رأى نائب الرئيس العراقي غازي الياور صعوبة في امكان اسقاط الدستور عبر الاستفتاء، ودعا الساعين لذلك الى عدم اهدار طاقتهم والتركيز على الانتخابات المقبلة لتصحيح اخطاء المرحلة الحالية، مؤكدا خشيته من حدوث عمليات تلاعب وتزوير في تنظيم الاستفتاء في مناطق العرب السنة بما يبرر طلب الاشراف الدولي، مشيرا الى ان عدم التفكير بالمشروع الوطني ومحاولة تحقيق المكاسب الضيقة في الدستور أدت الى تلاشي الهوية الوطنية في نطاق التخندقات الطائفية والعرقية، وشدد على وجود ادلة قاطعة تثبت تورط عناصر من الشرطة العراقية والاجهزة الامنية الاخرى في عمليات اعتقال وقتل جماعي لعراقيين من السنة. وقال الشيخ الياور في حديث الى "الحياة" ان "نقاطا عديدة في الدستور العراقي بحاجة الى اعادة نظر لكنها لا تلغي فضائل الدستور الاخرى. ونحن قد لا نختلف مع كتلتي التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي على وجودها، وانما على توقيتها، مثل الفيديرالية لغير اقليم كردستان وعروبة العراق واجتثاث البعث كفكر وصياغة الديباجة، وهي قضايا نوعية يجب ان لا تمرر خارج نطاق التوافق الوطني الذي اتفقنا عليه منذ البداية". واضاف "ان الحديث الذي يدور الان بشأن التشكيك بتمثيل لجنة ال 15 للعرب السنة ومحاولة ايجاد مسوغات لتمرير المسودة مردود تماما، لان شروط صوغ الدستور التي وافق عليها زعماء الكتل الرئيسية جاءت لتكرس مبدأ التوافق الوطني وتم اختيار ممثلين عن الفئات المغيبة برضا الاطراف الاخرى، ولا يجوز اليوم التملص من مبدأ التوافق او التشكيك بشرعية اللجنة". واكد "ان اعضاء اللجنة كانوا شجعانا حملهم الحس الوطني الى وضع انفسهم في دائرة الخطر من دون حماية رسمية وفقدوا شهداء على هذا الطريق في وقت يتمتع فيه الاعضاء الاخرون في لجنة صوغ الدستور بضمانات أمنية جيدة، لذلك يجب ان تحترم وجهة نظرهم وانا شخصيا اتفق معهم في اغلب النقاط التي أبدوا تحفظات عنها في مسودة الدستور". واضاف "اعتقد ان هناك تناقضات عديدة في المسودة ونقاط خلل بحاجة الى مراجعة، فالديباجة مثلا يجب ان تعكس ما يريده الشعب من الدستور، ولا تدخل في تفاصيل تثير الحساسيات، كما ان مسألة توسيع نطاق الفيديراليات الى اكثر من ثلاث محافظات يجب ان تؤجل الى الجمعية الوطنية الدائمة لكن ليس بطريقة الترحيل الحالية التي اراها مبهمة وقابلة للتأويل، كما ان هناك مواد يصعب تطبيقها عمليا". وزاد "ان هوية العراق في الدستور يجب ان تكون واضحة، فنص مثل: "العراق جزء من العالمين العربي والاسلامي" مقبول ولا مبرر لحذفه من المسودة"، مؤكدا ان "هناك احتقاناً وتوتراً كبيرين في العراق ومسودة الدستور الاخيرة لا تساعد على ازالة هذا التوتر وانما تؤججه". واشار الى ان هناك "تحفيزاً مارسه الجانب الاميركي لتمرير الدستور بأسرع وقت وعدم التأجيل، لكن الضغوط الاميركية المباشرة لم تكن حاضرة خلال مفاوضات صوغ الدستور". واعتبر ان "المشكلة الاساسية التي لم يتم تداركها مبكراً هي ضيق المدة المتاحة لكتابة دستور دائم في بلد