قبل أن يهدأ الجدل في مصر على قرار "مجمع البحوث الإسلامية"، وهو أعلى هيئة في الأزهر، مصادرة كتاب الدكتورة نوال السعداوي "سقوط الإمام"، فجّر المجمع قضية جديدة حين أوصى بمصادرة كتاب "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية" الذي وضعه المفكر جمال البنا شقيق مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" حسن البنا، وأعاد الأزهر إلى واجهة الأحداث في مصر قضية حدود النشر والتأثير في الإبداع ومدى الحرية الممنوحة للكتّاب والمبدعين. وكانت أزمة عنيفة تفجّرت قبل أسابيع اثر قرار أصدره وزير العدل السابق المستشار فاروق سيف النصر يمنح أعضاء في مجمع البحوث الإسلامية "سلطة الضبطية القضائية"، أي حق التفتيش على المكتبات وضبط أصحابها ممن يقومون بطبع وتوزيع ونشر كتب لا يرضى عنها الأزهر. ولم تهدأ الضجة إلا بعدما أعلن سيف النصر أن قراره جاء تنفيذاً لقانون قديم يوجب عليه تمديد منح علماء في المجتمع ذلك الحق كل فترة، موضحاً أن الأمر يتعلق فقط بالمصاحف والكتب التي تحوي الأحداث النبوية الشريفة. وقالت مصادر في الأزهر لپ"الحياة" إن "مجمع البحوث الإسلامية" تلقى نسخة من كتاب جمال البنا "مسؤولية فشل الدولة الإسلامية"، من مخفر شرطة في محافظة كفر الشيخ لإبداء الرأي فيه وبيان ما إذا كان يتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا. وأشارت إلى أن علماء المجمع لا يقدمون من تلقاء أنفسهم على فحص الكتب الموجودة في الأسواق، وإبداء الرأي فيها باستثناء المصاحف إنما تُحال إليهم الكتب المشكوك في أمرها من جهات أو أشخاص يطلبون الرأي حولها. كلف المجمع الدكتور أحمد حسن غنيم، الأستاذ في كلية أصول الدين والدعوة في جامعة الأزهر، بفحص الكتاب وإعداد تقرير عنه. وحصلت "الحياة" على نسخة من التقرير الذي ذكر أن "المؤلف يذكر قضية الزي الخاص بالمرأة المسلمة التي عليها أن تلتزم معه آداب الحشمة الإسلامية، وهذا لا يعني بالضرورة التمسك بالحجاب المألوف وإذا أرادت أن تستر شعرها فيمكنها أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب"، وأوضح التقرير أيضاً أن المؤلف يبيح زواج المتعة للمسلم المقيم في البلاد الأجنبية، نظراً الى حاجته في تلك البلاد، ويستشهد على ذلك بأقوال غريبة لا أساس لها من الصحة، بالإضافة إلى بعض الانتقادات والمآخذ الأخرى التي أخذها الفاحص على الكتاب وأوصى بعدم التصريح بتداوله حفاظاً على العقيدة الإسلامية الصحيحة. وأبدى البنا اعتراضه على القرار، فقال لپ"الحياة" إن "رقابة أيّة هيئة أو شخص على الكتب أمر مرفوض تماماً ويُعد تدخُّلاً في حرية الفكر، وطالبنا الأزهر مراراً بأن يرد على ما يعتقد أنه خطأ بما يرى أنه صواب ويترك الحرية للقارئ في الاطلاع على الرأيين، ولكن للأسف نحن نعاني من محاكمة للفكر". واستغرب ما جاء في تقرير الأزهر حول الكتاب رغم أنه لم يتطرق الى أمور العقيدة مثلما سبق أن فعل في بعض كتبه السابقة مثل "السُنّة" و"نحو فقه جديد"، وأضاف "أكدت في الكتاب أن زواج المتعة هو الحل الوحيد للأقليات الإسلامية حتى لا تقع في الزنا أو تدخل في زواج يخسر المسلمون منه الكثير لأنه في حال الطلاق ستتقاسم معه زوجته الثروة، لهذا فإنه في زواج المتعة الذي استمر في صدر الإسلام حتى عهد عمر بن الخطاب الحل الأمثل الذي يحمي المسلم من الزنا، فإذا إتضح له أن اختياره مناسباً يستمر الزواج وإذا أتضح له فشله في الاختيار ينهي الزواج بعد انتهاء مدته". ورغم كون جمال البنا هو شقيق مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" إلا أنه لا ينتمي إلى الجماعة، بل أنه دخل مع قادتها في صدامات، وأصدر كتباً تعارض سلوكهم وأساليبهم في العمل السياسي، وهو أمر ينفي عن الأزهر أن يكون عمد إلى مصادرة الكتاب لإفتعال أزمة مع "الإخوان".