سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يطمح لدخول التاريخ عبر "جدول أعمال اقتصادي" وضعه المواطن في أسفل اهتماماته . بوش يستبدل سياسة الدولار الضعيف بسياسة نقدية أكثر تشدداً في ولايته الثانية
أطلق البيت الأبيض حملة ترويج قوية لجدول أعمال اقتصادي تبناه الرئيس جورج بوش لفترته الرئاسية الثانية ويأمل بأن يدخله التاريخ"من أوسع أبوابه". لكن محللين اقتصاديين نبهوا من أن جدول الاعمال الجريء الذي يمكن أن يعزز أداء الاقتصاد الأميركي في المدى الطويل ويمنح الدولار، في المدى القصير، دعماً افتقده طوال الأعوام الثلاثة الماضية، سيحتاج الى خوض معركة شرسة مع الكونغرس قبل اقراره. وذهب محللون الى حد اعتباره محاولة للفت الأنظار بعيداً عن المأزق الأميركي في العراق متوقعين بأن يحتل أكبر مساحة في خطاب التنصيب غداً الخميس. وليس جدول الأعمال الاقتصادي سراً، وان كان اتخذ شكله النهائي عندما تحدث رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض جورج مانكيو، في الاجتماع السنوي لرابطة الاقتصاديين الأميركيين في واشنطن الاسبوع الماضي، عن ثلاث مبادرات منحها الرئيس بوش أعلى درجة من الأولوية في فترته الرئاسية الثانية، وهي: اصلاح النظام الضريبي وخفض عجز الموازنة واصلاح برنامج الضمان الاجتماعي. وبدا على الفور أن البيت الأبيض اختار حصر اهتماماته الاقتصادية في الساحة المحلية، لكن اتضح سريعاً أن جدول اعمال الفترة الرئاسية الثانية لم يتجاهل مسائل ذات أبعاد عالمية مثل الدولار وأسعار الفائدة، أقله بشكل غير مباشر. ويعتبر النظام الضريبي الأميركي الأكثر تعقيداً. وتأكيداً لذلك أشار مانكيو، الأكاديمي الذي اختاره بوش في عملية اعادة ترتيب جذرية ومفاجئة لفريقه الاقتصادي في أيار مايو 2003، الى أن النظام الحالي"يشكل عبئاً على الاقتصاد الأميركي ويثبط الادخار والاستثمار ويتطلب من الأفراد والشركات انفاق ما يصل الى 100 بليون دولار سنوياً فضلاً عن ملايين الساعات للتقيد بقوانينه". ولم يكن ابراز مساوئ النظام الضريبي اعتباطياً اذ أن الاقتصاديين يتفقون على أن ما تعانيه أميركا من انخفاض قياسي في مستويات الادخار لعب الدور الرئيسي في تفاقم عجز حسابها الجاري أحد أهم أسباب ضعف الدولار. وفي تحول مثير اعترف مانكيو بأن عجز الموازنة المالية، الذي دأبت ادارة بوش وغالبية أقطابها على التقليل من خطورته في الفترة الرئاسية الأولى قبل أن تقرر وضعه في قائمة أولوياتها في الفترة الثانية، يشكل فعلياً"عبئاً ثقيلاً على الأجيال المقبلة من دافعي الضرائب ويساهم في ارتفاع أسعار الفائدة ويعمل على حرمان الأفراد والشركات من فرص الحصول على التمويل اللازم للاستثمار". لكن خطة خفض العجز المالي ليست جديدة وحظيت أخيراً بترحيب شديد من قبل محافظي المصارف المركزية الدولية بسبب دورها الخطير في اضعاف الدولار ورفع أسعار الفائدة. الترويج الرئاسي وتولى بوش بنفسه مهمة الترويج للبند الثالث في جدول أعماله الاقتصادي، معتبراً مهمة اصلاح برنامج الضمان الاجتماعي"تحدياً اقتصادياً"وحذر في خطابه الاسبوعي السبت الماضي من أن هذا البرنامج، الذي يعود تأسيسه الى حقبة الكساد الكبير في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي ويجبي مساهمات ضرائب من العاملين وأرباب العمل لتمويل المعاشات التقاعدية، سيعاني من العجز عن الوفاء بالتزامته سنة 2018 ويتعرض للافلاس الكامل سنة 2042 حين ستصل قيمة العجز الى 10.4 تريليون دولار، ما يعادل القيمة الاجمالية للناتج المحلي الأميركي. وشارك وزير الخزانة جون سنو، الذي جاهر البيت الأبيض برغبته في استقالته لكنه احتفظ بحقيبته الوزارية وموقعه الرئيسي في الفريق الاقتصادي للبيت الأبيض"بالتزكية"في ابراز أهمية اصلاح البرنامج الاجتماعي في تعزيز أداء الاقتصاد الأميركي في المدى الطويل، اضافة الى انعاش أسواق