1 الأيوبيون ما زالت عائلات كبرى عربية وأعجمية تتمسك بنسبة الأيوبي في بلاد العرب والمسلمين، ومعظم هذه العائلات ينتسب إلى فرعين محترمين يتصل أحدهما بالصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ويتصل الثاني بالسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي الكردي التكريتي، وهو: يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان رحمه الله، ومن المشهور عن الرجلين أنهما من أعلام الإسلام، ومن خيرة المجاهدين الكرام في سبيل الله. 2 أبو أيوب الأنصاري هو أبو أيوب، خالد بن زيد، بن كليب، بن ثعلبة، بن عبد عمرو، بن عوف، بن غنم، بن مالك، بن النجار، بن ثعلبة، بن الخزرج الأنصاري، أحد السابقين الأولين في الإسلام من الأنصار، ورجل فاضل من أفاضل المدينةالمنورة قبل الإسلام وبعده، وقال ابن إسحاق: شهد أبو أيوب بيعة العقبة الثانية، وذكره عروة بن الزبير بن العوام والجماعة رضي الله عنهم في البدريين، وعن ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي أيوب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما، وخصّه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول ضيفاً عليه في بني النجار إلى أن بُنِيَتْ للنبي حُجرة أم المؤمنين سودة بنت زمعة، وبني المسجد النبوي الشريف. وفي سيرة ابن عباس رضي الله عنه: أنه كان أميراً على البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ووفد عليه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فبالغ في إكرامه، وقال له: لأجزينك على إنزالك النبي صلى الله عليه وسلم عندك، كم عليك؟ قال: عشرون ألفاً فأعطاه أربعين ألفاً، وعشرين مملوكاً، ومتاع البيت. 3 راوية الحديث النبوي الشريف حدَّث عن أبي أيوب الأنصاري: جابر بن سمرة، والبراء بن عازب، والمقدام بن معد يكرب، وعبدالله بن يزيد الخطمي، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وموسى بن طلحة، وعروة بن الزبير بن العوام، وعطاء بن يزيد الليثي، وأفلح مولاه، وأبو رهم السماعي، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وعبدالرحمن ابن أبي ليلى، وقرثع الضبي، ومحمد بن كعب، والقاسم أبو عبدالرحمن، وآخرون. ورد في مسند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مئة وخمسة وخمسون حديثاً نبوياً شريفاً، وقد روى البخاري ومسلم: سبعة أحاديث بإسنادها إلى أبي أيوب، وانفرد صحيح البخاري بحديث واحد، وانفرد صحيح مسلم بخمسة أحاديث، وهذا غير ما اتفقا عليه في الأحاديث السبعة. 4 جهاد أبي أيوب الأنصاري روى ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: شهد أبو أيوب بدراً، ثم لم يتخلَّف عن غزاة إلاّ عاماً، حين استُعمِل على الجيش شابٌّ، فقعد، ثم جعل يتلهف، ويقول:"ما عليَّ مَن استُعمِلَ علَيَّ"وبعد ذلك لم يتخلف عن غزوة في سبيل الله، وجاهد في عهد الخلفاء الراشدين، وجاء عهد الأمويين، وأبو أيوب على عهده مع الله لا يغيّر ولا يبدّل، ولا يترك الجهاد في سبيل الله، على رغم تقدمه في السن، حيث بلغ من العمر مئة وخمسة وثلاثين عاماً. قال ابن يونس: قدِم أبو أيوب الأنصاري مصر في البحر سنة ست وأربعين/ 666م. وقال أبو زرعة النصري: قدم دمشق زمن معاوية بن أبي سفيان. وقال الخطيب: شهد حرب الخوارج مع علي بن أبي طالب. 5 الغزوة الأخيرة كانت أول محاولة لفتح القسطنطينية سنة 34ه / 654 م. في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث أرسل جيشاً بقيادة معاوية ابن أبي سفيان فحاصرها ولم يتمكن من فتحها بسبب الأسوار المنيعة التي كانت حول القسطنطينية، ولَمّا تجاسر الروم على ثغور المسلمين الشمالية أرسل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان جيشاً برياً وبحرياً من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لغزوِ الرومِ بقيادة يزيد بن معاوية، فعبر