ما يثير الانتباه في أي محاولة للحديث عن جرائم الشرف في الجزائر هو قلة المعلومات الرسمية الخاصة بهذه الظاهرة، أو تلاشيها بتعبير دقيق. وعلى من يريد البحث في هذه الظاهرة أن يتوجه إلى صفحات الجرائم في الجرائد اليومية، والتي تتضمن أخباراً كثيرة عن عقوبات مختلفة تصدرها المحاكم بحق أناس "ثأروا" بالضرب أو حتى القتل، ممن اعتدوا على "شرف" فتاة قاصرة تنحدر من عائلاتهم. لكن هناك العديد من الدراسات التي تناولت جرائم الشرف في الجزائر أنجزها طلبة الجامعات في علم الاجتماع. ومنها رسالة ماجستير نوقشت قبل سنتين في جامعة مدينة وهران، ومن النتائج التي توصل إليها الطالب م. زياد أن منطقة غرب البلاد، وحدها، شهدت 500 حالة في السنة التي كانت محل الدراسة، واعترف الطالب بأن مديريات الشؤون الاجتماعية على مستوى المحافظات لا توفر أي معلومات عن هذه القضية، وقال إن صفحات الجرائم وتقارير الشرطة هي التي سمحت له بإنجاز الإحصاء. وبحسب الدراسة فإن تفادي الفضيحة يدفع العائلات إلى التكتم على هذه القضايا وعدم التبليغ عنها. والحقيقة أن الجزائر تتميز عن كثير من الدول العربية ببعض التسامح في التعامل مع من "يفضون بكارة قاصر" بتعبير المحاكم الجزائرية. فبمجرد أن يعلم رب العائلة أن ابنته كانت على علاقة مع شاب يقوم بعرضها على طبيب اختصاصي، وفي حال كشفت الاختبارات أنها فقدت بكارتها يتصل "بالجاني" ويطالب بالزواج منها. في كثير من الحالات يتم الزواج بعد أسابيع فقط من الحادثة، ويلاحظ هنا أن بعض الجزائريين من الجنسين يتخذون هذه الطريقة سبيلاً لفرض زواجهم من فتيات أو شبان لم توافق عليهم عائلاتهم. و في حالات كثيرة يقرر "العاشقان" الزواج لكن تنقطع علاقاتهما بعائلة الفتاة، لكن سرعان ما تتجدد تلك العلاقات بخاصة إذا تواصل الزواج لسنوات كثيرة، حيث تلعب الأم الدور الرئيس في إعلان الأب المتصلب العفو عن خطايا ابنته؟ أما إذا كشف تقرير الطبيب أن "البنت فقدت شرفها" وان المذنب يرفض الزواج منها، فهنا تبدأ حرب بين الطرفين أمام المحاكم، وكالعادة فإن أقصى ما يطالب به والد "الضحية" هو أن يقبل "المعتدي" الزواج منها، وفي حال رفضه يلقى به في السجن. وفي هذه الحال تتعرض الفتاة إلى الطرد من البيت، وعدد كبير من الباحثين يؤكدون أن هذه الضحايا تتحول إلى وقود بخس في يد الشبكات التي تدير تجارة الجنس المتنامية في الجزائر. أما في الأرياف والمناطق النائية، فكثيراً ما تلجأ العائلات إلى استخدام طرق تقليدية خطيرة على صحة المرأة، في التخلص من الجنين، إذ أن غياب أي ثقافة جنسية يجعل ظهور علامات الحمل الدليل الوحيد إلى أن هناك فضيحة في الأفق ويجب التخلص من الجنين، قبل البحث عن المذنب. ويشارالى أن عدداً من العائلات التي لا تنجح في تنفيذ عملية الإجهاض تقوم بنسب الابن "غير الشرعي" لأحد أفرادها، وقبل ولادتها تعيش الأم التي حملته بعيداً من الأنظار، لكن و"لأن الجدران لديها آذاناً" فان الابن الشرعي وبمجرد أن يتجه لشراء حلوى من بقالة الحي، سيواجهه المجتمع بأوصاف كثيرة أشهرها "ابن الحرام".