المال، وقال في سلسلة من المقابلات نهاية الاسبوع الماضي ان"رجال وول ستريت حي المال يعلمون أن اصلاح نظام الضمان الاجتماعي وضمان مستقبله سيفيد الوضع المالي لأميركا". وأشار الى خطة البيت الأبيض بالسماح للمساهمين في البرنامج باستثمار جزء من حقوقهم، في حسابات فردية، بالأسهم والسندات. ويبدو من المحتم أن حملة الترويج لجدول اعمال الفترة الرئاسية الثانية ستشهد تطورات دراماتيكية في الأسابيع المقبلة، لا سيما أن الفريق الاقتصادي للبيت الأبيض بالكاد اكتمل بعد اختيار بوش زميله القديم الأكاديمي آل هوبارد ليكون كبير مستشاريه لشؤون الاقتصاد وتعيين رجل الأعمال الكوبي الأصل رئيس شركة الأغذية الأميركية الضخمة"كيلوغ"كارلوس غوتييرز وزيراً للتجارة. ولا يخفي المحللون الاقتصاديون والسياسيون اعتقادهم بأن بوش سيحتاج الى جهود كل فرد من أعضاء فريقه الاقتصادي لضمان نجاح جدول أعمال يضم اثنتين من أكثر المسائل سخونة الضرائب والضمان الاجتماعي ومن شأنه أن يضمن لصاحبه موقعاً مهماً في تاريخ أميركا. وانعكست شكوك المحللين في ما لا يقل عن اثنين من استطلاعات الرأي التي كشفت على مدى الأيام الثلاثة الماضية أن العراق، وفي درجة أقل قليلاً الارهاب، يتصدر اهتمامات المواطن الأميركي وهمومه، وأن نسبة هزيلة جداً من المستطلعة آراؤهم ترى في التصدي لمسألتي الضرائب والضمان الاجتماعي ضرورة قصوى أو حتى عاجلة. وفي تطور أكثر اثارة أظهر أحد الاستطلاعات بأن نسبة الرضى عن الطريقة التي عالج بها بوش مسألة برنامج الضمان الاجتماعي لاتتعدى 38 في المئة بينما تصل نسبة غير الراضين الى 55 في المئة، ما اعتبره المحللون مؤشراً قوياً على أن تركيز البيت جهوده في تحويل أجندته الاقتصادية الى قوانين ستكون شرسة وربما كانت محاولة للفت الأنظار عن العراق. لكن المحللين، وحتى أولئك الذين يتهمون الفريق الاقتصادي للبيت الأبيض بممارسة"التطبيل والتزمير"ويقللون من فاعليته، يستشهدون بفشل ادارة بوش بتحقيق الغالبية العظمى من أهداف الفترة الرئاسية الأولى، لا سيما استراتيجية الطاقة، شاركوا سنو ومانكيو تأكيداتهما الصريحة والضمنية بأن نجاح برنامج الفترة الثانية سيعزز اقتصاد أميركا ووضعها المالي ويضع حداً للتدهور المستمر الذي بدأه الدولار قبل ثلاثة أعوام وأفقده حتى الآن 16 في المئة من قيمته الدولية التجارية و27 في المئة من قيمته مقابل العملات الرئيسية مساهماً في ارتفاع أسعار النفط وتعاظم الضغوط التضخمية التي يمكن أن يكون لها أثر سلبي في أسعار الفائدة. ولفت المحلل الأميركي ستيفن جين الى أن ادارة بوش بدأت للتو الافصاح عن سياسة أسعار صرف معدلة من شأنها أن تعزز أسعار صرف الدولار، وظهرت دلالاتها في تصريح وزير الخزانة أخيراً، وفي اشارة الى اعلان خطة خفض العجز مالي، بأن"أميركا ستفعل ما من شأنه أن يحفظ للدولار قوته"وقول الرئيس بوش في تصريحات للصحافيين بعد لقائه رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني في واشنطن منتصف الشهر الماضي ان ادارته"بصدد تطبيق سياسات تقود الى ايجاد أساسيات اقتصادية ايجابية تدعم الدولار"، موضحاً أن هذه التصريحات تعتبر اعترافاً غير مسبوق بأن الدولار يتأثر بالسياسات التي تنتهجها واشنطن. ورأى الاقتصادي الأميركي المخضرم ستيفن روتش في تحليل منفصل نشره أول من أمس أن"تعديل سياسة أسعار الصرف لا يُشكل أكثر من اعتراف صريح بأن سياسة الدولار الضعيف لم تحقق أهدافها بعدما فشلت في الحؤول دون ارتفاع قيمة العجز التجاري للولايات المتحدة من أقل من 40 بليون دولار في تشرين الثاني نوفمبر عام 2002 الى أكثر من 60 بليون دولار في تشرين الثاني الماضي لكنه توقع الاستعاضة عنها بسياسة نقدية أكثر تشدداً بحيث تدفع بسعر الفائدة الأميركية من 2.25 في المئة حالياً الى 4 وربما 5 في المئة بنهاية العام الأول للفترة الرئاسية الثانية لبوش.