المسلمون الفرسان والمشاة خليج البوسفور غرباً، وخليج القرن الذهبي جنوباً، وحاصروا القسطنطينية من الغرب، وخرج إليهم الروم وتصافّ المسلمون صفّين عريضين لم يُرَ مثلهما، والروم ملصقون ظهورهم بسور القسطنطينية، فحمل عليهم فارس من المسلمين، فقال الناس: إنه يلقي بيده إلى تهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه:"أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار... إنّا لما نصر الله نبيَّه وأظهر الإسلام، قلنا بيننا معشر الأنصار خفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيَّه، هلم نقم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله الخبر من السماء فقال:"وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"سورة البقرة، الآية: 195. فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة:"أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد"؟ 6 مرض الوفاة مرض أبو أيوب الأنصاري مرضاً شديداً أثناء حصار القسطنطينية، فوضعه المسلمون في محفّة بناء على طلبه، وكانوا ينقلون تلك المحفة إلى الأماكن التي تميل فيها كفة القوة لمصلحة الروم، فترجح كفة القوة الإسلامية جراء الحماسة التي كان يثيرها في النفوس وجود أبي أيوب الذي كان يأمل الشهادة، ولو كان محمولاً بالمحفة، ولما دنا أجله أتاه قائد الجيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان يعوده، فقال له يزيد: قل لي حاجتك يا أبا أيوب؟ قال أبو أيوب:"نعم، إذا أنا مِتُّ، إذا شئتَ فارْكَبْ ثم سُغْ في الأَرض ما وجدْتَ مَساغاً، أَي: ادخل فيها ما وجدْت مدخلاً، فإذا لم تجد مساغاً، فادفني، ثم ارجع، فإنكم سوف تعودون إليَّ، ولن تنسَوا قَبْرَ صاحب نبيكم حتى تُحرِّروا الأرض التي ثوى فيها"."وكان يردّد قول الله عزّ وجلَّ:"انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"سورة التوبة، الآية: 41. وكان يقول:"لا أجدني إلاّ خفيفاً أو ثقيلاً". 7 وفاة أبي أيوب انتقل أبو أيوب الأنصاري إلى رحمة الله ونفّذ المسلمون وصيته، فحملوه حتى جاؤوا به إلى الشمال الغربي من أسوار اسطنبول"القسطنطينية"وصلى عليه يزيد والناس صلاة الجنازة، ثم دفنوه على مقربة من الضفة الجنوبية لخليج القرن الذهبي. وحينذاك أخذ الروم يسخرون من المسلمين من فوق الأسوار ويقولون: لننبشنَّ قبره، ولنلقينّ بجثته للكلاب. فأرسل إليهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: والله لو مسستم صاحبنا بسوء، أو نبشتم قبره، لننبشنّ قبور الروم في الشام كلها، والله لئن نبش، لا ضُرِبَ بناقوس في بلاد العرب. فخاف الروم على قبورهم في الشام، ونادوا من فوق الأسوار: يا معشر المسلمين إنا وحق المسيح لا نعرض لقبر صاحبكم بسوء ولا ندع أحداً يمسه. ولخوف الروم من أن يقوم بعض الناس بنبش قبر أبي أيوب على غير علم منهم، فقد أقاموا حُراساً يحرسون قبر أبي أيوب خشية أن ينبشه الغوغاء، وينفذ المسلمون توعدهم بنبش قبور الروم في الشام، فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأُمطروا. قال الواقدي: توفي أبو أيوب الأنصاري عام غزا يزيد في خلافة أبيه معاوية بن أبي سفيان القسطنطينية، فلقد بلغني: أن الروم يتعاهدون قبره، ويرممونه، ويستسقون به. وروي أنه لما حضر أبا أيوب الموت، دعا الصحابة والناس، فقال: إذا قبضت، فلتركب الخيل، ثم سيروا حتى تلقوا العدو، فيردوكم، فاحفروا لي، وادفنوني، ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف، فإذا رجعتم، فأخبروا الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني: أنه لا يدخل النار أحد يقول:"لا إله إلا الله". تعددت الروايات في تحديد سنة وفاة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقيل: سنة خمسين للهجرة/ 670م، وقيل: سنة اثنتين وخمسين للهجرة/ 672م، وقيل: سنة خمس وخمسين للهجرة/675م.