ليس في الإمكان وضع احصاء دقيق عن الأغاني التي نشرها المطربون العراقيون عن صدام والتي يقدرها البعض بين خمسة آلاف وعشرة آلاف اغنية او انشودة وطنية كما كانت تسمى. بل ان "قناة تلفزيون الشباب" التي كان يديرها عدي، النجل الأكبر للرئيس المخلوع كانت تقدم يومياً اغنية جديدة لمطرب معروف او مغمور تتغنى ببطولات القائد ومكارمه وانتصاراته وحكمته وشبابه. ولم يكن في إمكان اي مطرب ان يواصل عمله او يحتل مكانة تحت الأضواء من دون ان يقدم ما يثبت حبه الأبدي للبطل التاريخي. وعلى رغم مرور سنة ونصف السنة على سقوط النظام السابق، لم تظهر بصوت اي مطرب عراقي بعد اغنية تتحدث عن الوطن وعن الإنسان العراقي ومشكلاته وهمومه، كأن مطربي العراق معزولون عما يجرى في بلدهم من تحولات وقضايا. ويشير البعض الى خوف المطربين وحرجهم بسبب مواقفهم السابقة على رغم ان في إمكان اي مطرب ان يثبت انه كان مجبراً بوسائل كثيرة على تأدية ما لم يكن مقتنعاً به ايضاً. والغريب ايضاً ان غالب الحواريين العراقيين المشهورين والذين كانوا يملأون الساحة غناء هم الآن خارج العراق لأسباب مختلفة ومنها، كما يقول سعد محمد عبد، صاحب "مكتب عالم الموسيقى" الذي كان متخصصاً في تأجير الأجهزة الموسيقية لحفلات هؤلاء الحواريين ان "البعض منهم خائف لأنه يعتقد بأن هناك من سينتقم منه لغنائه عن صدام وخصوصاً من الحركات الدينية المتطرفة. علاوة على عدم وجود حفلات غنائية الآن في ظل الوضع الأمني المتدهور وهو امر يجعل المطرب شبه عاطل من العمل". وبين الأسباب الأخرى سعى بعض المطربين الى تنفيذ مشاريع فنية في الخارج، لأن المؤسسات الفنية العربية اوسع انتشاراً وتأثيراً من المؤسسات المحلية التي توقفت عن العمل في الشهور الأخيرة او لأن القناة التلفزيونية الوحيدة التي تعمل الآن في العراق تقدم تسجيلات قديمة ومكررة لمطربين كانوا ممنوعين من الظهور على الشاشات المحلية. اما وليد دخو، صاحب "مؤسسة الدار البيضاء" التي تعمل في إنتاج الأغاني وتوزيع اشرطة الكاسيت فيشير الى ان "معظم المطربين العراقيين موجود الآن اما في عمان او دمشق. وأكثرهم يعمل في المطاعم او النوادي الصغيرة من اجل لقمة العيش. وهناك عدد قليل منهم يعمل في دول الخليج". راح يا وطن يبدي دخو استعداده لتنفيذ المستلزمات الفنية لأي اغنية تتحدث عن الوطن وعن الأوضاع الجديدة في العراق، وبلا مقابل، إذا طلب منه مطربها ذلك. ولكن لم يتقدم احد حتى الآن، بل ان المطربين خارج العراق لم يقوموا بأي مبادرة من هذا النوع. وما عدا اغنية بعنوان "راح يا وطن" التي غناها هيثم يوسف، لم تتوافر فرصة لأي مطرب عراقي ليقول كلمته في ما يجرى في بلاده. ويرى غريب اسحق، وهو مهندس صوت عمل مع مغنين كثر، ان هناك مهمة يتحملها المطربون الكبار امثال ياس خضر وحسين نعمة وسعدون جابر في توجيه مسار الأغنية العراقية الآن وفي المستقبل باتجاه جديد يقترب من هموم المواطن ومن مشكلات الوطن وأزمته الراهنة "ومن يدري فلربما ستكون للعراقيين اغنية جديدة تشكل أنموذجاً لمستقبلنا يمسح السجل الأسود للأغنية التي كرست لمدح صدام حسين لمناسبة او من دون مناسبة". ويتحدث بعض العاملين في المجال الفني بواقعية عن عودة المطربين فيقول: "إن بعضهم كان يتلقى تهديدات بسبب ما يغنيه، حتى في ظل النظام السابق" بطرق غير مباشرة اما من طريق الهاتف او برسائل بلا توقيع. لذا في الوضع الحالي غير المستقر وتحت الظروف الأمنية المرتبكة، فضل الكثيرون منهم ممن خرجوا من العراق قبل شهور من الغزو الأميركي البقاء في الخارج ربما لشعورهم بالخطر او تحسباً لما سيحدث.