ما لبثت ولاية ميسيسيبي الأميركية ان تستوعب الكارثة التي ضربتها وتباشر مساعدة الناجين من أبنائها وإحصاء ضحاياها وتنظيف ما خلفه الإعصار كاترينا، حتى وقفت مكتوفة الأيدي أمام عمليات نهب وسرقة طاولت مدنها، في وقت تواجه ولاية لويزيانا فيضاناً جديداً نتيجة ارتفاع منسوب المياه في مدينة نيو أورلينز التي غرقت نسبة 80 في المئة من مساحتها. ودوت صفارات الإنذار بعد اكتشاف صدع بمساحة مبنيين في سد يحجز المياه من بحيرة بونتشاتريان. وتدفقت المياه على المدينة وظل مستواها يرتفع حتى بلغ ارتفاع طابقين ووصلت أسطح المنازل في بعض الأماكن. وشارك سلاح المهندسين في الجيش الأميركي في التصدي لمياه الفيضانات التي غمرت المدينة. ووضعت السلطات خططاً لإجلاء آلاف السكان الذين لجأوا إلى المدينة الرياضية وملاذات أخرى في نيو أورلينز. وشرعت في تنفيذ خطة جريئة لإسقاط أجولة رملية عملاقة جواً، لسد الثغرات في نظم حماية المدينة من المياه. بوش يقطع إجازته واختصر الرئيس الأميركي جورج بوش عطلته وعاد إلى واشنطن أمس، لتنسيق جهود ما بعد الإعصار، إذ عقد اجتماع عمل بمشاركة وزارات الأمن الداخلي والإسكان والصحة والدفاع ووكالة حماية البيئة. وأكد بوش من قاعدة بحرية في سان دييغو في ولاية كاليفورنيا ان"الحكومة الفيديرالية والسلطات المحلية تعملان معاً لمساعدة الناس، ولدينا عمل شاق علينا أن ننجزه". وقال الناطق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان إن الرئيس اختصر عطلته التي تستمر خمسة أسابيع، وسيتفقد بعض المناطق المنكوبة. لكن البيت الأبيض يريد التأكد أولا من أن هذه الزيارة لن تعطل عمليات الإغاثة. صدع ليفي وأفاد عمدة نيو أورلينز راي ناغين ان نسبة جديدة من المياه اجتاحت الضفة الشرقية من نيو أورلينز التي تعرف باسم"لؤلؤة لويزيانا"، مسببة فيضانات بلغ ارتفاعها 9 أقدام أو أكثر في بعض المناطق. وأكد ناغين أن الفيضان الجديد سببه عطل في مضخة ليفي سببه صدع في قناة الشارع رقم 17، بعدما عجزت عن استيعاب الكميات الهائلة من المياه. أما الحي الفرنسي الذي لم يتضرر من الإعصار الاثنين الماضي، فأتى الفيضان الجديد ليجهز عليه. ورأى ناغين أنه لو رمت طوافات ال"بلاك هوك"ثلاث آلاف أجولة رملية على مصفاة ليفي، لكانت بقيت تعمل."لكن ذلك لم يحصل"على حد تعبيره بسبب الانشغال بعمليات الإنقاذ. وسيستمر انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة من أربعة الى ستة أسابيع أخرى. وهناك أيضاً مشكلة تلوث مياه الشفة، والجثث التي تطفو على سطح الماء، تسرب نفطي، وانهيار جسرين وطوفان في مطاري المدينة وتقطع الطرق لمغادرة المدينة. وأكدت حاكمة لويزيانا كاثلين بلانكو أن عشرات آلاف الناجين يتواجدون حالياً في الملعب الرياضي المسقوف وغيره من الملاجئ التي سيتم إخلاؤها جميعاً بعدما طوقتها مياه تصل إلى الركب". أعمال نهب وخاض اللصوص وسط السيول لنهب محال الأجهزة الإلكترونية والمتاجر الكبرى، بينما وقف عدد محدود من ضباط الشرطة مكتوفي الأيدي. وفي منطقة أخرى، ظهرت مجموعة تحمل أسلحة آلية في استعراض للقوة على ما