بعد النجف والفلوجة جاء فجأة دور تلعفر ليتبع النمط المعتاد: متطرفون يتحركون الى داخل البلدة، وقوات اميركية تخوض قتالاً لطردهم، وزعماء محليون عالقون بين الطرفين يسعون للتوسط والتوصل الى هدنة. وسلّطت المعركة للسيطرة على هذه المدينة في شمال العراق الضوء على التركيبة الاثنية المعقدة التي يتعين على قوات التحالف ان تتعامل معها وهشاشة سيطرتها على البلاد. من المعاقل الشيعية في البصرة والناصرية والكوت والنجف، الى ما يسمى ب"المثلث السني" الذي يضم الفلوجة والرمادي وسامراء، خاضت قوات التحالف على مدى 17 شهراً معارك ضد المتمردين بدرجات متفاوتة من النجاح، ونادراً ما سجلت اي نجاحات كبيرة وحاسمة. وشكلت تلعفر، قرب الحدود السورية، تحدياً مختلفاً. فالمدينة التي يبلغ عدد سكانها 250 الفاً هي خليط اثني من اتراك تزاوجوا مع العرب، ويعود هؤلاء الى جذورهم التركية بعد سنين خضعوا خلالها لمساعي صدام حسين ل"تعريب" البلاد. ثم هناك الاكراد في الجوار، وهم يدعون ان تلعفر جزء من اقليمهم. يوجد ايضاً جار آخر كبير ومهم في الصورة: تركيا، حليفة الولاياتالمتحدة التي تنظر بريبة عميقة الى الاكراد وتدعم التركمان في تلعفر. بالاضافة الى ذلك، قال الاميركيون - وهو ما يؤكده سكان البلدة - ان مقاتلين اجانب انتقلوا الى تلعفر، ولو ان من الصعب معرفة هويتهم. ويشبّه دريد كشمولة، محافظ نينوي التي تقع البلدة ضمنها ادارياً، التمرد في العراق ب"مجموعة من ورق اللعب تتغير الوانها باستمرار". وحاصرت القوات الاميركية والعراقية تلعفر في مطلع الشهر الجاري بعدما سقطت تحت سيطرة المتمردين، وهرب معظم سكانها. وفي 12 ايلول سبتمبر شنت هذه القوات هجوماً بالطائرات والمروحيات والدبابات. وقال الكولونيل بول هاستينغز، الناطق باسم "قوة أوليمبيا" في الجيش الاميركي المسؤولة عن شمال العراق، انه على مدى شهرين قامت خلايا تضم متطرفين دينيين ومقاتلين اجانب ومؤيدين لصدام في تلعفر "بالسيطرة عملياً على المدينة". واضاف ان المقاتلين الاجانب قدموا الى تلعفر من الفلوجة او عبر الحدود السورية. واوضح ان محافظ الموصل ابلغهم ان الوضع في البلدة "خرج عن السيطرة. نحتاج الى ان نفعل شيئاً ما". وقال مسؤول اميركي كبير في العراق شريطة عدم كشف هويته انه بعدما اطاح الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة صدام، فر كثيرون من مؤيديه في حزب البعث مع اموال الى سورية حيث انشأوا قاعدة بعثية. وتلعفر هي أول بلدة عراقية رئيسية قرب الحدود السورية، وقال المسؤول انهم استخدموها كمنصة اطلاق لعمليات في ارجاء العراق. واضاف انهم حصلوا ايضاً على مساعدة من السكان المحليين، وكثيرون منهم عاطلون عن العمل، بتنفيذ مهمات مثل زرع قنابل على جانبي الطريق او العمل "مستطلعين". وقال المسؤول الاميركي ان "عدداً ضئيلاً جداً، جداً" من المتمردين في تلعفر - او حتى اجزاء اخرى في العراق - هم مقاتلون اجانب مرتبطون ب"القاعدة" او ابو مصعب الزرقاوي، بالرغم من ان المتمردين العراقيين يتعاونون على الارجح معهم. واضاف ان الوضع الامني في العراق لن يكون مختلفاً الى حد كبير لو ان المقاتلين الاجانب لم يكونوا موجودين هنا. لكن كشمولة، محافظ الموصل، وزعماء عشائر في تلعفر نفوا انهم طلبوا من الاميركيين التدخل. وقال كشمولة انهم، على العكس تماماً، حضوا الاميركيين على عدم التدخل. وقد فعلوا ذلك، الى ان تعرضوا الى هجوم في 4 ايلول "سبتمبر الجاري. واضاف ان "الاميركيين ارادوا ان يتدخلوا حتى قبل ان نناقش الامر. كانوا يتعرضون الى هجمات كل يوم". وقال عبدالمهدي علي خان الحسيني، وهو أحد رؤساء العشائر في تلعفر، ان المتطرفين كانوا ينشطون في البلدة منذ سنة وقتلوا 30 شخصاً كانوا يعملون مع الاميركيين كمترجمين او طباخين او نجارين. وبعد 4 ايلول سبتمبر، مع ظهور مسلحين ملثمين للمرة الاولى في الشوارع الرئيسية، التقى قادة عسكريون اميركيون مع زعماء محليين ووعدوا بعدم التحرك الى داخل البلدة اذا امكن اقناع المتطرفين بنزع اسلحتهم، بحسب الحسيني ومسؤولين آخرين شاركوا في المحادثات. وقال الحسيني "لم تكن لدينا اي فكرة عمن تكون المقاومة. كانوا كلهم ملثمين. لذا اوفدنا اشخاصاً للتحدث اليهم في الشوارع، لحضهم على مغادرة الشوارع حرصاً على مصلحة السكان". واضاف ان "معظم المسلحين اختفوا بحلول الثامن من الشهر الجاري، لكن الاميركيين شنوا الهجوم بالرغم من ذلك". وقال الكولونيل هاستينغز ان الجيش الاميركي قتل ما لا يقل عن 67 شخصاً في هجوم تلعفر واعتقل 48 شخصاً خلال اليومين اللذين اعقبا العملية. وقال الحسيني ان معظم قادة المتمردين الذين قتلوا كانوا متطرفين اسلاميين من تلعفر. كما لعب تدخل تركيا دوراً. فقد ادعى التركمان في تلعفر ان مقاتلين اكراداً كانوا يقاتلون الى جانب قوات التحالف. ونفى ذلك مسؤولون اميركيون واكراد، لكن انقرة هددت بوقف التعاون مع الاميركيين، وفي اليوم التالي رفع الحصار.