بصور شتى، وقع عدد من الكتاب العرب بعد كارثة آسيا المدمرة في الكثير من المزالق المنهجية، إذ يقارن عدد منهم - على سبيل المثال - تفاعل دول متقدمة مثل بريطانيا وأميركا مع الأخرى من دول إسلامية وعربية نفطية أو غير نفطية مثل السعودية ومصر. وهي مقارنة منطقية لو تمت بحسب النسبة المئوية لما تنفقه هذه الدول أو تلك من ناتجها القومي على كارثة آسيا أو غيرها. وعلى رغم كون إحصاءات من هذا النوع لا يحسن التعامل معها إلا المختصون في الاقتصاد، نجد الأرقام المتبرع بها شحيحة لدى الدول العظمى إلى حد يجعلنا لا نشك في كون المقارنة بين سخائها المزعوم وبخل دول في العالم الثالث - بحسب رأي بعض الكتاب - غير واردة. ولأن أميركا هي الدولة العظمى في العالم أجمع، والسعودية هي قبلة المسلمين، لو شئنا تناول كرم الأولى 350 مليون دولار وقارنّا بينه وشح الثانية بأكثر من نصف مليار ريال، كم سيمثل ما تبرعت به كل واحدة من ناتجها القومي؟ وبين يدي إحصائية أعدها باحث وأكاديمي سعودي في جامعة الملك سعود هو الدكتور سعود بن عبدالله الرشود، كشفت أن السعودية تعد الأولى على مستوى العالم في البذل خارج أراضيها في الأعوام ما بين 1973 و2000، إذ تنفق كل عام قرابة 4 في المئة من إجمالي ناتجها القومي، في حين لا تطالب الأممالمتحدة الدول في الظروف الطبيعية بأكثر من إنفاق 0,7 في المئة من دخلها القومي. يقابل ذلك سخاء أميركي يفوق الخيال على الحروب، التي غالباً ما يدفع الأبرياء ثمنها في أجسادهم وثروات أوطانهم. وبحسب منظمة"أوكسفام"الدولية للتنمية، فإن كل المبلغ الذي تبجحت أميركا للسخاء به لا يعدو قيمة يوم واحد من الحرب التي شنتها على العراق، ومضت عليها سنتان، وإلى ربك منتهاها!، يضاف إلى ذلك أن المنظمة نفسها لفتت إلى أن"التبرعات التي تعهدت الحكومات الغربية بتقديمها لضحايا زلزال آسيا قد لا تصل كلها إلى المنكوبين، مشيرة إلى أن هذه الدول اعتادت على التراجع عن الإيفاء بوعودها بعد زوال التغطية والاهتمام الإعلامي بالكوارث!". منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، بالغ الأميركيون ومعهم كثير من الكتاب العرب في تدبيج مقامات الهجاء، المصحوبة بتهييج الرأي العام السياسي ضد"العمل الإغاثي الاسلامي"والخليجي منه خصوصاً، متهمين إياه بالتورط في دعم الارهاب في شكل إجمالي في أكثر الأحيان، ومن دون اهتمام بإظهار أدلة حول ما يرددونه، إلا أنهم عند وقوع كارثة آسيا مباشرة وجهوا للدول الاسلامية ومنظماتها الاغاثية سهام النقد الجارح مطالبين إياها بالتكفير عن خطاياها في دعم الارهاب بإغاثة المنكوبين في آسيا أخيراً! يقال هذا في وقت فُرغ من صلاة الجنازة على عدد من المؤسسات النشطة في مجال الاغاثة في بعض دول المنطقة بينها السعودية، وتحتضر فيه أخريات تنتظر آجالها. إننا بذلك لا ندافع عن الأخطاء التي ارتكبتها حكومات ومنظمات وأفراد في مجال تسويق الأيديولوجيا والمشاريع السياسية، واتخاذ الاغاثة الانسانية ضحية لها، بقدر الدعوة إلى أنه قبل مطالبة الدول الاسلامية ومنظماتها بلعب دور أكبر، علينا أن نمنحها حرية المبادرة والتحرك، ولا يمنع ذلك من تحديث القوانين وسد الثغرات، ومحاسبة المقصرين، مثلما يحدث مع أميركا نفسها ومنظماتها المدنية التي تجوب العالم، ولو دوِّنت أخطاؤها وفضائحها لكانت سفراً. بالطبع، كل ذلك لا يثني الدول الإسلامية عن القيام بواجباتها نحو المأساة الإنسانية، والتقارير تشير إلى أنها على رغم إمكاناتها المتواضعة نسبياً، ستؤدي دوراً فاعلاً في الاغاثة والإعمار المحض وليس الترويجي والسياسي، والبنك الاسلامي يعد تجربة إسلامية رائدة يحق لكل المسلمين الفخر بها، وآثاره بادية في كثير من البلدان الاسلامية المحتاجة من غير منَّة، كما هو الحال بالنسبة الى معونات زيد أو عبيد، ممن يلمزون المؤمنين في الصدقات،"والذين لا يجدون إلا جهدهم"، سخرية وتهكماً. * صحافي من أسرة"الحياة".