يبدو. وقالت مواطنة أميركية:"هذا ليس وقت هذه السخافات. لكن الناس محاصرون وعدد كبير منهم ينقصهم الطعام والماء والدواء. أنا مثلاً احتاج الآن دواء الأنسولين". وفي مدينة بيلوكسي في ولاية ميسيسبي، هام الناجون على وجوههم بعيون دامعة يسألون قلة من رجال الشرطة وعمال الإغاثة عن مكان يجدون فيه الماء والطعام. وقال الناطق باسم المدينة فينسنت كريل أن شبكة كهرباء بيلوكسي ونظم المياه والصرف دمرت، وانتشرت أعمال السلب والنهب. وحتى رجال الشرطة وعمال الإطفاء أغاروا على محال بقالة بحثاً عن إمدادات لتغطية احتياجات فرق الإنقاذ. وفرض حظر تجول على مدى 24 ساعة في المدينة، لكن يجري تجاهله على نطاق واسع والشوارع ممتلئة بالناس. ويأتي ذلك بينما آعلنت السلطات في ميسيسيبي عن إحصاء مئة قتيل. أقوى من كاميل وشبه الناطق باسم بيلوكسي الإعصار كاترينا بأمواج المد العاتية. وقال:"انه يشبه تسونامي"الذي اجتاح سواحل المحيط الهندي. وقدّر عدد القتلى بالمئات. وأضاف فينسنت كريل مشيراً إلى الإعصار كاميل الذي اجتاح المنطقة عام 1969 وقتل 256 شخصاً:"قضى عند وقوع الإعصار كاميل نحو مئتي شخص ونحن نتوقع عدداً أكبر بكثير". وقال رئيس بلدية بيلوكسي إي جاي هولواي:"اعتقد بعد ما شاهدته من دمار أن بعض الأشخاص لن يعثر عليهم أبداً". وحملت رياح الإعصار مطعماً عائماً بمساحة ملعب كرة القدم فوق طريق ساحلي، وأسقطته على موقف مخصص للسيارات. وأقيم مطعم ماري ماهوني على الشاطئ عام 1737. وبقي بوب ماهوني بداخله حتى تطاير الزجاج في وجهه ونقل إلى المستشفى. وغمرت المياه المبنى لكنه ظل قائماً. وكتبت على واجهته لافتة تقول"سنعود". نيو أورلينز... لؤلؤة لويزيانا ومهد الجاز تعدّ مدينة نيو أورلينز في ولاية لويزيانا الجنوبية التي أسسها الفرنسيون عام 1718، 485 ألف نسمة، و1.4مليون مع المناطق المجاورة. وتقع مدينة نيو أورلينز الملقبة بلؤلؤة لويزيانا بين مصب نهر الميسيسيبي وبحيرة بونتشارتراين، وهي أكبر مدن لويزيانا. لكن باتون روج هي عاصمة هذه الولاية. ويقع قسم من المدينة تحت مستوى البحر وتحيط بها سدود. وأسس الفرنسي جان باتيست لو موان المدينة عام 1718. وأطلق عليها اسم الوصي على العرش دوق أورليان. وكانت في الماضي مركزاً تجارياً تابعاً لشركة ميسيسيبي، ثم أصبحت عاصمة لويزيانا الفرنسية في 1722. وفي عام 1803، باع نابوليون بونابرت المدينة إلى الولاياتالمتحدة مع مساحة كبيرة تمتد حتى كندا. وفي حينها كان عدد سكان المدينة ثمانية آلاف. وفي عام 1812، أضحت لويزيانا الولاية الأميركية الرقم 18. وما زالت المدينة تحتفظ بآثار كثيرة من ماضيها الفرنسي والإسباني، خصوصاً الحي القديم الذي يطلق عليه الأميركيون اسم"فرنش كوارتر". وتشكل السياحة القطاع الاقتصادي الأول مع 10.1 مليون زائر عام 2004. وتعتبر هذه المدينة مرفأً مهماً ومركزاً صناعياً. وتقام أشهر الاحتفالات في نيو أورلينز لمناسبة أحد المرفع في شباط فبراير أو آذار مارس. والمدينة شهيرة أيضاً كونها"مهد موسيقى الجاز"، خصوصاً مع عازف البيانو جيلي رول مورتون وعازف الترومبيت لويس آرمسترونغ.