سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
400 عام على صدور "دون كيشوت" رائعة الاسباني ثرفانتس . روائيون عرب يكتبون عن فارس "طواحين الهواء" ... ومقاطع من الترجمات الثلاث 2 . ثلاث ترجمات عربية ل"دون كيشوت" : أي صيغة نختار ؟
في ناحية من نواحي إقليم المَنْتشا، لا أريد أن أذكر لها اسماً، ومن زمن غير بعيد كان يعيش نبيل ممّن في مَسْلَحتهم رمح، ولهم تُرسٌ عتيق وبرذونٌ ضامر وكلب سلوقي. وكان ينفق ثلاثة أرباع دخله في قِدْرٍ يطهو فيه من لحم الضأن أكثر من لحم الثور، وشرائح لحم مخللة كل عشاء تقريباً، ومزيج من البيض والودك، وعدس في يوم الجمعة، وزغلول حمام فوق الطعام المعتاد أيام الآحاد. وكان ينفق ما تبقى في شراء صدرية من الجوخ الرقيق، وتُبان من المخمل وخُفَّين من القماش نفسه، من أجل أيام الأعياد، وحُلة من أفخر العِهن كان يتباهى بها خلال أيام الاسبوع. وكانت تقيم معه جارية تجاوزت سن الأربعين، وبنت أخ لم تبلغ العشرين، وصبي للحقل والمدينة كان يُسرج البرذون ويستعمل المنجل. وكان صاحبنا النبيل يشارف الخمسين، مجدول الخَلْق، ضامر البدن، أعجف الوجه، شديد البكور، مولعاً بالصيد. وكان يقال انه يلقب"كيخادا"أو"كيسادا"، ففي هذه المسألة خلافٌ بين المؤلفين الذين تناولوه، وإن كان أرجح الآراء يومئ الى أن لقبه هو"كيخانا". بيد أن هذا أمر ليس بذي بال في قصتنا هذه، والمهم هو ألا نحيد في رواية الوقائع عن الحقيقة قيد أنملة. ويجب أن تعلم إذاً ان هذا النبيل كان يقضي الأوقات التي لا عمل فيها، أعني طوال العام تقريباً، في الانكباب على قراءة كتب الفروسية، بلذة ونهم يبلغان حداً يجعله يكاد ينسى الخروج للصيد وإدارة أمواله. وقد حمله حب الاستطلاع والإفراط في هذه القراءة على بيع فنائق كثيرة من أجود أراضي القمح من أجل شراء كتب في الفروسية يقرأها. ولهذا اقتنى في منزله منها كل ما استطاع اقتناءه. وكان يرى أن أروعها جميعاً تلك التي وضعها فلثيانو دي سلفا الشهير. ذلك انه كان مأخوذاً بوضوح نثره، وبدت كلماته المعقودة كأنها عقود اللؤلؤ، خصوصاً حينما يبلغ من قراءته الى قوله في مواضع عدة من رسائل الغزل والتحدي:"إن علة علة العقل التي أصابت عقلي أضعفت عقلي حتى شكوت لعلة من جمالك"، أو قوله:"ان السموات العُلى التي تقوي إلهيتك إلهياً بعون النجوم، وتجعلك مستحقة للحقوق التي تستحقها عظمتك". ترجمة: عبدالرحمن بدوي دار المدى، دمشق منذ وقت قريب، كان يعيش في قرية من قرى لا مانشا، لا أود ذكر اسمها، شريف من الأعيان ذوي رماح المستودعات والدروع القديمة والجياد العويلة، وكلاب الصيد العداءة. القدر في المطبخ يألف لحم البقر الخشن أكثر من لحم الضأن الطري. ومسقعة من لحم البقر المفروم بالملح والخل والبصل في معظم الليالي، وذلك مع عجة بالبيض وحلويات الحيوان أيام الستب والعدس الجمع، وأفراخ يمام فوق ما سبق، أيام الآحاد. كان هذا الطعام يستهلك ثلاثة أرباع دخله، والباقي كان يستهلك في الملابس من عباءة وسراويل قطيفة لأيام الأعياد بجانب البنتوفلو المستخدم في الغرض نفسه، أما باقي أيام الأسبوع فكان يتباهى بثوبه الرقيق الحاشية. وكان عنده أَمَة ربة بيت في بيته تجاوزت الأربعين، وابنة أخت لم تبلغ العشرين، وصبي خادم في البيت والغيط، ويعد له الحصان للركوب ويهذب الأشجار. يقارب عمر شريفنا العين الخمسين، طبيعته جارفة، جاف الجسم، يابس الوجه، ممن يسهرون الليالي، ويعشقون الصيد. ويودون