على رغم الاضطرابات في العراق والأراضي الفلسطينية، إلا أن دول المنطقة حققت العام الماضي ثاني أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم بعد الصين، وجاء النمو في حدود 6 في المئة مقارنة مع 9.4 في المئة للصين و4 في المئة للولايات المتحدة و5 في المئة كمعدل نمو للاقتصاد الدولي ككل. وساعد في تحقيق هذا الأداء الجيد ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات جديدة وبقاء أسعار الفوائد المحلية منخفضة ووجود أحجام سيولة فائضة في النظام المصرفي واتباع حكومات دول المنطقة لسياسات مالية توسعية. ويتوقع أن تشهد المنطقة العربية نمواً اقتصادياً جيداً السنة الجديدة أيضاً، غير أنه قد لا يصل إلى المستويات المحققة العام الماضي. ولا بد من الأخذ في عين الاعتبار الاتجاهات الاقتصادية الدولية التي سيكون لها تأثيرها في الأوضاع الاقتصادية في دول المنطقة. وأقفل سعر برميل خام القياس الاوروبي"برنت"عام 2004 عند 40.3 دولار، بعدما وصل إلى 51 دولاراً في تشرين الأول اكتوبر من العام الماضي، ويتوقع أن يؤدي الارتفاع في أسعار النفط والسياسة المالية المتشددة في الولاياتالمتحدة وضعف سعر صرف الدولار الأميركي إلى تراجع طلب الولاياتالمتحدة على الواردات وما لذلك من تأثير سلبي في الاقتصاد الدولي لذا يتوقع عدد من المحللين أن لا تتعدى نسبة نمو الاقتصاد الدولي السنة الجارية 4 في المئة مع ارتفاع طفيف في معدلات التضخم. وتشير الدراسات الى أن الطلب الدولي على النفط سيرتفع هذه السنة بنحو 1.8 مليون برميل يومياً وهو أقل من الارتفاع الذي سجله عام 2004 الذي كان في حدود 2.5 مليون برميل يومياً، كما أن العراق قد لا يستطيع زيادة انتاجه مما سيساعد أن تحافظ أسعار النفط على مستوياتها الحالية. ويتوقع أن يكون متوسط سعر برميل"سلة أوبك"في حدود 32 دولاراً عام 2005 مقارنة مع 36 دولاراً عام 2004 و28.1 دولار عام 2003. وفي منطقة الخليج، يتوقع أن يكون معدل النمو في اجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية أقل السنة الجارية منه في العام الماضي وذلك بسبب التراجع في أسعار النفط والغاز الطبيعي وقد يطرأ أيضاً انخفاض طفيف على معدل نمو اجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة لقطاع النفط، خصوصاً بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، التي قد يتراجع معدل انتاجها الى 9 ملايين برميل يومياً سنة 2005 مقارنة مع 9.5 مليون برميل يومياً العام الماضي. وستشهد النشاطات غير النفطية في دول المنطقة معدلات نمو قوية هذه السنة أيضاً، معوضةً جزءاً كبيراً من التراجع في معدلات نمو القطاعات النفطية. وفي المحصلة يتوقع لاجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة أن ينمو بمعدل أقل بعض الشيء من المستويات المحققة العام الماضي. العائدات وتجدر الاشارة الى أن العائدات النفطية لدول الخليج ارتفعت بنسبة 35$ عام 2004 بسبب الزيادة المحققة في أسعار النفط بنسبة 25$ وارتفاع معدلات الانتاج بنسبة 10$، غير أن هذه العائدات قد تنخفض قليلاً هذا العام لكنها ستبقى كافية للسماح لحكومات دول الخليج باتباع سياساتها المالية التوسعية التي وضعتها في موازنات