أبقى مع المحافظين الجدد وقضية تجسّسهم لاسرائيل يوماً آخر، ومعرفتي بهم تعود الى يوم عمل بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل للسيناتور الديموقراطي هنري سكوب جاكسون، فالمحافظون الجدد ليسوا ديموقراطيين أو جمهوريين، وإنما يتنقلون بين الحزبين لخدمة اسرائيل، على حساب المصالح الأميركية، وبعد ان كانت الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر شعبية بين العرب أصبح السؤال الأميركي الدائم: لماذا يكرهوننا؟ إذا عدنا الى قضية التجسّس نجد ان وولفوفيتز رفيق الدرب الاسرائىلية مع بيرل وبقية العصابة لم ينجُ من مساءلة أمنية بدوره. ففي سنة 1978 تعرّض لتحقيق بعد اتهامه بعرض وثائق صفقة سلاح أميركية لدولة عربية السعودية الى موظف حكومي اسرائىلي عبر وسيط من ايباك أيضاً وأيضاً. وانتقل وولفوفيتز سنة 1990، وبعد عشر سنوات من العمل لوزارة الخارجية في واشنطن والخارج، الى وزارة الدفاع كوكيل وزارة للسياسة عندما كان ديك تشيني وزيراً. ولم تمضِ سنتان حتى فتح تحقيق في نقل اسرائيل الى الصين تكنولوجيا صواريخ باتريوت الأميركية. وتبيّن ان مكتب وولفوفيتز يروّج لبيع اسرائيل صواريخ إيم -9- إل، في حادث يشبه محاولة براين بيع اسرائيل قطع "كليسترونز" للصاروخ آرو. وترك وولفوفيتز الوزارة أيام بيل كلينتون، وبقي يعمل لاسرائيل من الخارج، وهو كان أحد الذين وقعوا سنة 1998 رسالة الى الرئيس أعدها "مشروع القرن الأميركي الجديد" زعمت ان صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، ودعت الى قلب النظام في بغداد وتجريد العراق من أسلحته. وكان كلينتون أذكى من ان يخدع، ولكن المحافظين الجدد دفعوا ادارة جورج بوش نحو حرب غير مبررة قُتل فيها شبان أميركيون لحماية أمن اسرائيل، مع ان الواقع ان العراق لم يمثل تهديداً حقيقياً لأمن اسرائيل. وعندما وقع إرهاب 11/9/2001 كان الاعتقاد في البداية بأن عشرة آلاف قتلوا، ومع ذلك فوولفوفيتز، في اليوم التالي لإرهاب القاعدة، لم يسأل عن دماء الضحايا الأبرياء، وإنما كان أول اقتراح له مهاجمة العراق. ولا يكتمل هذا الجزء من البحث من دون التعريج على مايكل ليدين، أحد أخطر منظري المحافظين الجدد، والمدافع عن نازية حكومة شارون. انضم ليدين، بتوصية من بيرل، الى وزارة الدفاع سنة 1983 مستشاراً في شؤون الارهاب، وأثار فوراً شكوك رئيسه نويل كوتش، مساعد الوزير لشؤون الأمن الدولي، فقد كان من عادة ليدين ان يتوقف في مكتبه ويحاول قراءة التقارير السرّية. وعندما ذهب الرجلان معاً في رحلة الى ايطاليا بلغ ممثل وكالة الاستخبارات المركزية هناك كوتش ان ليدين خلال عمله وإقامته في ايطاليا اعتبر عميلاً لدولة أجنبية هي اسرائيل. وحاول ليدين في وقت لاحق الحصول على تقريرين بالغي السرّية، واستغرب كوتش ان ليدين يعرف الرقم السرّي لأحد التقريرين، ورفض طلبه لأنه لا يملك الصفة التي تتيح له الاطلاع على أسرار الدولة. وانتقل ليدين الى مجلس الأمن القومي مستشاراً فنبّه مكتب التحقيق الفيديرالي الى ماضيه التجسّسي لاسرائىل، ولكن من دون ان يحدث شيء مع ان وزارة العدل كانت في سنة 1986 فتحت تحقيقات عدة في التجسس لاسرائيل وسرقة تكنولوجيا عسكرية أميركية. ويبدو ان كبار المسؤولين كلّهم أبدوا شكاً في تصرّفات ليدين وحقيقة ولائه، فرئيس مجلس الأمن القومي في حينه روبرت ماكفارلين طلب سنة 1985 منعه من الحصول على معلومات عملياتية عن الأزمة مع ايران، ووزير الخارجية جورج شولتز طلب بعد ذلك وقف عرض ليدين للتعاون الاستخباراتي مع اسرائيل لأنه وجد ان أجندة اسرائيل تختلف عن الأجندة الأميركية. وفي السنة نفسها خفض تصريح ليدين الأمني لمنعه من الاطلاع على الوثائق السرّية جداً. وفي مطلع السنة التالية طلب أوليفر نورث من رئيس مجلس الأمن القومي التالي جون بويندكستر ان يؤمر ليدين بأخذ اختبار معرفة الكذب بانتظام لعدم الثقة به. ليدين سقط في شكل واضح في فضيحة ايران - كونترا، غير انني أجد أفكاره السياسية أخطر من عمله المباشر لاسرائيل. وهو بعد شهر من الحرب على العراق طالب بحرب على ايران. وكتب في 30 نيسان أبريل من السنة الماضية مقالاً للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي جينسا كشف فيه أوراقه، وقال: "حان الوقت للتركيز على ايران... أم الارهاب المعاصر... انتهى زمن الديبلوماسية والآن زمن تحرير ايران، تحرير سورية، تحرير لبنان"... يعني الحرب الأميركية على هذه الدول لمصلحة اسرائيل. هل لاحظ القارئ ان ما كتب ليدين قبل 18 شهراً هو حديث الساعة في أوساط الادارة الأميركية، أو عصابة اسرائيل في داخلها وحولها؟ طوال تسعينات القرن الفائت كتب ليدين محرّضاً على حرب ضد العراق، وهو الآن يكتب مطالباً بحرب ضد ايران ثم سورية. وهو كتب في "تورنتو غلوب أند ميل" السنة الماضية ان "لا أحد أعرفه يريد حرباً على ايران وسورية، غير انني أعتقد بأن علينا ان ندافع عن أنفسنا". أتوقف هنا لأقول إن ليدين يدافع عن الجرائم الاسرائىلية ما يجعله شريكاً فيها، وهو يغطي على الارهاب الاسرائىلي اليومي بالحديث عن ارهاب الآخرين، ولا بد من ان التجديد للرئيس اميل لحود، ودور سورية فيه وقرار مجلس الأمن الدولي، ستوفّر مادة جديدة لأمثال ليدين للمطالبة بحرب على كل بلد يرون انه يمثل خطراً أمنياً على اسرائيل، فالعراق لهم كان مجرد بداية. وقد كان هذا أحد أسباب اعتراضي على التمديد للرئيس لحود، فهو وضع في يدي العدو الأخطر سلاحاً يستعمله ضد سورية ولبنان، الا ان هذا موضوع آخر، فلا أطلب اليوم من المسؤولين السوريين سوى الحذر الشديد لأن كل موقف متطرّف للمحافظين الجدد يصبح في النهاية سياسة لإدارة بوش. وأكمل غداً.