العائلة كما يحددها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا، مجموعة اجتماعية مكونة من شخصين على الأقل وتتألف إما من فردين مرتبطين أو غير مرتبطين بعقد الزواج مع أو من دون أولاد. كما قد تتألف العائلة من شخص بالغ مع أطفال، وهو ما يطلق عليه اليوم"العائلة وحيدة الأب". وبحسب هذا المعهد الذي هو هيئة عامة تقوم بجمع المعلومات الاقتصادية والاجتماعية وتحليلها ومن ثم وضعها في تصرف المسؤولين والمواطنين والمؤسسات، فإن في فرنسا اليوم أكثر من سبعة ملايين شخص يعيشون وحيدين، ومن ضمنهم 4.4 مليون امرأة. وأدخلت في الإحصاءات الأمهات العازبات اللواتي يعشن مع طفل أو أكثر. إذ من بين 2.7 مليون طفل يعيشون مع أحد الوالدين، يوجد 48 في المئة منهم يقيمون مع الأم. تحافظ الأمهات العازبات على عزوبيتهن أكثر من الآباء. فبعد أربع سنوات على الانفصال بين الشريكين، يقوم 44 في المئة من الآباء بالارتباط من جديد فيما لا تتجاوز نسبة الأمهات اللواتي يرتبطن مجدداً سوى 28 في المئة. واعتبر بعض علماء الاجتماع في فرنسا مثل جان كلود كوفمان المتخصص في الشؤون الزوجية والحياة اليومية أن"ثمة ثورة في المجال العائلي"في فرنسا مع وجود هذه الأعداد من النساء الوحيدات. المهنة أولاً تشير الإحصاءات إلى أن الفتيات ينزعن إلى الدراسة وتحقيق أنفسهن على الصعيد المهني في البداية. ويؤخر الطموح المهني تأسيس حياة عاطفية مستقرة. وكلما ارتفع تحصيل المرأة العلمي، ازداد احتمال بقائها عازبة. بعضهن قرر ذلك عن سابق اختيار وتصميم، فالعزوبية قد تكون أسلوب حياة. لكن أخريات لم يملكن الخيار وهن يحتملن حياة الوحدة على مضض، إذ خاب أملهن مع الأيام في الحصول على فتى الأحلام، وأصبح صعباً عليهن اليوم تشكيل أسرة والعيش مع زوج في مجتمع يدعو كل شيء فيه إلى تأكيد الحرية الشخصية، وتحقيق حلم الفرد المتحكم بمصيره بعيداً من"القيود"، والبحث عن السعادة"الفردية"وتحقيق"الذات"ووضع"الأنا"في مركز الاهتمامات. كل ذلك يتم على حساب الروابط العائلية والاجتماعية. ولذلك اتخذ بعضهن القرار بتأسيس أسرة"وحيدة الأب"والحصول على طفل والعيش بمفردهن معه من دون شريك. أما أبرز دوافعهن فهو الرغبة في الأمومة... وتقول إحدى الأمهات العازبات:"كانت رغبتي قوية في الحصول على طفل وقررت الحصول عليه وحدي. عمري 52 سنة وأب طفلي رحل قبل أن يعرف أنني حامل. سيكون هذا الطفل لي وحدي، وقد تكون التربية أفضل عندما يقوم بها شخص واحد". يأتي الخوف من الحياة المشتركة والتوقع الدائم للطلاق الدافع الثاني لأولئك الأمهات العازبات. فكما يقول كوفمان:"صحيح أن الرجال يحلمون أكثر فأكثر بالحب. لكن التفاوت ما زال كبيراً بين المرأة والرجل في هذا الخصوص. فبالنسبة الى الرجل، ما زالت العلاقة الجنسية تحتل الأولوية، فيما تترافق مع الحب عند المرأة. وهي قد تقطع علاقة ما لأنها غير راضية عن نوع الاهتمام الذي يبديه الرجل نحوها، فيما يقوم الرجل بذلك بسبب انخفاض الرغبة لديه". خيبات الامل يلعب الرأي السلبي في الرجال وخيبة الأمل جراء علاقات فاشلة دوراً