مجموعات الخط الأول في عالمنا العربي معروفة، وهي أنصار بن لادن والزرقاوي، وأتباعه من أصحاب قطع الرؤوس، ومجموعات العمليات الانتحارية وقتل الناس على الهوية، وحرق الكنائس والحسينيات. هؤلاء هم خط الدفاع الأول عن قضايا الأمة العربية والإسلامية. وهم معروفون وايديولجيتهم واضحة. أمّا خط الدفاع الثاني فقوامه محطات الإذاعة والفضائيات والصحف والمتبوؤون على كراسي الجامعة العربية، واتحادات الكتّاب والمحامين، وغيرها من اتحادات مهنية في عالمنا العربي مع وجود أقلية منهم ذات الخطاب النيّر والضمير الحي. مواقف جماعة الخط الثاني هي تبرير أعمال الخط الأول، مهما بلغت تلك الأعمال من بشاعة. فدائماً ما يجدون مبرراً. حتى أخس تلك الأعمال التي لا يمكن لبشر أن يدافع عنها، يجري ذكرها أو استهجانها من طريق الفضائيات والصحف بطريقة خجولة مقتضبة. ومثال ذلك حرق وتفجير الكنائس في العراق. وجماعة الخط الثاني هم على درجة عالية من التعليم والتثقيف. وكان بالأحرى أن يكونوا نبراساً لهذه الأمة وان يقُودوا ولا يُقادوا من قبل العوام والغوغاء. مع هذا تراهم يُشيرون دائماً الى القشة في عين الآخرين، متغاضين عن الخشبة في أعينهم، وينسون القول الكريم"الساكت عن الحق شيطان أخرس". تفجير السيارات أو الأفراد بين السكان المدنيين لا يحدث إلا عندنا هذه الأيام. وقتل موظفي الإغاثة ونسف مقراتهم، أو طردهم، لا يحدث إلا في عالمنا. ومنذ أكثر من ستين عاماً والفرد ينشأ ويترعرع، ومعظم ما يسمع ويرى ويقرأ يشجع على الحقد والضغينة تجاه الآخر سواءً كان هذا الآخر عشيرة، أو طائفة أخرى، أو بلداً غير بلده. ودائماً هذا الآخر هو الاستعمار وعملاؤه، أو الصهيونية أو الشيوعية... وأخيراً، وليس آخراً، المحافظون الجدد. وهم مجتمعين أو فرادى دائماً وراء كل مصائبنا وقصورنا أو تقصيرنا، ننبش التاريخ لنحتج بأبشع الوقائع. لا يُضير جماعة الخط الثاني، وهم النخبة، ان أقل معدلات التنمية والانتاجية في العالم هي في عالمنا، لا يرف لهم جفن لمدى انحطاط المستوى العلمي في مدارسنا وجامعاتنا. لا يؤثر فيهم أو يحركهم معدلات البطالة العالية. يهبون دائماً للهجوم على هذا الآخر عندما يشير الى بعض الطغاة أو المختلفين، أو عندما تذكر احدى الصحف العالمية بعض عيوبنا، ويعتبرونه تدخلاً سافراً في شؤوننا السيادية. كنتُ قبل مدة قصيرة في زيارة عمل الى الهند وهي لا تزال من دول العالم الثالث، وعلى رغم مشكلات ذلك البلد، وأخطرها الفقر، أذهلني مستوى التسامح هناك. على أرض الهند أُناس من جميع أديان وطوائف العالم تقريباً. وهم يمارسون طقوسهم وديانتهم بكل حرية. يتكلم أهل الهند مئات اللغات واللهجات المختلفة، ومن دون حرج أو تعالٍ على بعض. ان معظم الهنود يدينون بالديانة الهندوسية. مع هذا فرئيس الجمهورية مسلم، ورئيس الوزراء من طائفة السيخ. ان مجموعات الخط الأول من متطرفين الى حد الجنون هم في الحقيقة ليسوا إلا افرازات ونتاج الخط الثاني من الذين أمسكوا بالإعلام، ودرّسوا التاريخ، وخطبوا معظم سنوات القرن الماضي، فترعرع أولئك النفر من الناس وهم لا يسمعون، أو يشاهدون، أو يقرأون غير الحقد الموجه الى الغير. ينمو الفرد في العالم العربي في محيط يخفي عيوبه أو ينكرها، ويبالغ في هفوات الغير. يتفاخر بعادات بائدة كالثأر والعار. تذكرت، وأنا في الهند، المثل الشعبي عندنا، ويقال بتبجح وغطرسة:"أنا مش هندي"أو"أنا مُو هندي"باللهجة العراقية. وأنا، العراقي الأصل، أقول لهم:"يا ليتكم كنتم هنوداً". الولاياتالمتحدة الأميركية - زهير عبدالله