كالعراق، وكان يجب اتاحة الوقت لمدة اطول امام المتفاوضين او التأجيل ستة اشهر لبلورة دستور وطني يحقق الاجماع، غير ان ذلك لم يحدث للاسف بسبب رغبة البعض في اسقاط الحكومة الحالية ورغبة آخرين في استثمار الفرصة لتمرير مسودة ستحكم العراق لقرون قادمة في نطاق غياب إجماع وطني كامل او تمثيل حقيقي لكل شرائح واطياف الشعب العراقي". واشار الى ان كتابة الدستور العراقي يجب ان لا تاتي في نطاق استحقاقات انتخابية وانما يجب ان تكون هناك انتخابات خاصة لفرز لجنة صوغ الدستور". وعن موقفه من الدستور خلال الاستفتاء قال نائب رئيس الجمهورية العراقي انه لا يرى جدوى من حرق الوقت والطاقة للعمل على إسقاط الدستور، وان من الافضل التركيز على الانتخابات المقبلة لتكون هناك جمعية وطنية متوازنة تعكس التمثيل الحقيقي للشعب العراقي وتصحح اخطاء المرحلة الحالية". واكد انه يتصل بكوادر قائمة "عراقيون" التي يرأسها وبالشخصيات السياسية والاجتماعية والقواعد الجماهيرية لتحديد موقف نهائي من المسودة"، واضاف "اذا كان الرأي بين الاخوة في الكتلة والشخصيات المقربة ان نرفض الدستور فسوف نفعل وندعو الناس الى ذلك رغم ان قناعاتنا العامة تتجه الى التركيز على المرحلة المقبلة". واضاف "يجب ان نعترف بصعوبة تحقيق اجماع ثلثي اصوات ثلاث محافظات لرفض الدستور، لكن ذلك ممكن اذا كانت الارادة الشعبية معه، خصوصاً ان هناك جهات عديدة تطالب بذلك الان"، مشيرا الى "صعوبة إحداث تغييرات حقيقية في نص الدستور بعد التصديق عليه"، واوضح انه يؤيد "المحاولات التي يتم تداولها حاليا بشأن اجراء تعديلات قبيل الاستفتاء رغم استبعاد نجاحها بسبب تمسك الاطراف بمواقفها ومكاسبها خارج الاولوية الوطنية وفي سياق تخندقات طائفية وعرقية تلاشت معها الهوية الوطنية العراقية، وكذلك لاسباب قانونية تتعلق بنصوص قانون ادارة الدولة المنظم للعملية السياسية"، وان كان "لا يفهم حتى الان الطريقة التي تم بها تمديد الوقت المحدد لكتابة الدستور أكثر من مرة ؟". واكد ان عدم حضوره الجلسات الاخيرة للمفاوضات الخاصة بزعماء الكتل "ناجم عن القناعة بصعوبة انجاز المفاوضات في الوقت المحدود المخصص لها تغييرات حقيقية في وجهات نظر الاطراف التي قدمت في النهاية مسودة دستور خارج مبدأ التوافق". وعن ترتيبات الإعداد للاستفتاء ودور مفوضية النزاهة قال الياور "ان تجربتنا الشخصية مع خروقات مفوضية النزاهة خلال الانتخابات الماضية تستدعي التحذير من محاولة وضع العراقيل امام مشاركة المدن والمحافظات التي غابت او غيبت عن الانتخابات الماضية، وان تكرار الخروقات السابقة في مجال تنظيم الاستفتاء وعدم إتاحة الفرصة لتسجيل عادل وميسر للناخبين سيبرر طلب تدخل الاممالمتحدة للاشراف على الاستفتاء والانتخابات، مشيرا الى "عراقيل توضع الان امام تسجيل اسماء الناخبين وإلى إجراءات تعجيزية هدفها منعهم من التصويت كالطلب منهم رفع ملابسهم على مسافة خمسين متراً من مركز التسجيل للتأكد من عدم حملهم أحزمة ناسفة او تأخير اجراءات تسجيلهم بعقبات