سنة 2005. وسيشهد القطاع الخاص أداءً جيداً سنة 2005 أيضاً خصوصاً في قطاع تجارة الجملة والتجزئة والصناعة والنقل والاتصالات والعقارات والمصارف والتمويل والرعاية الصحية، كما أن استهلاك القطاع الخاص سيستمر بالارتفاع مدفوعاً بالعوامل الايجابية التي أدت الى تسارعه العام الماضي، خصوصاً الزيادة الكبيرة في القروض الشخصية والاستهلاكية التي تقدمها المصارف للأفراد وبقاء أسعار الفائدة المحلية عند مستويات منخفضة. قُدر معدل النمو الاقتصادي للمملكة العربية السعودية عام 2004 بحوالي 5.3 في المئة بالأسعار الثابتة و16.9في المئة بالأسعار الجارية ليصل اجمالي الناتج المحلي الى 248.5 بليون دولار، أي أعلى من مجموع اجمالي الناتج المحلي لمصر والامارات العربية المتحدة وهما ثاني وثالث أكبر الاقتصادات العربية. وقدر النمو في القطاع النفطي، الذي يشكل ثلث اجمالي الناتج المحلي للسعودية، بنحو 5.9 في المئة، بينما حقق القطاع الخاص غير النفطي الذي يشكل نحو 44 في المئة من اجمالي الناتج المحلي نمواً بمعدلات جيدة تصل الى 5.7 في المئة. ويتوقع أن تشهد المملكة العربية السعودية نمواً سنة 2005 يصل الى 4 في المئة بالأسعار الثابتة، كما أن الأداء الجيد للقطاعات غير النفطية سيستمر محققاً معدلات نمو في حدود 6 في المئة. وشهدت دولة الامارات العربية المتحدة نمواً اقتصادياً مرتفعاً العام الماضي وصل الى نحو 10.4 في المئة بالأسعار الثابتة مقارنة مع 7 في المئة عام 2003 مدعوماً بزخم النشاط الاقتصادي في قطاعات الانشاءات، والخدمات المالية، والسياحة، وتجارة الجملة والتجزئة. وستبقى العوامل المحفزة للنمو الاقتصادي سائدة سنة 2005، أهمها زيادة حجم الاستثمارات وارتفاع أسعار العقارات والأسهم وما لذلك من تأثير ايجابي على معدلات انفاق المستهلكين، أضف الى ذلك السيولة الفائضة وزيادة الاقراض من قبل المصارف في دولة الامارات والسياسة المالية التوسعية للحكومة وكلها قد تؤدي الى تحقيق الامارات لمعدلات نمو اقتصادي قد تصل الى 7 في المئة هذه السنة. واستطاعت الكويت أن تحقق نمواً في اجمالي الناتج المحلي العام الماضي في حدود 15.5 في المئة بالأسعار الجارية و5 في المئة بالأسعار الثابتة، مقارنة مع 15 في المئة و5 في المئة على التوالي عام 2003، ويعود ذلك الى ارتفاع أسعار ومعدلات انتاج النفط بالاضافة الى الأداء الجيد للقطاعات الاقتصادية غير النفطية. وأدت السياسات المالية التوسعية للدولة الى تشجيع الاستثمار وحفزالانفاق الاستهلاكي، ورفع البنك المركزي الكويتي أسعار الفائدة خمس مرات الى 4.75 في المئة نهاية عام 2004. لذا يتوقع أن يسجل اجمالي الناتج المحلي سنة 2005 نمواً بنسبة 13 في المئة بالأسعار الجارية و4.5 في المئة بالأسعار الثابتة. وحققت دولة قطر معدلات نمو اقتصادي بالأسعار الثابتة كانت الأفضل بين دول المنطقة العام الماضي اذ وصلت الى نحو 10 في المئة، غير أنه يتوقع لها أن لا تزيد على 8 في المئة سنة 2005. كذلك كانت الحال مع سلطنة عمان التي جاء معدل نموها الاقتصادي في حدود 4.5 في المئة العام الماضي مقارنة مع 4 في المئة عام 2003، ويتوقع أن تشهد السلطنة نمواً جيداً السنة الجارية أيضاً بنحو 3.5 في