احتفلت وزارة "أمن الوطن" الأميركية بدخول "نظام معلومات تسجيل الطلاب وزوار برامج التبادل الثقافي" سيفيز عامه الثاني وبدأت بتحصيل رسم قدره 100 دولار عن كل تأشيرة دراسية تمنح اعتباراً من أول أيلول سبتمبر الجاري على أن تستخدم العائدات في تمويل نظام المعلومات الجديد الذي وعدت ادارة الرئيس جورج بوش باستخدامه لتسهيل اجراءات دخول الطلاب الدوليين وضمان عدم اساءة استخدام التأشيرات الدراسية لأغراض الجريمة والارهاب. وذكرت الوزارة في تقرير أصدرته مطلع الشهر الجاري بهذه المناسبة بأن "سيفيز" استوعب حتى نهاية تموز يوليو الماضي سجلات 770 ألف طالب دولي وزائر تبادل، علاوة على 100 ألف مرافق من أفراد عائلاتهم. وشددت على أن نظام المعلومات يعمل بكفاية مشيرة الى أن نشاط العام الأول أسفر عن اكتشاف 37 ألف مخالفة محتملة واحالة 1600 حالة منها الى المحققين الذين قادت تحقيقاتهم الى اعتقال 155 شخصاً لأسباب تتعلق بمخالفة قوانين الهجرة. ويعتبر نظام معلومات الطلاب الدوليين أحد أهم الاجراءات التي تبنتها ادارة بوش كرد فعل على هجمات 11 أيلول سنة 2001. وتمثل الدافع المباشر لاطلاقه في اكتشاف حالات اختراق خطيرة لقوانين التأشيرات الدراسية خصوصاً ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيديرالي من أن أحد المشاركين، وهو هاني حنجور، دخل أميركا بتأشيرة دراسية لدراسة اللغة، لكنه لم ينتظم بالدراسة وأن القائد المفترض للمجموعة، محمد عطا، وشريكاً له تقدما بطلبين للدراسة في أحد معاهد الطيران وحصلا فعلاً على التأشيرة المطلوبة بعد ستة شهور من وقوع الهجمات. ووعد مسؤولون في الحكومة بتطبيق "سيفيز" بشفافية اذ عهد الى المؤسسات التعليمية مهمة تسجيل المعلومات عن طلبتها الدوليين وزوار برامج التبادل الثقافي وأفراد عائلاتهم المرافقين لهم ومن ثم ادخالها في قاعدة معلومات عبر شبكة الكترونية خاصة تستخدم تقنيات الانترنت. وتتصل الشبكة مباشرة بوزارة الخارجية ووزارة أمن الوطن حيث تستخدم قاعدة المعلومات للتأكد من التزام الطلاب بقوانين التأشيرة الدراسية وكذلك من شرطة أمن الحدود ومفتشي الجمارك لرصد المخالفات. وجاءت ردود الفعل الأولية لطلبة دوليين ازاء نظام المعلومات ايجابية. وذهب عدد من الطلاب الذين تحدثوا عن انطباعاتهم في مقابلات منشورة الى ابداء دهشتهم من أن "دائرة الهجرة والتجنيس" المعنية باصدار التأشيرات الدراسية لم تكن تملك نظاماً من هذا النوع، أقله قبل ضمها الى وزارة أمن الوطن بعد تشكيل الأخيرة في آذار مارس من العام الماضي، تحت اسم "دائرة خدمات الجنسية والهجرة" مع بقاء مسؤولية اصدار التأشيرات مناطة بوزارة الخارجية. الا أن "سيفيز" لم يقترح انشاء قاعدة معلومات تتضمن بنوداً روتينية مثل عناوين السكن والتخصصات الدراسية والانتظام في الدورات التعليمية ومصادر التمويل، ولم يحمِّل الطلاب الدوليين مسؤولية توفير هذه المعلومات تحت طائلة الحرمان من الدراسة والترحيل وحسب، بل أحدث تغييرات جذرية في برنامج استقبال الطلاب الدوليين مثيراً مخاوف المؤسسات التعليمية من رد فعل عنيف من الطلاب لا سيما بسبب ارتباطه بالقانون المثير للجدل الذي أصدره الكونغرس في غضون أسابيع قليلة من هجمات أيلول والمعروف باسم "يو أس آي باتريوت". وبدا أن أكبر مخاوف المؤسسات التعليمية تحقق عندما أعلن القائمون على نظام سيفيز في وزارة أمن الوطن بأنهم يتوقعون وصول 220 ألف طالب دولي وزائر تبادل مع بدء السنة الدراسية الجارية ما أشار الى احتمال أن يكون عدد التأشيرات الدراسية الممنوحة تدني بنسبة تزيد على 30 في المئة مقارنة مع سنة 2000. ولم تنشر وزارة الخارجية المعنية بإصدار التأشيرات أي معلومات عن القادمين الجدد الا أن شهادات الناشطين في توفير الخدمات للطلبة الدوليين واستطلاعات أجراها "معهد التعليم الدولي" الذي يمثل مؤسسات التعليم العالي في الولاياتالمتحدة أكدت بأن طلبة الدول العربية الذين تدنى عددهم بحدة في السنتين