روتينية او عدم توفير مراكز واستمارات كافية لسكان تلك المناطق الذين يضطرون احيانا لقطع مسافات شاسعة من اجل الوصول الى المركز الانتخابي، بالاضافة الى تقصير فترة التسجيل بما يحرم الكثيرين من حقهم في المشاركة ويستدعي الطلب من هيئات ومنظمات دولية الاشراف على الاستفتاء والانتخابات". ودعا الياور الى اعتماد البطاقة التموينية للانتخاب والغاء شروط التسجيل المسبق، واضاف "من الضروري استثمار رغبة المشاركة لدى شرائح واسعة من شعبنا لاضافة زخم ايجابي لحال التوافق بين الجميع ولدفع العملية السياسية الى الامام كجزء من سياق استراتيجي يحفظ حقوق شعبنا ووحدته الوطنية". وبخصوص عمليات الاعتقال والقتل الجماعي التي يتعرض لها عراقيون سنة وتتهم بها الشرطة العراقية، قال الياور "طرحت هذا الموضوع مراراً على هيئة رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومسؤولي الاجهزة الامنية وقلت لهم ان يكون هناك اجرام وارهاب فهذه مشكلة، لكن ان يكون الاجرام والارهاب في داخل اجهزة مسؤولة عن حماية الناس فهذه كارثة يجب التوقف عندها". واضاف "يقولون ان هذه عصابات تتنكر بزي رجال شرطة واقول لهم ان من اسميهم "زوار الفجر" يعتقلون الناس من منازلهم في ساعات متأخرة بعد حظر التجوال المسائي ويسيرون بارتال كبيرة من سيارات الشرطة ويرتدون جميع تجهيزات هؤلاء ويعتقلون العشرات دفعة واحدة ويسيرون بهم الى اماكن مجهولة لاعدامهم ورميهم في الانهار او المناطق المتروكة وبعد كل ذلك تقولون متنكرين؟ ان امكانية كهذه لا تتوافر الا في اجهزة تابعة للدولة التي انا جزء منها ويجب وضع حد لتلك الجرائم قبل ان تتطور الى ما لا يحمد عقباه لا سمح الله. وقد طالبت بوقف المداهمات الليلية وان تكون هناك وثائق قانونية ومضابط للاعتقال وبحضور مختار المحلة ووجهائها، لكن تلك الظواهر ما زالت مستمرة وتتصاعد بما يستدعي وضع حد لها". وتابع "طلب مني في مرحلة ما ان استنفر بادية الموصل وعشائر العراق لتشكيل ميليشيا تضبط الأمور في الموصل، وقلنا ان بإمكاننا لو أردنا تشكيل ميليشيا من 70 الف مقاتل مسلح ومخلص من السنة والشيعة على حد سواء، لكن ذلك ليس من طباعنا وليس من طباع أهل البادية، واننا نعمل على سيادة القانون وإعلاء شان الوطن وليس الى تجزئته وتكريس التناحر بين ميليشيات تعمل على تحقيق مطامعها ومصالحها خارج الإرادة الوطنية". وختم الياور حديثه بالقول "ان مؤامرة تفتيت العراق الى ثلاث دويلات متناحرة وضعيفة ليست مجرد استنتاجات اعلامية بل امر واقع نعيش تفاصيله يوميا، واعتقد ان دولاً واستخبارات غربية تعمل على ذلك تساعدها اجهزة مختلفة ومتنوعة الاهداف، وعلينا التنبه والحذر من المحاولات التي تستدرجنا الى ذلك. واعتقد ان الوقت كفيل بحل مشاكلنا الداخلية وانتاج قيادات سياسية وطنية كفؤة قادرة على قيادة البلد نحو بر الامان وحماية منجزاته وثرواته من الضياع... لقد مل شعبنا راكبي الشعارات وقليلي العمل واعتقد ان التجربة صقلت خياراته بعد عقود الانقطاع السياسي لاختيار ما هو صالح له".