في العام 1902 على الأرجح ولدت كوكب الشرق أم كلثوم ورحلت بعد مسيرة طويلة زاخرة بالعطاء في شباط فبراير 1975. وقد صدرت كتب عدة تؤرخ سيرة هذا الكوكب الذي سطع نوره في سماء الشرق كما لم يسطع أي نجم آخر. ولم يكن ذلك نتيجة صدفة عابرة كأي نجم يسطع ثم يأفل، بل نتيجة جهد دؤوب تضافرت فيه عوامل عدة لم تكن لتتوافر لأي نجم آخر كما توافرت لكوكب الشرق أم كلثوم، بدءاً من والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي، مروراً بكبار الشعراء وعباقرة الموسيقى والتلحين، وانتهاء بالجمهور العريض الذي محض"الست"كل إعجابه وتجاوبه بل وعشقه وتشجيعه. هذا التاريخ الحافل بالعطاء، خصّه الأخوان فيكتور وإلياس سحاب بموسوعة كاملة تتكون من ثلاثة أجزاء وما يزيد على ألف صفحة، تعد مرجعاً شيقاً وفريداً وشاملاً لحياة أم كلثوم، بالتعاون مع الناشر عبدالله العقيل من الكويت، الذي احتضن هذا الانجاز، بحكم اعجابه الكبير بكوكب الشرق. وبالاشتراك مع فريق من المساعدين والخبراء بإبداعاتها وما قدمته للجمهور العربي على مدى خمسين عاماً من العطاء. وقد شارك الفنان رفيق النحاس بما تحتويه مكتبته بأعمال أم كلثوم لا سيما النادر منها، كما تولى المهندس جورج نحاس مهمة ادارة هذا المشروع والاشراف على اصداره. بدءاً من طماي الزهايرة خصص الجزء الأول إعداد الياس سحاب، لسيرة كوكب الشرق، منذ نشأتها والمراحل الأولى لسطوع نجمها، مروراً بالانطلاقة الكبرى التي توجتها بالمرحلة التختية والأخيرة. وتضمنت هذه السيرة الكثير من المعلومات الدقيقة عن مسيرة أم كلثوم منذ أن تلقت أصول الغناء في مرحلة الطفولة المبكرة على يد والدها الشيخ ابراهيم البلتاجي صاحب فرقة ريفية للانشاد الديني والموشحات في قريته المعروفة باسم"طماي الزهايرة"من قرى الوجه البحري شمال القاهرة، ثم بداياتها الفنية الاحترافية، الى النقلة الكبرى في القاهرة 1923 حيث بدأ نجمها يسطع و موهبتها تتبلور على يد كبار الملحنين في تلك الفترة وعلى رأسهم الشيخ أبو العلا الذي كان له أكبر الفضل في صقل موهبتها وتوجيهها. ثم زكريا أحمد وأحمد صبري النجريدي ومن القصبجي وداود حسني وغيرهم ممن كان لهم السبق في هذه الانطلاقة. وتتابع الموسوعة هذه السيرة عبر سنوات العطاء الطويلة في الثلاثينات والأربعينات بالتعاون مع عظماء التلحين والكلمات من أمثال محمد القصبجي ورياض السنباطي الذي تصدر قائمة الملحنين طوال سنوات هذا العطاء بأسلوبه المميز الذي يجمع بين الأصالة الشرقية والتجديد الرصين حتى عندما بدأت مرحلة التجديد في ما بعد على يد محمد عبد الوهاب في رائعته انت عمري وكذلك كمال الطويل ومحمد الموجي وبليغ حمدي. الأغاني المفقودة أما الجزآن الثاني والثالث فهما مكرسان لأغاني أم كلثوم التي بلغت 300 أغنية ما بين القصيدة والدور والمونولوج والطقطوقة والموال والنشيد. وأوضح المؤلف مدى الجهد الذي بذله فريق العمل والناشر للحصول على بعض أغاني أم كلثوم المفقودة أو غير متوافرة في مكتبات الإذاعة المصرية أو غيرها من الإذاعات العربية، إذ أمكن حصد نحو ستين أغنية من هذه الأغاني المفقودة وردت أسماؤها في هذه الموسوعة. وناشد المؤلف كل من قد يكون لديه تسجيل الى الأغاني أو بعضها الاتصال به لضمها لهذه الموسوعة مستقبلاً. ولعل ما أثرى هذين الجزأين لأغاني أم كلثوم، الأسلوب الذي لجأ اليه المولف فيكتور سحاب بإيراد كلمات كل أغنية مع ذكر المؤلف والملحن وتاريخ الغناء وعدد المرات التي غنّت فيها، مع موجز عن المقام أو المقامات المستخدمة في اللحن. موسوعة أم كلثوم عمل فريد سيتربع على صدر المكتبات التي تعنى بتراث كوكب الشرق أم كلثوم هدية من الناشرين والمؤلفين لعشاقها في ذكرى رحيلها الثلاثين. كوكب أفل، لكنه ترك لنا وراءه شعاعاً ساطعاً سيظل يضيء سماء الفن والابداع في زمن عز فيه مثل هذا الإبداع. * كاتب سعودي