اتفق وزراء الخارجية المغاربيون في اجتماعاتهم الأخيرة في ليبيا على اقامة مجموعة اقتصادية مندمجة، لكن الاتفاق لا معنى له لأن مجلس الرئاسة هو الهيئة الوحيدة في الاتحاد المخولة اتخاد قرارات، فهي تحتكر جميع السلطات ولا تسمع آراء برلمان أو تخضع لميول رأي عام. وعلى رغم أن اللجنة القانونية لمجلس الشورى المغاربي اجتمعت في وقت متزامن مع اجتماعات وزراء الخارجية في ليبيا تمهيداً لمعاودة نشاط المجلس قريباً، فإن الخطوة لا تثير أية حماسة لدى الناس أو حتى لدى النخب لقلة الايمان بجدوى هياكل صورية أدخلت الى غرفة العناية الفائقة مند عشر سنوات. هناك فرق جوهري بين البرلمان الأوروبي ومجلس الشورى المغاربي لأن الثاني تعينه الحكومات عملياً وتحدد له مجال التحرك، أما الأول فهو قوي لكونه منبثقاً من ارادة الناخبين وقادراً على فرض خياراته على الحكام. وبالنظر لغياب أجهزة رقابة على الحكومات المغاربية استطاعت الأخيرة أن ترجىء اجتماع مجلس الرئاسة تسع سنوات، وهي تعد لقمة في ليبيا قبل نهاية العام لكن لا شيء يدل على أن الوعد سيكون صادقا هده المرة بعدما أرجئت القمة مرات في الماضي. وما يعزز تلك الشكوك أن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي تسلم رئاسة الاتحاد من الجزائر هو أقل المغاربيين قناعة بجدوى المشروع المغاربي لا بل أكثرهم محاربة له تاريخيا، خصوصا مند اعتناقه عقيدة الوحدة الأفريقية. ويأتي التركيزالجديد على اقامة مجموعة اقتصادية مغاربية استجابة للضغوط الأوروبية والأميركية المتقاطعة التي تحض على انشاء فضاء اقتصادي مندمج يتوج بقيام سوق موحدة في ظل عولمة الاقتصادات. وكان الاتحاد المغاربي وضع في قمته الثانية مطلع التسعينات برنامجاً زمنياً لاقامة وحدة جمركية وانشاء سوق زراعية ومن ثم سوق مغاربية مشتركة تستكمل في السنة 1995، الا أن الخلافات عصفت بالمشروع فحفظ في الأدراج من دون اعارة اهتمام لمناشدات النخب المغاربية المتكررة تحقيق الاندماج الاقليمي. ولا أدل على هدا التجاهل من أن مستوى المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة ما زال يراوح بعد خمسة عشر عاماً من انشاء"الاتحاد"المغاربي بين ثلاثة وسبعة في المئة من اجمالي مبادلاتها، فيما يصل حجم المبادلات بين بعضها والاتحاد الأوروبي الى 75 وحتى 80 في المئة. مع ذلك ما انفك الأوروبيون يضغطون ومعهم الأميركيون لالغاء الحواجز الاقتصادية بين بلدان المنطقة واقامة سوق مندمجة اقليمياً. فالأوروبيون وضعوا علاقاتهم مع البلدان العربية المتوسطية مند انطلاق التوقيع على اتفاقات الشراكة الثنائية في أفق انشاء منطقة أوروبية- متوسطية للتبادل الحر، والأميركيون كثفوا الضغوط منذ اطلاق مشروع ايزنستات في السنة 1998 لالغاء الحدود الجمركية وايجاد سوق قوامها ثمانون مليون مستهلك. وفي هدا الاطار تندرج مصادقة الكنغرس أخيراً على اتفاق التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الدي ستلغى بموجبه الضرائب فوراً على 95 في المئة من المنتجات الصناعية المتبادلة فيما يلغى الباقي في غضون تسعة أعوام. وتونس هي البلد الثاني المرشح للتوقيع على اتفاق مماثل. لكن هل يعقل أن يتقدم مسار الاندماج العامودي مع كل من أوروبا وأميركا فيما المبادلات الثنائية شبه مجمدة بين البلدان المغاربية، خصوصاً بين القوتين الرئيسيتين الجزائر والمغرب؟ ليس هدا هو الوضع الطبيعي قطعاً بدليل الانتشار المتزايد لظاهرة"الترابندو"أي تهريب السلع بين الحدود في السنوات الأخيرة. وهذا دليل على الحاجة الملحة للتكامل الاقتصادي مع الجيران. كذلك تشكو بلدان مغاربية من الكساد السياحي فيما يمكن أن يحقق فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، مثلاً، تدفق مليوني سائح في الاتجاهين طبقاً لتقديرات الخبراء. واللافت أن خطوات التكامل الاقليمي لا تأتي الا بضغط من الخارج تماماً مثلما أن الاصلاحات السياسية لا تتقدم الا بالضغوط الغربية أيضاً، وهذا ناتج من غياب الانتخابات النزيهة والاعلام الحر، لا بل حتى معاهد استطلاع الرأي غير موجودة لأن الرأي العام الذي سيستفتى لا يقام له وزن ولا يؤخذ بموقفه. بالمقابل تنبع سياسات الأوروبيين من رؤيتهم للمصلحة الوطنية مثلما تصوغها مؤسساتهم المنتخبة ويشعر حكامهم بأن الرقابة الشعبية تلاحقهم في كل خطوة. ألم نصبح جديرين بعد خمسين سنة من الاستقلالات بأن نعامل مثلما تعامل الشعوب الراشدة؟