الدراسيتين الماضيتين هم الأكثر تأثراً بالخفض الجديد في عدد التأشيرات الدراسية. لكن رسم صورة واضحة عما يجرى في برنامج الطلاب الدوليين أصبح أكثر تعقيداً منذ تسلمت وزارة أمن الوطن الجانب الأمني. ففي تطور لافت نفى مسؤول العلاقات العامة في وزارة الخارجية خفض عدد التأشيرات الدراسية وذكر ل"الحياة" أن العدد الفعلي لهذا النوع من التأشيرات ارتفع بنسبة 9.4 في المئة في النصف الأول من السنة الجارية مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، لكنه امتنع عن الكشف عن أي أرقام على رغم نفيه كذلك صحة تقارير تحدثت عن امتداد فترة الانتظار للحصول على التأشيرة الدراسية الى شهرين وأكثر، مؤكداً بأن الفترة الزمنية التي يستغرقها البت في الطلبات تراوح بين يومين وثلاثة أيام في المتوسط في الغالبية العظمى من الحالات وقد تصل الى ثلاثة أسابيع فقط في 2.2 في المئة من الطلبات التي تتعلق بالدراسة في مجالات تشمل تقنيات ذات استخدام مدني - عسكري مزدوج. في المقابل أكدت مسؤولة العلاقات العامة في وزارة أمن الوطن التي أعلنت، في بيان صحافي، عدد الطلاب الدوليين وزوار التبادل المتوقع وصولهم السنة الجارية، بأن الاجراءات التي طبقتها أميركا لحماية أمنها بعد أحداث أيلول ربما أحدثت رد فعل "غير مقصود" لدى الطلاب الدوليين وأسهمت في خفض عدد القادمين الجدد. وقالت ل"الحياة" رداً على سؤال في شأن أسهمت "سيفيز" وقانون "يو أس آي باتريوت" في رد الفعل المشار اليه ان "علينا أن ندرك أننا الآن في مرحلة جديدة تتطلب ايجاد توازن بين حماية أمن الوطن واستقبال الطلاب الدوليين". ومن المؤكد أن الصورة الحقيقية لواقع برنامج استقبال الطلاب الدوليين في أميركا ومدى تأثره بنظام "سيفيز" وقانون "باتريوت" في الذكرى الثالثة لهجمات أيلول لن تتضح معالمها قبل اصدار معهد التعليم الدولي، في بداية تشرين الثاني نوفمبر المقبل، استطلاعه السنوي عن اتجاهات انتساب الطلاب الدوليين الى المؤسسات التعليمية الأميركية للعام الأكاديمي الحالي. وتعتبر استطلاعات المعهد المذكور وكذلك تقاريره السنوية التي يصدرها بمساندة من مكتب الشؤون التعليمية والثقافية في وزارة الخارجية، المرجع الوحيد الذي يتمتع بصدقية عالية في مجال تخصصه. لكن المؤشرات المتاحة لا تبدو مشجعة لا سيما في ما يتعلق بالطلاب العرب اذ لم يستبعد المدير العام "دليل يو أس آي"، وهي مؤسسة تنشط من مقرها في سياتل ولاية واشنطن بتقديم خدمات استشارية للطلبة العرب الراغبين بالالتحاق بالمعاهد الأميركية، وليد فرهود احتمال أن يؤكد استطلاع معهد التعليم الدولي المشار اليه تراجع عدد الطلاب العرب بنسبة تزيد على 30 في المئة في السنة الدراسية الحالية. ومن شأن تحقق هذا التوقع الذي يبدو متشائماً لكنه يستند الى خبرة 30 عاماً أن يشكل المرة الثالثة التي يتدنى فيها عدد الطلاب العرب المنتسبين الى المؤسسات التعليمية الأميركية منذ أحداث أيلول. واستعاد فرهود ذكريات أليمة في الذكرى الثالثة لأحداث أيلول وتداعياتها، وسرد ل"الحياة" كيف أن كل الطلاب العرب في احدى جامعات ولاية واشنطن لم يجدوا مناصاً سوى المطالبة بترحيلهم الى بلدانهم دفعة واحدة. وكيف أن ادارة الجامعة لجأت اليه لاقناعهم بالعدول عن قرارهم. واعترف بأن تعاطفه مع الطلاب كان أشد قوة من مسؤوليته المهنية خصوصاً عندما أحس بأنه والطلاب فقدوا النيات الحسنة للمجتمع الأميركي الذي بات ينظر اليهم نظرته الى الغرباء. كذلك اعترف بتشاؤمه ازاء حدوث انفراج سريع، مشيراً الى عدد الاستفسارات التي اعتادت مؤسسته تلقيها من طلبة عرب يرغبون بمتابعة دراساتهم الجامعية في أميركا راوح بين 250 و260 استفساراً في الاسبوع الواحد قبل الأحداث وتدنى منذئذ تدريجاً ليصل الآن الى ما بين 5 و6 استفسارات. وكان استطلاع أجراه معهد التعليم الدولي في بداية العام الأكاديمي 2003 - 2004 أظهر بأن قرابة نصف المؤسسات التعليمية الأميركية 46 في المئة أفادت