في قرار الفتاة في العيش بمفردها مع طفلها. وتعتبر إحداهن"الرجال جبناء اليوم إلى الدرجة التي تجعلنا نشعر بأنه من الأفضل أن نكون وحدنا منذ البداية". وليس"الجبن"فقط ما يميز الرجل في نظرهن، بل ضعفه وهربه من المسؤولية. وتقول أخرى في المنبر المفتوح على الإنترنت لشهادات أمهات عازبات:"رحل صديقي الشاب عندما عرف بأنني حامل، فهو لا يريد تحمل المسؤولية باكراً. وكنت أعلم منذ البداية أن طفلي سيكون بلا أب، لكنني قررت الاحتفاظ به وتحمل المسؤولية بمفردي، ووهبه كل ما أستطيع من سعادة وحب لأنني ببساطة بدأت بحبه قبل أن يأتي". والرجل الذي قد يتحمس في البداية لطفل سرعان ما يغير رأيه بعد وصول هذا المخلوق الصغير. تقول إحداهن:"كان الحمل مفاجأة ممتعة لي. كان صديقي متحمساً في البداية لاكمال الطريق معاً. لكن بعد شهرين على الولادة، كفَّ تماماً عن زيارتنا بينما يكتفي بإرسال راتب شهري. لا ترعبني فكرة تربية الطفل بمفردي، إذ كنت مستعدة نفسياً لذلك. لست من الأمهات أو النساء اللواتي يعتمدن كثيراً على الشريك ويصرفن كل طاقاتهن لبناء خلية عائلية تبدو في ما بعد مهلهلة بسبب رجل ضعيف". وتسأل إحداهن:"هل وجود الأب ضروري؟ نحن محظوظات بحمل الطفل في أحشائنا تسعة أشهر وهذا يعطينا حقاً في استغلال هذا الوضع لمصلحتنا". لم يظهر في التعليقات على الإنترنت أي ندم، باستثناء واحدة وصفت قرار المرأة إنجاب طفل بمفردها على رغم معرفتها بعدم وجود أب له"بالأنانية"، فيما كانت الباقيات"بالغات السعادة"مع وجود طفل يملأ عليهن حياتهن على رغم المصاعب التي يواجهنها في تربيته بمفردهن. اذ إن النواحي الإيجابية تتفوق على السلبية..."قررت الاحتفاظ بالطفل بأنني شعرت أنني مهيأة نفسياً لهذا الحدث. لدي عمل جيد وشقة مناسبة وعشت حياتي كلياً لغاية الآن ولست نادمة على اختياري. طفلتي سعيدة ومتوازنة نفسياً ولا ينقصها شيء. تعيش في عائلة شديدة التلاحم ويعمها الود حتى لو لم تكن العائلة التقليدية التي نعرفها. لست نادمة أبداً". وعلى رغم شعور إحداهن بأنه"لمن المؤسف أحياناً عدم تقاسم كل هذا مع أب."فإن الشعور بالحرية هو الذي يغلب. لا يوجد أحد ليقول لي كيف علي أن أتصرف وأنظم وقتي. لا يوجد زوج يحتاج هو الآخر لأم ترعاه". وفي تحليله لظاهرة النساء الوحيدات والأمهات العازبات في كتابه"المرأة الوحيدة وأمير الأحلام"الذي بحث فيه عن الأسباب التي تدفع بالمرأة للعيش وحدها، قام كوفمان بتحليل 451 رسالة لنساء وحيدات يسردن فيها حياتهن. ويقول كوفمان إن المرأة تتحدث في مرحلة المراهقة عن أمير الأحلام، وفي الثلاثينات عن الرجل المثالي. بعد ذلك ومع تزايد الضغوط الذهنية المرتبطة بالحياة الفردية، تبدأ بالقول إنه لا يوجد وقت للبحث عن رجل بل أب لأولادي. ويتحول الأمير صورة زوج وأب جيد. وبما أن الحياة ليست على مستوى الأحلام، فإن الأمير يصبح ثانوياً ويتم استبداله بالطفل أي"الطفل - الأمير". هنا قد تصبح الوحدة مطلباً، ف"إذا لم نستطع الحصول على حياة مشتركة تتطابق مع الأحلام، لماذا لا نبقى إذا وحيدين مخلصين لذواتنا؟".