمنذ البداية يستقبل رفعت ابنته ببرود مكتفياً بمصافحتها. وعندما تقول له:"ألن تحضنني؟"يرد بقوله:"هكذا نستقبل الناس في بلادنا". انها تطلق الاحكام على عواهنها وتلصقها برجل من أصل لبناني من غير ان تتأكد من حقيقتها، ولم يدقق الناشر او وكيل أعمالها، وكل من قرأ لها الرواية قبل النشر، المعلومات الواردة في الرواية. فالبطلة وزملاؤها يصفون الاب بالعنصرية ضد السود، مع أنه من شمال افريقيا القارة التي جاء منها السود! وهذا ما يردده رفعت"نحن من شمال افريقيا نعتبر انفسنا من الجنس الابيض وهذا ما نؤكد عليه عندما نملأ البيانات الرسمية". الاب اللبناني الاصل من شمال افريقيا اذاً! وعن سبب تسمية"جزيرة"بهذا الاسم، تقول أن امها الايرلندية الاصل ارادت تسميتها باسم تيمناً بياسر عرفات، وان الاب اراد تسميتها"استيل"لكن الام انتصرت. ما هي علاقة اسم"جزيرة"الذي لا يطلق على اي فتاة عربية بياسر عرفات؟ ولماذا ارادته الام تحديداً مع ان الرواية لا تنسب للام اي اهتمامات سياسية، بل هي مهمومة دوماً في ان تجد لها صديقاً لئلا تبقى وحيدة؟ ومن الامور الساذجة التي نقرأ عنها، ان الجدة تتصل اثناء الحرب فزعة من ان صدام بعدما أطلق الصواريخ على اسرائيل، قد يطلق الصواريخ على بيروت ايضاً في شمال افريقيا بحسب الرواية. وفي مكان آخر تقول إن العرب يستقدمون الاشخاص من اميركا كي يبنوا لهم المراحيض على الطريقة القديمة"مجرد حفر في الارض"تقولها الجارة ميلينا"غير العنصرية"واصفة عمل زوجها لسنوات في اليمن، من غير ان تشرح كيف اعتاد اليمنيون ان يتصرفوا قبل وصول الخبير الاميركي! كل الشخصيات في الرواية المذكورة مسطحة ذات بعد واحد. فالجارة الطيبة الشابة ميلينا التي انتقلت للتو الى المنطقة، تحب"جزيرة"، وتبدي رغبة شديدة في حمايتها، على رغم انها لا تعرف شيئاً عن تفاصيل حياتها، بل وتعطيها مفتاح البيت كي تدخل متى تشاء. وتعاتب"جزيرة"لأنها تطرق الباب عندما تأتي لزيارتها بدل ان تفتح بالمفتاح! كل هذا على رغم ان الغربيين مهووسون بالخصوصية! وفي موقف آخر وعندما يحين وقت وضعها، تطلب"ميلينا"من"جزيرة"ان تدعو والدها الذي رافقهما الى المستشفى، أن يحضر الى غرفة العمليات ويشهد عملية الولادة بدل زوجها الذي كان في العمل ولم يصل بعد! الا ان رفعت يرفض لانه ليس الزوج ولا الاب المنتظر، فيبدو رجلاً قاسياً، وتنتهزها الكاتبة فرصة لتذكرنا بأصله العربي الذي لا يريد ان يفعل خيراً لأحد. وتبدو الفتاة المراهقة"جزيرة"شخصاً راشداً في خبرتها بالحياة، حتى الجنسية منها. فهي تستسلم للجار"فوازو"على رغم فقدانها عذريتها بسببه قبل فترة وغضبها منه، الا انها تتعاطف معه،"لأن الجنود يحتاجون للعلاقة الجسدية مع نسائهم قبل ان يذهبوا للحرب، فقد لا يعودون منها ابداً. هذه الفتاة الناضجة كفاية لتعرف حقيقة سيكولوجية مثل هذه، اقتنعت، مع علمها بأن الحرب انتهت، بحجة الجار في غوايتها مدعياً انه تم طلبه للحرب لأنه لا تزال هناك بعض المهمات التي لم تنته! "تاولهيد"، ليست رواية تحاول سبر غور دواخل مراهقة اميركية في المطلق فتبدو عامة في طرحها. فالعائلات الاخرى الاميركية في الرواية تبدو متفهمة حاجات ابنائها العاطفية والاجتماعية ما عدا"رفعت"ذا الاصل العربي. انها حكاية مراهقة تنتقم من ابويها، خصوصاً والدها اللبناني الاصل بسبب صرامته في تربيتها، بأن تطلق العنان لخيالها وغرائزها المتفتحة حديثاً في دخول تجارب مثيرة جسدياً. وهي تفاصيل لا تضعها في مصاف رواية"لوليتا"التي تكشف عن معاناة بطلها الفلسفية مع فكرة الزمن والتقدم في العمر. وعلى رغم الثناء الذي ينهال على"تاولهيد"مع تصفح المرء مواقع الكتب على الانترنت، وهو امر مفهوم في سياق الدور الترويجي لهذه المواقع، الا ان الصحف الرصينة، مثل"نيويورك تايمز"وپ"ذي اندبندنت"، تصف"تاولهيد"بالرواية المفككة ولا يشفع لها ان بطلة الراوية فتاة قاصر. من هي أليشيا اريان؟ مولودة في أميركا لأم بولندية وأب مصري، وبذلك يمكن ان نقرأ اسم عائلتها"عريان". من هنا ربما جاء الخلط لدى الكاتبة بين موقع لبنان وموقع مصر على الخريطة! اصدرت الكاتبة مجموعة قصصية اولى عام 2001 بعنوان"لغة الحب المتوحشة"، لاقت نجاحاً بسبب حسها الساخر وجرأتها في تناول الجسد خصوصاً لدى ابطال مراهقين. على أي حال تكشف تلك القصص عن قاصة متمكنة من فن القص بغض النظر عن طبيعة الموضوعات التي تطرحها. وقد دفع نجاح المجموعة بالناشر أن يطلب من الكاتبة التفكير بكتاب آخر، وتمخض عن التجربة رواية"تاولهيد". الا ان تمكن الكاتبة كان في حدود القصة القصيرة، بينما أفلتت منها الخيوط في الرواية التي تصور كفيلم سينمائي تقول الاعلانات الخاصة به على الانترنت انه"عن مراهقة في الثالثة عشرة من عمرها، تدخل علاقة مع جندي احتياط في الجيش الاميركي، تحت أنظار العين القامعة لأبيها اللبناني الاصل"!.