بحدوث خفض في عدد الطلاب الدوليين المسجلين الجدد، بينما أفاد البقية بحدوث زيادة أو لا تغيير. وراوحت نسب انخفض التي سجلتها غالبية المعاهد وعزتها بشكل رئيس الى اجراءات منح التأشيرات الدراسية بين 10 و30 في المئة لكنها بلغت في حال الطلاب السعوديين الجدد 29.2 في المئة. وبالنسبة الى طلبة الامارات 22.3 في المئة وفي حال الطلاب المصريين 15.9 في المئة. وستبقى هذه النتائج غير مؤكدة الى حين اصدار المعهد تقريره عن السنة المذكورة في تشرين الثاني المقبل. لكن تقرير السنة الدراسية 2002- 2003 كشف وللمرة الأولى مدى تأثر الطلاب العرب بأحداث أيلول. وكانت الجامعات والمعاهد العليا الأميركية اعتادت استقبال أعداد متزايدة من الطلاب العرب طوال العقود الثلاثة الماضية. وبحلول بداية السنة الدراسية 1993 بلغ عدد المنتسبين منهم أكثر من 19 ألف طالب بقليل. وتسارعت وتيرة الانتساب بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية. ومن 22 ألف طالب سنة 1999 قفز العدد الى نحو 24 ألف طالب سنة 2001، مسجلاً زيادة سنوية بنسبة 4.5 في المئة، وهي نسبة محترمة، بحسب معدي التقرير، لولا أنها تحولت الى خفض بنسبة 14.6 في المئة في العام الدراسي الأول بعد الأحداث، 2002-2003. وطاول الخفض غير المسبوق طلبة كل الدول العربية بلا استثناء، لكن نسبه تباينت الى حد كبير. وفيما تدنى العدد الاجمالي من الطلاب العرب المنتسبين من 24107 طلاب الى 20593 طالباً تراجع عدد الطلاب السعوديين من 5579 طالباً الى 4175 طالباً، ما يعادل 40 في المئة من نسبة الخفض الكلية. ولم يكن تدني عدد الطلاب الكويتيين أقل بكثير كنسبة مئوية 25.4 في المئة، وكذلك البحرين 25 في المئة، وتونس 16.8 في المئة، والامارات 15.5 في المئة، وعمان 13.3 في المئة، وسورية 12.7 في المئة. وراوحت نسب الخفض بين 10 و14 في المئة لطلبة مصر والجزائر والأردن واليمن، بينما جاءت أقل من 5 في المئة لطلبة لبنان والمغرب وقطر. وتشمل احصاءات الانتساب حصيلة عدد الطلاب الذين يتابعون دراساتهم والطلاب الجدد، لكن يبدو أن غالبية أعضاء الشريحة الأولى اختارت عدم المغامرة بمستقبلها التعليمي وفضلت البقاء، ما يشير الى أن الخفض الكبير الذي سجله عدد الطلاب العرب في السنة الدراسية 2002-2003 نجم عن تراجع عدد أعضاء الشريحة الثانية علاوة على مغادرة الطلاب الذين انهوا دراساتهم، وهو ما أكده فرهود ونتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد التعليم الدولي في السنة المذكورة. ولاحظ مراقبون يرون خطورة في انحسار فرص التحصيل العلمي في بلد ينفرد بعدد هائل من التقنيات الحديثة بأن استمرار خفض عدد الطلاب العرب الجدد في السنتين الدراسيتين الأخيرتين، حسبما ظهر في استطلاعات معهد التعليم الدولي، لم يترتب على رد الفعل السلبي الذي أحدثته الاجراءات الأمنية في أوساط الطلاب الدوليين، لا سيما قانون "باتريوت" الذي يعطي أجهزة التحقيق صلاحيات تتناقض مع أبسط الحقوق المدنية وحسب، بل التغييرات الجذرية التي فرضها نظام "سيفيز"، مثل تقليص فرص الحصول على التأشيرة الدراسية من جراء خفض عدد المؤسسات التعليمية الأميركية المخولة منح طلبات القبول من زهاء 73 ألف مؤسسة الى 7318 مؤسسة. لكن في مقابل التوقعات المتشائمة يبدو أن ادارة الرئيس بوش تدرك تماماً أهمية برنامج استقبال الطلاب الدوليين. وصدرت فعلياً تصريحات قوية في هذا الشأن من وزير "أمن الوطن" توم ريدج ووزير الخارجية كولن باول. تضاف الى ذلك الحملة النشطة التي شنتها المؤسسات التعليمية ضد "سيفيز" وقانون "باتريوت"، واعتراف عدد كبية من هذه المؤسسات بأن انجازاتها التقنية الهائلة لم تكن لتتحقق لولا تفرّد أميركا بنحو نصف عدد الطلاب الدوليين في العالم. ناهيك عن تأكيدها على أهمية المنافع المادية التي يجنيها الاقتصاد الأميركي من حقيقة أن 75 في المئة من الطلاب الدوليين يمولون دراساتهم ومعيشتهم من مصادرهم الخاصة في بلدانهم الأصلية.