القول انه كان يكنى باسم"كيخادا"أو"كيسادا"، وفي هذا بعض الخلاف بين المؤلفين الذين يكتبون عنه، لكن مع الاحتمالات التي يفتحها التكهن يمكن أن يترك للفهم انه كان يسمى"كيخانا". لا يهم - على العموم - ذلك في الكثير أو في القليل حكايتنا: فخلال قصها لن تخرج قط عن مجرى الحقيقة. من ثم، فلتعرف ان العين السالف الذكر، خلال أوقات فراغه وهي تشغل معظم أيام السنة كان يكرس نفسه لقراءة كتب الفروسية، بكل مزاج واستهواء، حتى انه نسي ممارسة الصيد من كل اتجاه، كما نسي إدارة أملاكه، وبلغ تشوفه وهوسه في هذا الكثير لدرجة ان باع كثيراً من القراريط من أرض البذر كي يشتري كتب الفروسية التي يقرأها، وكذا أحضر الى بيته أكبر قدر استطاع الحصول عليه منها. ولم يبد له من بينها أفضل من تلك الكتب التي ألفها فليثيانو دي سيلبا الكاتب المشهور بسبب نصاعة نثره، وتشابك حججه التي تشبه الجواهر، وأكثر من ذلك عندما يصل الى قراءة تلك الحركات للكر والفر، وخطابات التحدي، أو حيث كان يجد مكتوباً في صفحات كثيرة:"عقل دون العقل الذي يصير العقل بي، حتى ان العقل مني يضعف، فمن العقل أن أشكو حلاوتكم أيها المحبوب". وأيضاً عندما كان يقرأ:"السموات السامية لسماويتكم سماوياً مع النجوم تدعم قلاع سماك، وتجعلك جديرة بالجدارة التي بها عظمتكم". ترجمة: سليمان العطار المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة في ضيعةٍ ما من لا مانتشا، لا أريد أن أذكر اسمها، كان يعيش منذ زمن ليس بالبعيد نبيل ممن يملكون رمحاً ودرقةً قديمةً وجواداً بائساً وضامراً وكلباً سلوقياً، طبيخه فيه شيء من لحم الخروف، وقليل من لحم البقر، عشاؤه في أكثر الليالي بقايا لحم مُتبّل بالخل والبهارات، وبيض وشحم خنزير أيّام الأحد. وكان هذا يستهلك ثلاثة أرباع دخله، والباقي ينفقه على قميص وسترة له من قماش حسن وسروال مخملي وجوربين من القماش ذاته يغطيان خفيه، ويتأنق بثياب من قماش فاخر خلال أيام الأعياد وبقية أيام الأسبوع. وكان عنده في البيت خادمة تخطت الأربعين من عمرها، وابنة أخت لم تبلغ العشرين، وغلام لكل الأمور فهو يسرج الحصان ويقلّم الأشجار، بينما نبيلنا يناهز الخمسين. كان قويّ البنية، جافّ اللحم، أعجفَ الوجه، باكر الاستيقاظ ومولعاً بالصيد، يرى بعضهم انه يلقب بكيخادا أو كِسادا وفي هذا اختلاف بين المؤلفين الذين كتبوا حول هذا الموضوع وان كان يُفهم من مجمل الآراء انه كان يُدعى"كيخانا"، لكن هذا ليس بذي أهمية كبيرة بالنسبة لحكايتنا، ويكفي ألا نحيد في روايتنا عن الحقيقة قيد شعرة. إذاً، من الجدير بالمعرفة أنّ النبيل المذكور كان يُزجي أوقات فراغه - وهي أكثر أيام السنة - في قراءة كتب الفروسية بحماسة ورغبة، فنسي تماماً هواية الصيد بل وادارة أملاكه أيضاً. وصل به الفضول الفارغ والحماقة حد أنه باع مساحات كبيرة من أراضيه الزراعية ليشتري كتب فروسية يقرأها، وهكذا حمل الى بيته كل ما استطاع حمله منها، مع ذلك لم يرَ بينها ما هو أهم من تلك التي كتبها فليثيانو دِ سلبا ** الشهير لأن جلاء نثره وبناء جمله بدا له لؤلؤاً، خاصة حين كان يصل في قراءته الى تلك المقاطع من الغزل ورسائل التحدي، حيث يجده يكتب في أماكن كثيرة:"ان دافع الجور يأخذ بدماغي فيهن عقلي وأشكو بحق من جمالك"، وكذلك حين كان يقرأ:"السماوات العلوية تعزز قدسيتك بقدسية النجوم وتجعلك تلقين الاستحقاق الذي يليق بعظمتك...". ترجمة: رفعت عطفة دار ورد، دمشق