المئة. وبالنسبة الى البحرين، يُقدر معدل النمو في اجمالي الناتج المحلي لعام 2004 بنحو 6 في المئة مقارنة مع 5.1 في المئة عام 2003، وتشكل العائدات النفطية للبحرين بنحو 24.3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وما نسبته 73 في المئة من الايرادات الحكومية. ولا بد من الاشارة هنا الى أن حقل أبو سعفة الذي كانت تحصل البحرين على نصف انتاجه مجاناً من المملكة العربية السعودية يشكل نحو 84.2 في المئة من اجمالي انتاج البحرين من النفط الخام، واذا ما أبقت المملكة العربية السعودية على قرارها بوقف امداد البحرين بالنفط السعودي من حقل أبو سعفة فان هذا سينعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي للبحرين السنة الجارية. وبالنسبة الى الدول العربية في منطقة غرب آسيا، التي تشمل الأردن ولبنان وسورية ومصر، يتوقع أن يكون أداؤها الاقتصادي هي الأخرى جيداً السنة الجارية. فانخفاض أسعار الفوائد المحلية، والموازنات المالية التوسعية لهذا العام وتراجع نسبة القروض المتعثرة لدى معظم المصارف وارتفاع حجم التحويلات التي يرسلها العمال الوافدون في دول الخليج الى ذويهم، وتنشيط حركة السياحة بين دول المنطقة وارتفاع حجم الأرباح الموزعة لعدد كبير من الشركات المدرجة وزيادة في الصادرات المسعرة بالدولار الى أسواق أوروبا ودول الخليج العربي والولاياتالمتحدة كلها عوامل ايجابية تدعم معدلات النمو الاقتصادي لهذه الدول. ويتوقع أن يحقق الأردن معدل نمو في الناتج المحلي الاجمالي يصل الى 6 في المئة بالأسعار الثابتة في عام 2005، بعدما سجل معدلاً قياسياً وصل الى 7 في المئة في عام 2004، كذلك سيرتفع معدل النمو بالأسعار الثابتة في مصر من 5.3 في المئة هذا العام الى 5.8 في المئة عام 2005، أما بالنسبة الى معدلات النمو الاقتصادي لسورية والتي كانت في حدود 4.5 في المئة في العام الماضي، فيتوقع أن تشهد تراجعاً طفيفاً لتصل الى 3.5 في المئة. وعلى رغم توقع تحقيق دول المنطقة لمعدلات نمو اقتصادي مرتفع للعام الثالث على التوالي، الا أن هذه الدول لا تزال بعيدة كل البعد عن الاستفادة من كامل امكاناتها اذ أن نسبة البطالة التي تصل بالمعدل الى 15 في المئة لا تزال مرتفعة خصوصاً بين الشباب، لذلك لا بد للقطاع الخاص في دول المنطقة من تحقيق معدلات نمو سنوية تراوح ما بين 5 في المئة الى 6 في المئة لسنوات عدة مقبلة لكي يتم استيعاب الأعداد الكبيرة من القوى العاملة الجديدة، حيث أن حوالي 50 في المئة من السكان هم ما دون سن العشرين. السيولة الفائضة ان ارتفاع العائدات النفطية لدول المنطقة وتوافر السيولة الفائضة لدى الجهاز المصرفي وزيادة الاستثمارات ضمن غيرها من التطورات الايجابية كلها أمور ستساعد على تحقيق الازدهار والنمو الاقتصادي المنشود. الا أن تردي الأوضاع في العراق والاضطرابات المستمرة في الأراضي الفلسطينية ستبقى من أهم عوامل عدم اليقين المؤثرة سلباً على المناخ الاقتصادي. ونأمل أن تؤدي الانتخابات المزمع عقدها في بداية عام 2005 في كلا الدولتين الى حدوث تطورات ايجابية تؤدي لاحقاً الى تقليص المخاطر التي تحد من تعامل المستثمر الخارجي مع دول المنطقة. * الرئيس التنفيذيز جوردانفست.